وقفت على مقال للأستاذ الكبير عبد الحليم قنديل، الكاتب المصري المعروف، المنشور في صحيفة «القدس العربي» في لندن 18/3/2013 تحت عنوان «تحذير لحركة حماس»، واستوقفني طويلا، رغم العدد الكبير من المقالات التي قرأتها في الفترة الأخيرة في ذات الموضوع. ولعل لذلك أسبابا كثيرة، على رأسها الاحترام الكبير الذي تمتع به الأستاذ عبد الحليم قنديل ليس بين كوادر وقيادات حماس فقط (وهذا ما أكده الأستاذ بنفسه) بل على مستوى العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج لما تمتع به ولا زال من جرأة ووضوح في حديثه ضد الظلم والظالمين في عالمنا العربي ونصرته اللامحدودة للقضية الفلسطينية وتطلعات شعبها، ولقد لقي في سبيل ذلك ما لقيه من العنت من النظام البائد، ولكن ما جذبني أيضا إلى المقال هو ما استشعرته من صدق في النصيحة لحركة حماس في كيفية التعامل مع الملف المصري، رغم اختلافي معه في بعض القضايا، شكلا ومضمونا. وهنا أود أن أؤكد للأستاذ عبد الحليم وغيره من الوطنيين المصريين أن موقف حماس، من الإقليم عموما ومن مصر الكنانة خصوصا، واضح لا لبس فيه وتم التأكيد عليه مرات عديدة على لسان قادة الحركة في الداخل والخارج «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»، ويتلخص في الحقائق التالية: إن قضية فلسطين قضية الأمة العربية والإسلامية وليست قضية الفلسطينيين وحدهم؛ إن قضية فلسطين كانت وستبقى قضية جامعة لكل العرب والمسلمين، ويجب أن تسمو فوق كل خلاف إيديولوجي أو سياسي أو طائفي؛ لن تكون حماس طرفا في أي خلاف داخلي في أي دولة عربية ودفعت من أجل ذلك أثمانا غالية، لعل آخرها الموقف من سوريا؛ حماس تعتبر نفسها الخندق المتقدم في الدفاع عن حاضر ومستقبل أمتها، وليس لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني فقط؛ حماس ترى في الدول العربية المحيطة، وخاصة مصر العزيزة، عمقها الاستراتيجي في صراعها الشامل مع الاحتلال؛ أمن واستقرار الدول العربية، وخاصة مصر، هو مصلحة فلسطينية استراتيجية؛ إن من واجب الأمة بكل مكوناتها الرسمية والأهلية أن تشكل حاضنة لنضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة. و بناءً عليه، أود أن أتوقف مع أستاذنا عبد الحليم عند بعض المحطات في مقاله : أولا: حماس تدرك وتعي جيدا ما تعنيه مصر لفلسطين والأمة العربية، وأن مصر الماضي والحاضر والمستقبل، بغض النظر عن لونها السياسي، ستبقى الكنز الاستراتيجي لنضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال؛ ثانيا: حماس أكدت أنها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في الساحة المصرية، وتعي طبيعة هذا المخاض الصعب ومآلاته التي لن تكون إلا لخير مصر وفلسطين مهما حاول العابثون تحويل المسار في اتجاه آخر. وفي هذا الإطار، رحبنا دائما بوصول كل الفعاليات الوطنية المصرية إلى قطاع غزة للتواصل مع فلسطين من خلال هذه البقعة المحررة والاطلاع على الأوضاع على الأرض عن كثب. ومن هنا فإنني، باسم الحركة والحكومة، أوجه الدعوة إلى كل المصريين، على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية، لزيارة غزة ولقاء المسؤولين فيها ومحاورتهم مباشرة حول العلاقة المصرية الفلسطينية بعيدا عن المهاترات الإعلامية، بما يخدم الطرفين؛ ثالثا: حماس أكدت، على لسان مسؤوليها ومؤخرا على لسان رئيس الوزراء أ. إسماعيل هنية، وبكل وضوح، أن