لم تكن طريق الوزير الإسلامي، الحبيب الشوباني، لوضع أول حوار وطني يطلق في مغرب ما بعد دستور يوليوز 2011 حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، على سكته، سالكة بعد أن وجد نفسه في مواجهة «انقلاب» تقوده شخصيات وجمعيات مؤثرة ووازنة. وبدا الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، عشية إطلاق الحوار الوطني في «ورطة»، بعد خروج شخصيتين بارزتين في اللجنة الاستشارية الملكية لوضع الدستور، هما عبد الله ساعف ومحمد الطوزي، بمعية 120 جمعية، معلنة مقاطعتها للحوار، احتجاجا على تدخل الحكومة في تعيين تشكيلة اللجنة وإقصاء الجمعيات النسائية والأمازيغية. ولم يمنع تبشير عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، في جلسة إطلاق الحوار الوطني بانتهاء «زمن الصراع بين المجتمع المدني والقطاعات والمؤسسات الرسمية للدولة أو يجب أن ينتهي بحكم أن الدستور جدد الثقة في المجتمع المدني من خلال إعطائه صبغة وأدوارا دستورية مهمة للمشاركة في كل الأنشطة القانونية والدستورية والاجتماعية والاقتصادية»، من استمرار الصراع بعد أن اعتبرت الجمعيات المقاطعة أن «إجراءات إعداد الحوار أخذت مسارا آخر، خلق إحساسا بعدم الارتياح تجاه المقاربة المعتمدة في توفير الشروط المؤسساتية الضرورية للحوار البناء»، وخاصة ما يتعلق منها بتركيبة وتشكيل اللجنة الوطنية «وبتحديد معايير عضويتها، الأمر الذي يضع كل التصريحات المعلنة أمام سؤال الديمقراطية».. ورغم حرص الوزير الإسلامي على ضمان شروط نجاح الحوار الوطني بعد اختيار مولاي إسماعيل العلوي، الأمين العام الأسبق لحزب التقدم والاشتراكية، على رأس اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني، إلا أن المقاطعين اعتبروا «تشكيلة تلك اللجنة لا تمت بصلة لحوار حول المجتمع المدني ورهاناته لكونها مغرقة بتمثيلية القطاعات الحكومية والخبراء وأشخاص تحت صفات خبراء ومكاتب الدراسات، في مقابل تمثيلية رمزية للجمعيات الوطنية والشبكات الجمعوية الوطنية والجهوية التي راكمت في الملفات والقضايا التي ينتظر من الحوار الوطني تناولها بالدراسة والتحليل». بل أكثر من ذلك، ذهب المقاطعون إلى طرح علامات استفهام حول القوة السياسية والسلطة التقريرية لرئاسة اللجنة الوطنية: هل هي فعلا التي ستدبر المسارات أثناء تعقدها، وستوفر الجو السياسي الملائم للتعايش بين جميع مكونات وحساسيات اللجنة الوطنية؟». وفي الوقت الذي يبدو فيه أن انطلاقة الحوار الوطني كانت صعبة بعد أن برزت تحفظات وانسحابات من طرف شخصيات وهيئات جمعوية وازنة، فإن ما وقع يكشف عن صراع بين الحكومة «الملتحية» ومعارضيها، وهو الصراع الذي انتقل من المجال السياسي المعتاد (برلمان) إلى المجال المدني، لكن دون أن يتخلص من تجلياته السياسية. فإذا كانت الجمعيات المقاطعة قد اتهمت الشوباني بمحاولة الاستيلاء على المشروع برمته لصالحه أو لصالح اتجاه سياسي معين، فإن البعض، وهو يحاول البحث عن خلفية المقاطعين، اعتبر مقاطعة الحوار الوطني للمجتمع المدني قبل أن يبدأ غرضه التشويش على التعاون والتنسيق الجاري بين حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، تنفيذا لأجندة سياسية لأطراف أخرى. ومهما كانت المرامي والأهداف التي تحكم مواقف الحكومة والجمعيات المقاطعة بشأن الحوار الوطني، فإن لا أحد يمكن أن ينكر علاقة الارتياب القائمة بين الدولة والتنظيمات الحزبية وبعض من المجتمع المدني في بلادنا في ظل مخاوف هذا الأخير من إرادة «الهيمنة» عليه من قبل السياسي. ولئن كان الحوار الوطني يروم صياغة مشتركة لقواعد حكامة تدبير الشأن الجمعوي، وصياغة ميثاق شرف وطني للديمقراطية التشاركية، إلا أن مهمة اللجنة لن تكون سهلة وتعترض طريقها مطبات، وهي تحاول الإجابة عن سؤالين يتمثل الأول في دمقرطة مكونات المجتمع المدني وإخضاعها في طرق تسييرها إلى مبادئ الاستقلالية والشفافية والنزاهة. فيما يكمن السؤال الثاني المطلوب تقديم الإجابة عنه عند انتهاء أشغال اللجنة، في بيان كيفية تفعيل الديمقراطية التشاركية وتحديد الأشكال التي تمكن مكونات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية من إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وخاصة أحكام الدستور المتعلقة بتنظيم الحق في تقديم العرائض والملتمسات والمشاركة في صياغة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية وغيرها من أحكام الدستور ذات الصلة. وفي انتظار أن تنهي اللجنة الوطنية للحوار الوطني اشتغالها على سؤال الدستور والمجتمع المدني في ظرف سنة، فإن السؤال الذي ينتظر الكثير الإجابة عنه هو: هل تفلح اللجنة في إيجاد توافق يجنبها تعثر البداية؟