يوم الأحد 10 مارس الجاري قام شرطي يشتغل بمفوضية مشرع بلقصيري بارتكاب مجزرة راح ضحيتها ثلاثة من زملائه، وقبل هذا الحادث عرفت الأشهر الماضية تزايد حالات الانتحار بين صفوف رجال الأمن والتي كان آخرها حادث الانتحار الذي وقع يوم في 7 مارس الجاري عندما أقدم شرطي من مدينة سطات على الانتحار باستعمال مسدسه الوظيفي داخل مقر عمله، تاركا رسالة يلتمس فيها الاهتمام بزوجته وبناته وقبله بأسابيع أقدم شرطي آخر على الانتحار مستعملا سلاحه الوظيفي داخل منزله بالدار البيضاء، لأسباب «عائلية واجتماعية»، بينما انتحر آخر برتبة مقدم شرطة في شهر ماي الماضي بالحي الحسني بسبب مشاكل عاطفية كان يعيشها الهالك. «المساء» وفي محاولة لتسليط الضوء على تزايد حالات الانتحار بين رجال الشرطة نظمت ندوة لفتح النقاش حول موضوع «المقاربة النفسية لتزايد حالات الانتحار بين رجال الأمن» استضافت مسؤولين أمنيين وطبيبا نفسيا ورجل أمن متقاعد. - المساء في يوم الأحد 10 مارس الجاري قام شرطي يشتغل بمفوضية مشرع بلقصيري بقتل ثلاثة من زملائه في اعتقادكم ما هي الأسباب النفسية التي أدت به إلى ارتكاب هذا الفعل؟ - الدكتور أبو بكر حركات، اختصاصي في الأمراض النفسية من يقوم بمثل ذلك الفعل, على العموم, ربما يعانون من حالة مرضية نفسية تكون مضمرة تظهر لحظة ارتكابهم لتلك الأفعال أو أنهم يعيشون ضغوطات أو أزمات نفسية أو حالة اكتئاب ويظلون يحتفظون داخل ذواتهم بشحنات الضغط التي تنفجر، وبالنسبة لحالة الشرطي حسن البلوطي الذي ليست لدي معطيات حول ملفه وحالته النفسية وهل كان يعاني من حالة اكتئاب أم لا، لأن الاكتئاب ليس دائما حالة ظاهرة فهناك عدة أنواع من الاكتئاب، منها الاكتئاب المقنع الذي يظهر فيه الإنسان عاديا وفي أحسن حال لكن المرض ينخره من الداخل، وحتى إذا لم تكن هناك حالة اكتئاب، فإذا كان الشخص يعاني خلال تربيته وتنشئته في الطفولة أو المراهقة من ضغوطات وتقزيم وتقديح، ثم انخرط في عمله وواجه فيه ضغوطات مصاحبة بتقديح, ونحن نعرف أن رجال الأمن يشتغلون في ظل تراتبية وتحت نظام المأمورية، الذي يتميز بوجود عدة رؤساء، وتلك الضغوطات تبدأ من قمة الهرم وتنزل ودائما الذي يوجد في أسفل الهرم هو الذي يكون عليه تحمل أكبر ثقل من تلك الضغوطات، ويجب أن يتميز بطاقة نفسية كبيرة لتدبير تلك الضغوطات ومواجهتها، فإذا كان هذا الشخص قد عانى من التقديح والتقزيم، كما قلت، فستكون دائما في قرارة نفسه رغبة في الثأر والانتقام وأنه يوما ما سيريهم من هو. وإذا أضيفت إلى تلك الشحنات ضغوطات أسرية ومادية وإذا وقعت له ملاسنة مع زميل له، فإن الشحنة التي ظلت مكبوتة منذ عقود تخرج بطريقة عنيفة وبالنسبة له فليقع ما يقع بعد ذلك، ولا أظن أن الشرطي كان في حالة اكتئاب، بل كان يريد أن يعيد الاعتبار لنفسه من خلال ذلك الفعل. - نور الدين قصبي: رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالرباط حادث بلقصيري حالة معزولة كجميع الحالات المعزولة التي تقع. القضية مازالت في طور التحقيق، والملف برمته بيد السيد قاضي