أمن مصر واستقرارها هو مصلحة فلسطينية استراتيجية، وأن الحركة أبدت كل الاستعداد (واتخذت خطوات على الأرض، حسب علمي ومن مصادر موثوقة في الحركة) للتعاون على المستوى الأمني مع كل الجهات المعنية للحفاظ على الأمن المصري، وخاصة في سيناء، وفكفكة كثير من الألغاز، وخاصة حادثة مقتل الجنود المصريين (رحمهم الله) في رمضان الماضي بما هو متاح لديها من معلومات، ولم تحرم الحركة أو تجرم التعامل الأمني إلا مع الاحتلال وأعوانه؛ رابعا: ليست حماس، ولكن بعض العابثين بأمن مصر ومستقبلها، وخاصة من الإعلاميين المدعومين من فلول النظام السابق وبعض الدول في الإقليم، هم من يعملون ليل نهار، في إطار الخلاف المصري الداخلي، على جر حماس إلى مستنقع القطعية مع مصر وشعبها الكريم، وذلك من خلال نشر أكاذيب وإشاعات لا تحترم أي مهنية أو موضوعية، متجاوزين حقيقة تاريخية راسخة هي أن ما بين مصر وفلسطين أكبر من كل التنظيمات والأحزاب؛ خذ مثلا، قبل أيام طالعتنا وسائل الإعلام المصري بخبر إلقاء القبض على مجموعة من الفلسطينيين دخلوا مصر بطريقة غير مشروعة، عائدين لتوهم من إيران وبحوزتهم صور وخرائط لمواقع سيادية مصرية، وانتشر الخبر كالنار في الهشيم، وبعد ثلاثة أيام صدر عن مصادر أمنية مسؤولة بيان يؤكد أن الفلسطينيين دخلوا بطريقة رسمية وإلا لما غادروا مصر من مطار القاهرة، ولا توجد بحوزتهم أي صور أو خرائط لمواقع سيادية مصرية. أستاذي الفاضل، ملايين من المصريين المحبين لمصر وفلسطين سمعوا الخبر الأول وتحاملوا على أهل فلسطين الذين قدموا من أجل حريتهم آلافَ الشهداء والجرحى، ولكن بالتأكيد قلة من سمعوا النفي، ولاسيما أن بعض وسائل الإعلام المصرية المنفلتة غير معنية بنشر النفي؛ خامسا: حماس موقفها من الأنفاق واضح لا لبس فيه، وهو أن هذه الظاهرة استثنائية اضطر إليها الشعب الفلسطيني لمواجهة حصار ظالم فرض عليه بإرادة دولية وبمشاركة مصرية رسمية في العهد السابق، وأنها تتطلع إلى علاقات طبيعية ورسمية بجيرانها من خلال فتح معبر رفح البري للأفراد والبضائع بشكل طبيعي، وبالتالي لن تعود هناك أي حاجة إلى أي أنفاق. ولكن، هل يعقل أن يجري العمل، على قدم وساق، على غلق هذه الأنفاق مؤخرا في عهد الثورة المصرية المجيدة في الوقت الذي لازال فيه معبر رفح مغلقا أمام دخول البضائع، بل وجزء كبير من التبرعات. وبالنسبة إلى حركة الأفراد حتى وإن كان هناك تغيير إيجابي فإنه أقل بكثير من تطلعات شعبنا، فالآلاف لازالوا مدرجين على قوائم المنع، المعبر يغلق يوميا الساعة الخامسة مساءً؛ سادسا: هل يعقل أن تستغل بعض وسائل الإعلام المواطن المصري وجهله أحيانا ببعض الحقائق على الأرض لافتعال بل واختلاق أحداث لترويع وتخويف المواطن المصري من جاره وأخيه الفلسطيني؟... هب أن فلسطينيا أخطأ هنا أو هناك، هل يجوز معاقبة كل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؟... هل يعقل أن نحمل الشعب المصري العظيم جريرة مصري قتل سائحين في الأقصر... أو قاتل إلى جانب القاعدة في العراق... أو قتل وروع مصريين تحت مسمى «البلطجية»؟ بالتأكيد هذا منافٍ للعدل والمنطق. أستاذ عبد الحليم، نشكرك على المشاعر الفياضة الصادقة تجاه فلسطين وحماس... ونشكر لك حرصك على النصيحة ونتشرف مرة أخرى بدعوتك وكل الوطنيين الشرفاء المصريين لزيارتنا في غزة لتسمع وترى ما يسرك لصالح قضية فلسطين، وكذلك مصر وأمنها واستقرارها.