لعل الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتفنن في طبخ، ومزج، وتحضير، وتغيير وتقديم طعامه... والطعام يعد من بين أساسيات وضروريات الوجود. لذلك طورت الثقافات القديمة تقاليدها، معتمدة على العناصر السليمة الموجودة في المكونات الغذائية، فكان اهتمام أجدادنا ينصب على الخضر والفواكه والبقوليات والتوابل… علما منهم بفائدتها من أجل صحتهم وسلامتهم. والطب الحديث، للأسف، يعطي وصفات علاجية دون التركيز على وظائف الغذاء ودوره في الوقاية من العديد من الأمراض، حيث عادة ما يعطي الطبيب نصائحه المتعلقة بالغذاء، أو بالأحرى الريجيم بعد الوصول إلى مرحلة المرض وليس قبلها، والذي غالبا ما يكون عبارة عن لائحة من المحذورات والممنوعات سرعان ما يملها المريض ويتمرد عليها، ثم يضرب بها عرض الحائط. ويمكن اعتبار مرض السرطان من بين الأمراض التي تستمر في تحدي الطب الحديث، ولا يزال بالرغم من سنوات الأبحاث المكثفة يفتك بحياة ملايين الأشخاص سنويا، وإن كان الطب نجح في علاج بعض الأمراض السرطانية، إلا أن هناك أمراضا أخرى تبقى صعبة العلاج وتشكل سببا رئيسيا للوفاة، والمشكل الكبير هو عدم معرفة الناس للسبب الرئيسي لهذا المرض، فغالبا ما يربطونه بالوراثة، أو بعوامل خارجية كالتلوث والمبيدات والتدخين... وقلة هم من يربطون حدوثه بطبيعة الغذاء. غير أن الإحصائيات تشير إلى أن 30% من الأمراض السرطانية مرتبطة بطبيعة النظام الغذائي. وقد تظهر هذه النسبة مخيفة نوعا ما، وأن الأغذية التي نتناولها يوميا لا يبدو أنها قد تمثل سببا أهم من التدخين. ولتأكيد ذلك يمكن الرجوع إلى الدراسات الحديثة التي نجحت في الربط بين الغذاء المفتقر للخضر والفواكه وارتفاع نسبة الإصابة بالعديد من الأمراض السرطانية، حيث إن 80% من الدراسات أثبتت أن الغذاء الذي يرتكز على الخضر والفواكه يؤدي إلى تخفيض نسبة احتمال الإصابة بالمرض، خاصة سرطان الجهاز الهضمي. وإذا قمنا بمقارنة نظامنا الغذائي في القرن 21 بالنظام الغذائي لأجدادنا، نجد فرقا كبيرا، كمن يقارن نمط أمريكا الغذائي بنمط آسيا، حيث يعتمد الأول على الطعام الذي يجلب أكبر قدر من الطاقة ويرتكز على استهلاك البروتينات والدهون الحيوانية كاللحوم الحمراء، أما الأغذية قليلة الطاقة كالخضر والفواكه، فهي تحتل مكانة بسيطة جدا في هذا النظام، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة السمنة والأمراض المرتبطة بها... أما الثاني فيعتمد نظاما صحيا يهدف فقط إلى الحفاظ على صحة جيدة والوقاية من الأمراض بالرغم من التقدم في السن، ويركز على الخضر والفواكه بكثرة، ومصدر بروتيناته الأساسي هو البقوليات والأسماك. أما اللحوم الحمراء والأغذية التي تحتوي على دهون حيوانية مشبعة فتناولها جد محدود، وإن كنا نحث على الوقوف على تغذية أجدادنا وقراءة معمقة في أسلوب عيشهم البسيط، فذلك لا يعني أننا رجعيين أو غير متحضرين أو نحس فقط بالعاطفة والحنين إلى الماضي، بل لأن جميع الدراسات الحديثة أثبتت أن الإنسان القديم كان يعي تماما ما الذي يأكله، وهو الشيء الذي حماه من عدة أمراض ومتعه ببنية جسمية قوية وصحة جيدة.
إيمان أنوار التازي أخصائية في التغذية والتحاليل الطبية