التحقيق. كما أن البحث لازال جاريا لتحديد ظروف وملابسات الحادث والقضية ستحال على النيابة العامة لاتخاذ القرار المناسب، وبالتالي فكثير مما جاء في الصحف مجانب للحقيقة، لأن كل واحد تناول الموضوع من زاويته ومادام الملف ما زال في طور التحقيق، فإن المعطيات الحقيقية للواقعة لا يمكن أن تعرف بدقة إلا بعد انتهاء التحقيق. - المساء نحن لا نسعى إلى خرق سرية التحقيق وإنما نحاول أن نلامس الأسباب التي أدت برجل الأمن إلى إطلاق الرصاص على زملائه كي لا تتكرر مثل تلك الفاجعة. - نور الدين قصبي: لا يمكن أن ننطلق من حادث بلقصيري للقول إن حالة عنف تمارس ضد الآخرين وسبق أن وقع في كثير من الدول وهو حالة تبقى معزولة، ويتعلق الأمر بشخص وصل إلى حالة من الغضب فجرها من خلال ارتكاب الحادث، ولا يمكن تعميم الحادث باعتباره ظاهرة أو عنفا صادرا عن الشرطة تجاه الآخرين. هو حادث منعزل وقع بمدينة بلقصيري ويجب أن نذكر بأن مرتكب الحادث قضى 30 سنة من العمل في سلك الشرطة، ولو كانت ظروف العمل هي التي دفعته إلى القيام بما قام به فأظن أنه كان سيرتكبه قبل ذلك خلال فترة الشباب. - المساء لكن بدون شك هذا الحادث له أسباب؟ - دكتورة سعيدة عميري: المسؤولة عن خلية علم النفس بالمديرية العامة للأمن الوطني لكي نتحدث عن الأسباب النفسية للحادث يجب أن نتوفر على ملفه النفسي ونحن بصدد إجراء خبرة طبية نفسية عليه، وفي غياب هذه الخبرة النفسية لا يمكننا أن نتحدث بدقة عن الأسباب النفسية التي دفعت رجل الأمن إلى ارتكاب الحادث. - نور الدين قصبي: يجب انتظار الخبرة النفسية لنتأكد مما إذا كان هذا الشرطي مسؤولا عن أفعاله مسؤولية تامة أم ناقصة أم غير مسؤول عنها، والخبرة هي التي ستوضح هذا الأمر. وبدون توفرنا على نتائج الخبرة لا يمكننا الحسم في هذه الواقعة وتقديم نتيجة في ظل وجود الملف رهن التحقيق الذي يأخذ مجراه الطبيعي. - الدكتور أبو بكر حركات : هذه حالة معزولة لكن يمكن أن تقع. منذ أزيد من 20 سنة لم نسمع عن مثل هذا الحادث، وهذا الحادث كان سيقع في يوم أو في آخر لسبب أو لآخر، لأن المجتمع يتطور والضغوطات تزداد حدتها والشرطي مرتكب الحادث إنسان في النهاية، والحادث يمكن أن يرتكبه شرطي أو جندي يحمل بندقيته الرشاشة، ويجب ألا نستغرب في يوم من الأيام إذا دخل تلميذ إلى المدرسة وارتكب حادثا كالذي يقع في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأن حالات كهذه ستقع بشكل حتمي نتيجة تطور المجتمع. - محمد أكضيض: عميد شرطة متقاعد هنا يمكن قول شيء واحد هو أن المديرية العامة للأمن الوطني عملت على إصلاح تلك التراكمات ويجب إعادة قراءة الظهير 23 فبراير 2010 وخاصة المتعلق بالشق الاجتماعي الخاص برجال الأمن، وأنا أعتقد أن نفسية رجل الأمن ليست هي الأولوية بل وضعيته الاجتماعية وهذا ما انتبه إليه الظهير، وهناك مشروع قوي لدعم حالته الاجتماعية ويبقى على النخب السياسية أن تكون جادة لدعم هذا المشروع، ويجب القول إن كل مدير سبق أن قدم مشاريع لتحسين الأوضاع الاجتماعية لرجال الأمن، وجد نفسه عاجزا عن