النقد ككينونة تابعة للأدب، أو كوجود مشروط، على حد تعبير الكاتب المكسيكي ألفونسو راييس، جزء لا يتجزأ من المشهد الثقافي في كل مجتمع أو أمة، وتنبع أهميته من كونه يضيء النص الإبداعي القصصي أو الشعري أو الروائي أو المسرحي، عبر قراءة واعية تنبني على التحليل والتفكيك والتأويل الجمالي، فتجعل المتلقي أكثر فهما ووعيا بعوالم النص الأدبي. ما يسم منجزنا النقدي المغربي هو تنوع أصواته ومشاريعه. وقد استطاعت أسماء مغربية عديدة أن تضمن لها حضورا فاعلا في خريطة النقد العربي المعاصر كمحمد برادة وأحمد اليابوري وعبد الكبير الخطيبي وسعيد يقطين ومحمد بنيس وحميد الحميداني وغيرهم. ولو استطاعت هذه الجهود الفردية أن ترقى إلى العمل الجماعي لكانت الحصيلة جد مهمة، ولكن بالمقابل هناك كتابات نقدية تهل علينا من خلال الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية، بعضها يهتم باسم المبدع ولا يحفل بالنص الذي ينبغي أن يكون هو موضوع القراءة النقدية، وبعضها الآخر يمارس إسقاط مناهج نقدية معينة على النص دون وعي بأن طبيعة النص هي التي تفرض هذا المنهج أو ذاك، ودون أن تأخذ بالاعتبار أن مفهوم الإبداع تغير كليا، وأن طرق ومناهج مقاربته تغيرت هي الأخرى أيضا، وفضلا عن ذلك هناك نقاد ينوهون بأعمال أدبية فقيرة معرفيا وجماليا، مما يدعونا إلى القول إن غربالهم النقدي اتسعت ثقوبه وصار يمر منها القش والحجر والخرطال وأجنحة الصراصير، ليعم بذلك التسيب في الكتابة في مشهد ينغل بالبشاعة. وتملي علينا القراءات النقدية التي تكيل المديح النقدي لنصوص لا ترقى إلى الإبداع إلى الاتكاء على هذه الأسئلة: هل يتسنى للمبدع أن يجيد في كل النصوص التي يكتبها في جنس القصة أو الشعر أو الرواية؟ لماذا تتلافى قراءات نقدية كثيرة الوقوف على هذيانات نصوص إبداعية أشبه بسلع «الشينوا» أدت إلى أن يصبح عدد الكتبة في مجتمعنا المغربي أكثر من القراء؟ بم يمكن تفسير التفات نقاد إلى مبدعين معينين والضرب صفحا عن مبدعين آخرين لديهم نصوص فيها عمق كبير؟ لماذا لا يحترس نقاد لهم وزنهم في ساحتنا النقدية، في وضع تقديمات تنفخ كثيرا في كتابات لا تقدم إضافة إلى مشهدنا الأدبي إبداعية لكتاب مغاربة؟ إن النقد الذي يجامل المبدع، والكتابات النقدية المتسرعة غير المسلحة بوعي نقدي، هو ما سمح بانفجار كتابات شعرية وقصصية وروائية، استسهل أصحابها الإبداع، فزحفوا على الكتابة كما تزحف الموريلا الصفراء على الأرض الخصبة، مشكلين أحلافا، كل حلف يسوق بضاعته داخل سوق الكتابة بطريقته الخاصة، ليوهم كل كاتب نفسه بأنه بلغ شأوا هاما في سلع الإبداع، ويستحق أن يشارك في هذا المهرجان ليقرأ مع كامل الأسف نصوصا تعاني كولسترول الضحالة!!! المحجوب عرفاوي* * ناقد مغربي