منذ توليه مهمة الوساطة كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، فشل كريستوفر روس في تحقيق أي اختراق يذكر في مواقف الأطراف المعنية بالصراع، فالمغرب ظل متشبثا بمقترحه القاضي بمنح أقاليم الصحراء حكما ذاتيا موسعا تحت سيادته المباشرة، بينما ظلت جبهة البوليساريو ومن ورائها الجزائر متشبثتين بالمطالبة بتقرير المصير، وهي المواقف التي كانت تعني أن مهمة المبعوث الأممي روس ستؤول إلى الفشل، خاصة بعد أن قام المغرب بسحب ثقته منه قبل أشهر من الآن، وهو ما تراجع عنه بعد ذلك بعد تلقي المسؤولين المغاربة تطمينات من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأن مبعوثه الشخصي لن يتدخل في قضايا حقوق الإنسان في المنطقة المتنازع عليها، وهو ما ظلت جبهة البوليساريو تطالب به لمدة طويلة. إعادة تجديد الثقة في المبعوث الأممي من طرف المغرب، فرضت عليه العودة إلى محاولة جمع الأطراف حول طاولة المفاوضات مرة أخرى، لكن هذه المرة في ظل ظروف نجحت جبهة البوليساريو أن تفرض عليه أخذها بعين الاعتبار، من خلال استغلالها للمحاكمة العسكرية التي خضع لها بعض العناصر ممن يعرف ب«بوليساريو الداخل»، والذين أدانتهم المحكمة نتيجة ثبوت تورطهم في الأحداث الدامية التي شهدها مخيم اكديم إيزيك السنة الماضية، وراح ضحيتها عدد من أفراد القوات الأمنية، وهي الأحكام التي أخذتها الجبهة كذريعة للتهديد بمقاطعة المفاوضات مع المغرب ما لم يتم إطلاق سراح الصحراويين المعتقلين. هذا الموقف المتشدد للجبهة، يعتبره عبد الفتاح الفاتحي، المختص في الشؤون الصحراوية، مزايدة سياسية من طرف الجبهة على قضية قضائية صرفة، أكدت العديد من التقارير الدولية أنها احترمت شروط المحاكمة العادلة، «في حين أن الجبهة لجأت إلى مثل هذا الأسلوب لأن أجندتها الدبلوماسية لم يعد فيها جديد، ولم تعد تملك أي رؤية جديدة للحل، مما يجعلها تهرب إلى الأمام، لكونها لا تملك أي مبادرة مقبولة لدى الوسيط الأممي أو الرأي العام الدولي للخروج من النفق المسدود الذي وصلت إليه قضية الصحراء، في حين أن المنتظم الدولي يطالب بحل عاجل للقضية، نظرا لانعكاساتها على الأمن في منطقة الساحل والصحراء». ورقة الضغط التي أصبحت بيد جبهة البوليساريو انضافت إلى تحقيقها لمجموعة من المكاسب على المستوى الدبلوماسي، وهو ما تمثل في نجاح الضغوط التي مارستها الجبهة بمساندة من الجزائر على الاتحاد الأوروبي، حتى لا يتم تجديد اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد والمملكة، أو على الأقل ألا تشمل تلك الاتفاقية مستقبلا المناطق الجنوبية للمملكة، وهو ما نجحت فيه الجبهة إلى حدود الآن على الأقل، إضافة إلى ضمانها للدعم من قبل القيادة السياسية الجديدة في فنزويلا، والتي خلف فيها نيكولاس مادورو الرئيس الراحل هوكوتشافيز، حيث استقبل الرئيس الجديد سفير الجبهة، ليؤكد له «دعم بلاده المستمر للجبهة في مواجهة المغرب». كل هذه التطورات دفعت المبعوث الأممي إلى التفكير في اقتراح خطة جديدة لإقناع الأطراف بالجلوس مجددا إلى طاولة المفاوضات، وهو ما تمثل في حمله لخطة جديدة لحل النزاع، قالت بعض المصادر الإعلامية إنها تعتمد على تبني حل الكونفدرالية بين المغرب وأقاليم الصحراء، على شاكلة ما هو معمول به في بعض الدول المتقدمة مثل سويسرا، وهو ما برر في نظر المراقبين إدخال هذا البلد الأوروبي الصغير في جولة المبعوث الأممي الأخيرة، في حين لم يتسن التأكد من صحة هذه المعطيات من عدمها من طرف أي مصدر مسؤول، سواء من الطرفين أو من المبعوث الأممي نفسه، حيث رفض هذا الأخير الإدلاء بأي تصريح حول المسألة خلال زيارته الأخيرة إلى المغرب. من جهته، اعتبر الفاتحي في تصريحه ل«المساء»، أن ما تم تسريبه من صيغة للكونفدرالية كحل محتمل لقضية الصحراء، لا يعدو أن يكون مجرد تسريبات إعلامية، «وهي التسريبات التي تعودنا عليها كلما اقترب موعد تقديم تقرير المبعوث الأممي للصحراء أمام مجلس الأمن في أبريل من كل سنة، وبالتالي فلا يمكن بناء فرضيات على مجرد تسريبات إعلامية، رغم اعتقادي الراسخ بأن جبهة البوليساريو لن تقبل بأي حل من الحلول المقترحة بدون موافقة الجزائر، رغم أن الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب يبقى الحل الأمثل الذي يراعي مبدأ تقرير المصير الذي تطالب به الجبهة. وكشف الخبير في قضية الصحراء عن بعض العراقيل التي قد تقف في وجه مقترح الكونفدرالية، في حال ما كانت التسريبات بخصوص هذا الحل صحيحة، «منها أن نظام الكونفدرالية يكون بين دولتين وليس بين دولة وتنظيم سياسي، كما أن الكونفدرالية لا تستجيب لمبدأ تقرير المصير، وهي تفتقد لصبغة الإلزامية، ويمكن التراجع عنها في أي وقت، مما يعني أن جبهة البوليساريو إن هي وافقت على هذا المقترح، فقد تتراجع عنه في أي لحظة، وتعود إلى المطالبة بالانفصال عن المغرب، مما يجعل هذه الفرضية مستبعدة جدا في نظري.