تنفيذ مشروعه بمبررات مختلفة، تتراوح بين عدم توفر الموارد بسبب الجفاف وأن الأمن ليس في حاجة إلى تحسين الوضعية الاجتماعية لرجالاته، وكما سبق أن أكد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري بأن الأمن يعيش مع المواطن.. وهذه مغالطات وأنا أعلم أن المدير العام الحالي لديه مشروع اجتماعي قوي بمبادرة منه خارج هذا الظهير. أما فيما يخص حادث بلقصيري والحديث عن سرية البحث، فإننا سنبقى كرأي عام وطني ننتظر محاكمة هذا الشرطي، وسنترك هذا الرجل إلى أن يقول لنا ما سيقول من داخل السجن، وهناك خلاصات على الأقل ونحن أمام دستور جديد ينص على أن كرامة المواطن ورجل الأمن شيء أساسي ونحن نعتقد كمتقاعدين عشنا داخل المؤسسة أن الالتفاتة الملكية من خلال الشق الاجتماعي للظهير بمثابة قانون أساسي لرجال الأمن تريد تحسين الأوضاع الاجتماعية لهذه الفئة وخاصة البنية الأولى من درجات رجال الأمن. إذن مقدم الشرطة البالغ من العمر 56 سنة عمل بتطوان قبل أن يتم نقله إلى مشرع بلقصيري, كان في حاجة إلى مواكبة نفسية. وهذا الشرطي ليس له الحق في إطلاق الرصاص وما قام به جريمة ولا يسمح له، سواء كانت لديه تراكمات نفسية أو اجتماعية ومهما كانت ظروفه، بارتكاب ما ارتكب، لأن رجل الأمن يتصف بالانضباط والتعقل ومجموعة من الأوصاف الأخرى مهما كان ضغط العمل، لأنه يعمل من أجل الوطن. - نور الدين قصبي: هناك حديث عن الضغط وأريد أن أوضح أن مفوضية بلقصيري الواقعة بمدينة صغيرة هادئة ليس فيها ّأي ضغط في العمل إذا ما قورنت بمدن كبرى كالدار البيضاء والرباط، وحالة شرطي مشرع بلقصيري سيمكن تفسيرها من خلال البحث الذي يجرى معه ومن خلال الخبرة النفسية التي يخضع لها. - محمد أكضيض: نحن لا نختلف حول ما قاله الأخ قصبي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن أحيل مشاكلي الاجتماعية على المديرية العامة للأمن الوطني، نظرا لأخطاء ارتكبتها شخصيا. - المساء قبل حادثة بلقصيري سجلت مجموعة من حوادث الانتحار بين صفوف رجال الأمن باستعمال السلاح الناري الوظيفي.. ما هي الأسباب التي تجعل رجال أمن ينتحرون بتلك الطريقة؟ - نور الدين قصبي: لا يمكن الحديث عن ظاهرة الانتحار في صفوف رجال الشرطة, بل هناك حالات معزولة تقع بين الفينة والأخرى، وهذا ما تؤكده الإحصائيات الرسمية المتوفرة لدى المديرية العامة للأمن الوطني التي تشمل الفترة بين العام 2000 و2012 أنه تم تسجيل 46 حالة انتحار وسط صفوف رجال الشرطة تتوزع بين ثلاث حالات سنة 2000 و سبع حالات سنة 2001 وخمس حالات سنة 2002 وأربع حالات سنة 2003 وحالتين سنة 2004 وحالتين سنة 2005 وحالتين سنة 2006 وست حالات سنة 2007 وحالة واحدة سنة 2008 وثلاث حالات سنة 2009 وحالتين سنة 2010 وثلاث حالات سنة 2011 وحالتين سنة 2012 ، وهذه الحالات ليست جميعها بالسلاح الوظيفي وهي تهم جميع الرتب خاصة بسلك الشرطة، والمنتحرون كانوا يعتمدون على الوسيلة المتوفرة لديهم لحظة الانتحار، لأن الإنسان حينما يقرر الانتحار فهذا الأمر يتم عبر مراحل تبدأ بالتفكير واتخاذ القرار مرورا إلى التنفيذ، الذي يكون عبر الوسيلة المتوفرة لديه والتي يتقنها. وتبقى حالات الانتحار معزولة بين رجال الأمن، وإذا ما قارناها بعدد رجال الأمن فسيتبين أن نسبتها تصل إلى حوالي واحد في الألف، وهذه نسبة تبقى جد ضئيلة. - دكتورة سعيدة عميري: مقاطعة وأيضا إذا ما قورنت بعدد حالات الانتحار المسجلة بين السكان العاديين على الصعيد الوطني، فمثلا في 2005 سجلت 152 حالة وفي 2012 سجلت 242، وهذه الإحصائيات والتي سبقتها توضح أن نسبة الانتحار بين رجال الشرطة في السنة لا تصل إلى أربعة وهذا رقم ضئيل والصحافة تضخم عمليات الانتحار وسط صفوف رجال الأمن، ويجب ألا نطرح سؤالا حول السبب الذي يؤدي إلى الانتحار بل يجب أن نتساءل عن العوامل التي أدت إلى الانتحار ونحن في المقاربة النفسية نبحث دائما عن تاريخ الشخص، لأن هذا التاريخ هو بمثابة حقيبة يحملها كل شخص معه والشخص الذي يختار الانتماء إلى جهاز الشرطة يختار طواعية العمل تحت الضغط، وهناك معايير دقيقة في الاختيار من خلال أسئلة دقيقة توجه إلى المرشحين الذين يبدون الرضا والرغبة في امتهان مهنة الشرطة التي تتميز بطبيعة خاصة، ونحن في المديرية العامة للأمن الوطني نتأسف على ما حدث في مشرع بلقصيري ونتوجه بأحر التعازي لضحايا الحادث، والمديرية العامة واعية منذ مدة بهذه الحالات التي تبقى معزولة وهي تقوم بعدة إجراءات منذ قدوم رجال الشرطة كمرشحين من أجل اجتياز المباراة لولوج أسلاك الشرطة، وهناك مجموعة من الامتحانات الكتابية والشفوية وهناك معايير بالنسبة للشكل الخارجي، وهناك تتبع. ونحن لا نقول إن جميع الأمور تسير على أكمل وجه، والمديرية العامة تعمل دائما على تطوير وسائلها من خلال مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية، انطلاقا من وعيها بأن الجانب الاجتماعي يشكل طفرة مهمة بالنسبة لرجل الشرطة ونحن المؤسسة الوحيدة التي ضاعفت الأجور. أما بالنسبة للجهود التي تبذلها المديرية لتتبع الصحة النفسية لرجال الأمن فهناك خلية مركزية لعلم النفس ومصالح داخل عدد من ولايات الأمن في أفق تعميمها على جميع ولايات الأمن. - محمد أكضيض: كما قلت هناك مشروع جاد، لكن أتمنى أن تبذل المديرية العامة مجهودا أكبر في التواصل فنحن نسمع عن وجود مواكبة نفسية لرجال الأمن لكننا لا نعرف طبيعتها. - نور الدين قصبي: فضلا عن وجود أخصائية نفسية تواكب رجال الأمن الذين لديهم مشاكل نفسية، فإن هؤلاء المختصين النفسيين يساعدوننا كذلك في عملية البحث الجنائي، خاصة في قضايا القاصرين والاغتصاب والعنف الأسري والزوجي. - الدكتور أبو بكر حركات : حينما ننظر إلى الإحصائيات الرسمية المقدمة التي توضح أن هناك 46 حالة انتحار مسجلة خلال 14 سنة بين صفوف رجال الأمن ضمن 50 ألف شرطي نلاحظ أنها قليلة جدا، وهذا الرقم يمكن أن يسجل في سنة واحدة بمدينة نيويورك، وكذلك الأمر بالنسبة لفرنسا التي ارتفعت فيها نسبة الانتحار بين رجال الأمن، على الرغم من أننا إذا قارنا الوضعية الاجتماعية لرجال الأمن بفرنسا والمغرب فسنجد فرقا كبيرا بين الطرفين. وهنا أريد أن أقول إن ظاهرة الانتحار غير مقتصرة على مهنة معينة فحتى الأطباء النفسيون ينتحرون ومن لم ينتحر منهم دخل في حالة تشرد نفسي، وكما قالت الدكتورة فإن أي شخص انتحر يجب أن ننظر إلى سيرته الذاتية والنفسية والشخص يقدم على الانتحار حينما يجد نفسه أمام الباب المسدود ولم يبق له أي مخرج. وأريد أن أوضح أنه خلافا لما يعتقد الجميع بكون الانتحار نوع من الجبن، فإن اتخاذ قرار الانتحار يلزمه كثير من الشجاعة وتلك المعاناة الداخلية التي يكون الشخص عرضة لها تتراكم فيقرر وضع حد لحياته من أجل راحته النفسية، لأنه لم يعد يستطيع الاستمرار في تحمل الألم. وفي تقديري الشخصي لأني لم أطلع على ملفات المنتحرين ال46 من رجال الأمن سنجد أن حوالي 15 منهم انتحروا بسبب ضغوطات العمل، وما يثير انتباهنا في حوادث انتحار رجال الأمن هو أن رجال الشرطة من المفروض أن تكون لهم بنيات نفسية متينة، وجميع الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية حمل السلاح أعتقد أنه يجب أن تكون لديهم بنية نفسية متينة. لكن رغم الاختبارات التي تجرى يبقى هناك هامش لا يمكن التحكم فيه لأن النفس الإنسانية تنهار. - المساء إذن نفهم من تدخلكم أن أسباب الانتحار بين رجال الأمن مرتبطة بما هو نفسي أكثر مما هو مهني. - محمد أكضيض: أنا من خلال تجربتي متشبث بشيء واحد وهو أن رجل الأمن يمكن أن يعمل من الساعة السادسة صباحا إلى الساعة الواحدة بعد الزوال، وبفعل وجود منحة يمكنه أن يعمل ساعات إضافية إذا كانت هناك تحفيزات مادية، كما لاحظت أن رجل الأمن يعمل بحيوية في حالة وجود حوافز اجتماعية. - الدكتور أبو بكر حركات : أنا لم أفهم ما علاقة ما تقول بما سبق وقلت. محمد أكضيض: العلاقة هي حتى أن نسبة 15 في المائة تتعلق بمسائل اجتماعية ولا علاقة لها بالأمور النفسية. - الدكتور أبو بكر حركات : أعتقد أن الجانب الاجتماعي يتداخل مع الجانب النفسي، لأن الشخص الذي لا تتوفر له ظروف اجتماعية مريحة فإنها تؤثر على صحته النفسية. - دكتورة سعيدة عميري: بشكل عام هناك الاعتبارات الاجتماعية وهناك الاعتبارات المحيطية. وحينما نتحدث عن هذا الشخص يجب أن نتحدث عن أسرته الصغيرة وأسرته الكبيرة المتمثلة في العائلة وأصدقاء العمل والأصدقاء خارج العمل وكل هؤلاء يمثلون حلقة مهمة في الجانب النفسي للإنسان، لأن الذات الإنسانية لها جهاز نفسي معين مخلوق بتوازنات إذا اختلت يحدث مشكل في التواصل مع المحيط، ولما يهتز هذا التوازن الشخصي يصبح الإنسان مشروع منتحر، لأن شخصيته تصبح هشة وهنا تختلف الشخصيات بين شخصيات جريئة تلجأ إلى العلاج النفسي لدى طبيب متخصص، فيما يلجأ البعض إلى الشريك ليتحدث له عن معاناته النفسية.. أما العينة الثالثة فلا تمتلك الجرأة من أجل اللجوء إما إلى الطبيب أو الشريك من أجل التخفيف من الضغوط النفسية فتتراكم تلك الضغوط ويصل إلى النفق المسدود, فكيف إذا كان هذا الشخص رجل شرطة يفترض أنه يتمتع بالقوة الجسمية والنفسية لديه هذا التراكم وليست لديه الطاقة للتحمل ونكون بصدد شخص قريب من الانتحار. هناك نقص في الثقافة الصحية النفسية في المغرب ونحن محتاجون إلى نظام المكافأة والاعتراف والتحفيز المعنوي والدعم اجتماعي من طرف المحيط العائلي والشخصي. - الدكتور أبو بكر حركات : أريد أن أوضح أنه في حياتي المهنية عالجت رجال شرطة من مختلف الرتب من حارس أمن حتى عميد، رغم أنهم لم يكونوا حالات كبيرة تمكننا من استخلاص إحصائيات ولم يكن الجانب المهني السبب الرئيسي للمشاكل النفسية التي يعانيها رجال الشرطة. - المساء أريد أن أوضح نقطة مهمة للدكتورة تتمثل في كون المغاربة لديهم نظرة خاصة في التعامل مع الطب النفسي، لكن مؤسسة حساسة كجهاز الشرطة تضم حملة السلاح يجب أن تكون هناك مراقبة لصحتهم النفسية التي إذا اهتزت يمكن أن يشكلوا خطورة على أنفسهم وعلى المجتمع. - دكتورة سعيدة عميري: أريد أن أعيد التأكيد على أن حالات الانتحار داخل سلك الشرطة قليلة جدا، والرؤساء حينما يلاحظون أن هناك مشاكل تتعلق بالصحة النفسية يتم التدخل وإلا كنا نسمع حالات أكثر، إذن هناك عمل ومجهود يبذل. - محمد أكضيض: المدير العام الحالي حسب علمي وجه مذكرة إلى ولاة الأمن بخصوص التواصل مع رجال الأمن وهذا شيء يجري، والدليل هو وجود مسؤولي المديرية العامة للأمن الوطني معنا اليوم، وقبل هذا لم نكن نلاحظ هذا الأمر لأننا كنا أمام سنوات الرصاص الإداري، واليوم بقي سؤال واحد: هل ولاة الأمن يفتحون مكاتبهم لرجالهم خلال حصص زمنية معينة. - المساء هل هناك معطيات رقمية مدققة حول أسباب انتحار رجال الأمن؟ نور الدين قصبي: لكي نكون عمليين أريد أن أقدم أهم الأسباب التي تدفع رجال الأمن إلى الانتحار، حيث تأتي الخلافات الزوجية في مقدمة الأسباب المؤدية إلى الانتحار، تليها الديون المتراكمة على رجال الأمن وفي المرتبة الثالثة نجد التناول المفرط للمشروبات الكحولية، ثم معاشرة النساء خارج العلاقة الزوجية والأمراض النفسية، أما ضغوط العمل فتأتي في المرتبة الخامسة. وأريد أن أوضح أن الأمور تغيرت داخل الإدارة فعلاقة الرؤساء بمرؤوسيهم لم تعد كما كانت وأبوابهم أصبحت مفتوحة في وجوههم، والمديرية العامة للأمن الوطني من خلال مجموعة من المذكرات والتوصيات والاجتماعات تسعى جاهدة إلى خلق نوع من التواصل بين الرؤساء ومساعديهم من خلال الانفتاح على مرؤوسيهم وحل مشاكلهم. وأريد أن أوضح أن الوضعية الاجتماعية لرجال الشرطة قد تغيرت عما كانت عليه في بداية التسعينيات. فالراتب الذي يتلقاه رجال الشرطة يمكنهم من اقتناء شقة، وهو الأمر الذي لم يكن متاحا في السابق، إذن الضغط المادي انتفى، إضافة إلى انتفاء ضغط العمل وضغط الرؤساء، لأنه اليوم لم يعد في مقدور الرؤساء معاقبة مرؤوسيهم بتلك السهولة التي كان يتم بها الأمر في السابق, والمديرية اليوم من خلال بحث إداري إذا لم تتأكد أن المرؤوس ارتكب خطأ كبيرا فلا يمكن معاقبته، إذن نقطة ضغط العمل مستبعدة كسبب من أسباب الانتحار لدى رجال الشرطة. بالنسبة لشرطي سطات الذي انتحر فالأسباب لم تكن نفسية أو مهنية وتهمه والدافع للانتحار لا يستحق، ولا علاقة لانتحار شرطي سطات بالعمل الذي يقوم به، أما بخصوص انتحار رجال الشرطة بواسطة سلاحهم الناري، الذي لا يمثل إلا نصف الحالات، فالشرطي يلجأ إلى مسدسه من أجل الانتحار لأنه الوسيلة الناجعة المتوفرة لديه والتي يحسن استعمالها. - محمد أكضيض: عميد شرطة متقاعد أريد أن أعقب على ما قيل وأعود إلى قوة الظهير المنظم للمديرية العامة للأمن الوطني. ففي السابق كانت المناصب المالية قليلة، سواء فيما يتعلق بالترقية أو التوظيف بسبب القدرة المالية للمغرب، والكل يتحدث اليوم عن أن 50 ألف شرطي مغربي لا يصل إلى المعدل الدولي، وهنا يجب أن نتحلى بالصراحة ونقول إن مجهودات رجال الأمن موجودة ويجب ألا ينكرها أحد. - المساء هل 50 ألف شرطي الذين يتوفر عليهم المغرب اليوم قادرون على توفير الأمن ل36 مليون مغربي والعمل في ظروف مهنية جيدة؟ - محمد أكضيض: أريد أن أقول إن سلك الأمن يعتبر اليوم أكبر مشغل في المغرب، إذ يدخله مئات الشباب كل سنة، والرقم الذي قدمه الأخ ممثل المديرية العامة حول عدد حالات الانتحار بين رجال الأمن يجب أن نستخلص منه العبر. - نور الدين قصبي: أولا يجب التذكير بأن عدد عناصر الشرطة في ارتفاع متواصل والميزانية التي كانت توفرها وزارة الداخلية للمديرية العامة للأمن الوطني تمكن من توظيف عناصر جديدة كل سنة، كما أريد أن أنبه إلى أن عدد رجال الشرطة قد تضاعف خلال العشر سنوات الأخيرة, والمديرية تسعى إلى الاستغلال الأمثل للعناصر المتوفرة من خلال إعادة الانتشار, من أجل القيام بالأعمال المنوطة بكل مصلحة على حدة وإعادة العناصر الأمنية في إطار تدبير معقلن للموارد البشرية. والمديرية كل سنة توظف عناصر شرطة جديدة من مختلف الرتب من أجل تواجد أفضل لعناصر الشرطة داخل الشارع العام. وبالنسبة للأشخاص الذين يطالبون بانتشار رجال الشرطة في كل ركن من الشارع العام أوضح أن هذا الأمر غير ممكن، لأن من يطالب بهذا الأمر إذا تحقق سينتقده من خلال القول إننا أصبحنا في دولة بوليسية والمحتجون الذين يتظاهرون في الشارع العام أول شعار يرفعونه هو التقليل من رجال الشرطة وليس زيادة عددهم مع أن واجبهم الأول هو حماية المواطنين، والمديرية العامة سعت إلى تطوير اللوجستيك والتقنيات المستعملة من طرف رجال الشرطة منذ سنة 1996, مع خلق الشرطة العلمية وبعد رجفة 2003 أصبحت تستعمل آليات متطورة في الشرطة العلمية وحاليا مجموعة من القضايا تحل بوسائل علمية اعتمادا على البصمات أو الأدلة الجينية التي يتم التقاطها من مسرح الجريمة. - المساء لكن رغم هذه المجهودات الخصاص لا يزال قائما - نور الدين قصبي: المديرية العامة تقوم بمجهودات جبارة من خلال توظيف أعداد جديدة من رجال الشرطة كل سنة وتوظيف الوسائل التقنية للمساعدة في حل الجرائم والحمد لله نحن في المغرب داخل بلد آمن وأقولها أمام الملء، الأمن مستتب وليس لدينا أي انفلات أمني ومقارنة الوضع الأمني للمغرب مع جيرانه، سواء في الشرق أو الشمال أو الجنوب، يظهر مدى الأمن الذي تنعم به البلاد. فنحن لا نسجل إلا 300 جريمة قتل كل سنة يتم حل 98 في المائة منها، أغلبها يرتكب داخل جلسات خمرية يتم خلالها تبادل الضرب والجرح المؤدي إلى الموت. وهذا يوضح الفرق الكبير بيننا وبين دول كجنوب إفريقيا التي تسجل بها كل سنة 18 ألف جريمة قتل. - محمد أكضيض: يجب أن نحمد الله على أن هناك جريمة تقليدية فقط في المغرب وليست هناك جريمة منظمة قد تشوش على الجميع. - دكتورة سعيدة عميري: يجب رفع اللبس المتمثل في أنه لا يكمن الحل دائما في إضافة عدد من رجال الأمن، بل هناك تدبير معقلن للموارد البشرية، لأن هناك مسائل أساسية تعد من الأولويات بالنسبة للاستراتيجية المسطرة بالنسبة للمديرية العامة للأمن الوطني هي التكوين المتخصص. وحاليا يتم داخل المعهد الملكي للشرطة تكوين فرق متخصصة يسير بالتوازي مع التقنيات المتطورة التي نتوفر عليها داخل المديرية، كالمختبرات التي يلزمها أناس متخصصون في الميدان، وهنا أريد أن أقول إن رؤية المديرية العامة ليست كمية فقط بل هي كيفية أيضا تعتمد على الترشيد والتكوين. - الدكتور أبو بكر حركات : بالنسبة لانعدام الإحساس بالأمن الأستاذ أكضيض تحدث عن وجود جريمة تقليدية، والمشكل يكمن في عدم تبليغ المغاربة عن الجرائم التي يتعرضون لها وإلا لكانت الإحصائيات ستكون مرتفعة أكثر، ثانيا الجريمة التقليدية تمثل مشكلة أيضا وتعطي إحساسا بانعدام الأمن فإذا وقعت 100 حالة سرقة صغيرة فإن وقعها على المواطن سيكون أقوى من عملية سطو كبرى. - نور الدين قصبي: بخصوص هذا الموضوع أريد أن أوضح أن 80 في المائة من المواطنين يقدمون معطيات مغلوطة أو مبالغ فيها لدى تقدمهم بشكايات أمام المصالح الأمنية. وليس هناك ما يبعث على الإحساس بعدم الأمن، أما بالنسبة لحالات السرقة فإنها ستبقى لأنه لا يمكن القضاء على الجريمة بشكل كامل، لكن المكافحة المتواجدة باستمرار والنتائج الايجابية المحققة تبعث على الاطمئنان.
- المساء في ظل حالات الانتحار التي وصفتموها بالمعزولة, هل تفكر المديرية العامة للأمن الوطني في سحب السلاح الوظيفي للعناصر, الأمنية بعد انتهاء مهامها كما يحدث في أجهزة أمنية أخرى كالدرك؟ - نو الدين قصبي: أنا أجيبك على سؤالك بطريقة واضحة. الشرطي يعمل 24 ساعة في اليوم وهو مطالب بالقيام بمهامه طيلة 24 ساعة ويمكنه القيام بمهامه في محاربة الجريمة في أي وقت حتى وهو في طريقه إلى منزله، إذن هذا الأمر غير ممكن ولا يمكن سحب أسلحة رجال الشرطة بعد انتهاء مهامهم. - دكتورة سعيدة في إطار المذكرة التي أصدرها المدير العام إلى كافة ولاة الأمن بالتواصل مع جميع العناصر الهدف منها هو ملاحظة الحالة النفسية لرجال الأمن، وإذا ما تمت ملاحظة حالة اضطراب يتم التعامل معها في حينها. - نور الدين قصبي: وإذا كانت هناك حالة تبين فيها للأخصائيين النفسيين التابعين للمديرية اضطراب صاحبها فإن المديرية تقوم بسحب سلاحه بشكل مؤقت إلى حين البت النهائي في حالته وهو إجراء احترازي تقوم به المديرية. - الدكتور أبو بكر حركات : أنا أريد أن أقدم اقتراحا لحل هذا المشكل يتمثل في إجراء اختبارات نفسية دورية على رجال الشرطة، للتأكد من صحتهم النفسية باعتبارهم من حملة السلاح.