- حول الوصف والتكييف القانوني الذي اتخذته هيئة قضايا الدولة: لقد عاش المغرب، في ظل مرحلة ما قبل دستور 2011، على وقع إحداث العديد من المؤسسات بموجب الفصل 19 من دستور 1996، وثار نقاش حقيقي بين الدستوريين حول مشروعية إحداث تلك المؤسسات بين من اعتبرها مؤسسات غير دستورية طالما أنها لم تحدث بموجب القانون، وبين من اعتبرها لا تناقض الدستور طالما أن الملك خول له الفصل 19 من الدستور المذكور أن يقوم بردم الفراغ الدستوري، وبعد أن تم حسم هذه المسألة مع دستور 2011 بأن جعل إحداث كل الهيئات العامة تدخل في مجال القانون، دون أن يطالها أي تخصيص، ولتدارك عدم دستورية تلك المؤسسات المحدثة بموجب الفصل 19 من دستور 1996 مع مقتضيات الوثيقة الدستورية الجديدة قام المشرع الدستوري برفع المؤسسات المذكورة إلى مؤسسات دستورية في باب مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية (الفصول من 161 إلى 171 من الوثيقة الدستورية لسنة 2011)، لتتضح حكمة وبعد نظر المشرع الدستوري المغربي، ذلك أنه استبق أي نقاش قانوني حول مآل تلك الهيئات بعد إصدار الدستور الجديد. وحسما منه لكل نقاش، قام برفعها إلى مصاف المؤسسات التي تجد منشأها من الدستور فيه. وبالرجوع إلى مقترح القانون، نجد أنه نص في مادته الأولى على الآتي: «تحدث بموجب هذا القانون هيئة مستقلة، تسمى هيئة قضايا الدولة، يناط بها ترسيخ الحكامة داخل المرافق العمومية...». إن أول ملاحظة يمكن إثارتها بهذا الشأن هي أن واضعي المقترح لم يحددوا طبيعة تلك الهيئة وشكلها القانوني، فهل هي مؤسسة عمومية أم إدارة من إدارات الدولة أم مقاولة عمومية؟ إن تحديد الشكل القانوني لتلك الهيئة سيحدد طبيعتها وطبيعة أعمالها والقانون الذي ستخضع له (قانون خاص أو قانون عام). ومن الواضح أن هذه المسألة لم تكن غائبة عن واضعي مقترح القانون، غير أن هدفهم الأساس كان هو جعلها مستقلة عن كل السلط وأن مسألة توضيح الشكل القانوني الذي ستتخذه الهيئة سيجعلها خاضعة بشكل أو بآخر للسلطة التنظيمية، ذلك أن اختصاصاتها تحكم عليها، بحكم الواقع، بأن تتخذ شكل مؤسسة عمومية أو مصلحة من مصالح الدولة مسيرة بصورة مستقلة. وكلتا الصورتين تكونان خاضعتين لسلطة رئيس الحكومة، سواء من باب التبعية الإدارية أو سلطة الإشراف والوصاية (الفصل 89 من دستور 2011). ولتجاوز هذا الأمر، قام واضعو مقترح القانون بابتداع شكل جديد ما أنزل المشرع الدستوري به من سلطان، فاقتصر حديثهم عن هيئة دون تحديد شكلها، في مخالفة واضحة للدستور وقواعد القانون وأصوله، وكأني بهم يحاكون في شكل غير طبيعي ما كان يقع من غيرهم في ظل دستور 1996. - حول مخالفة فصول مقترح القانون لمقتضيات الوثيقة الدستورية لسنة 2011: بالاطلاع على مقتضيات مقترح القانون في شأن إحداث هيئة قضايا الدولة، نجد أنه تضّمن مخالفات بالجملة لدستور 2011، والتي سنوردها وفق الآتي: المادة 11 من مقترح القانون: نصت المادة 11 من مقترح القانون على أن «طعن هيئة قضايا الدولة في الأحكام النهائية يوقف تنفيذها». ومعنى ذلك أنه إذا أصبح أي حكم صدر ضد الدولة أو هيئاتها نهائيا وأضحى متمتعا بقوة الشيء المقضي به، فإنه لا يكون نافذا إذا طعنت فيه الهيئة المذكورة بالنقض. وتجدر الإشارة إلى أن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ إلا في حالات عدَّدها على سبيل الحصر قانونُ المسطرة المدنية، الأمر الذي يفيد بأن هناك استثناء ووضعية امتيازية أراد واضعو مقترح القانون أن يخولوها للقضايا التي تكون فيها الدولة طرفا، في مخالفة صريحة للفقرة الأولى من الفصل 6 من الدستور المغربي والتي نصت على أن «القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة؛ والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بمن فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له». إن قراءتنا للنص الدستوري المذكور الذي يلزم جميع الأشخاص، مهما كانت طبيعتهم، بالامتثال للقانون كلما توافرت جميع شروط إعماله، تفيد بأن المادة 11 من مقترح القانون قد خالفت الدستور من باب أنها أعطت الدولة امتيازا أثناء سريان الدعوى على حساب الأفراد، ومتعتها باستثناء وامتياز لا يستفيد منه غيرها، وهو الأمر الذي لا يستقيم وقواعد مساواة الأفراد والهيئات أمام القانون وفق ما نص عليه الفصل الدستوري المذكور. المادتان 16 و26 من مقترح القانون: نصت المادة 16 من مقترح القانون على أن الرئيس يعين بظهير ويمثل هيئة قضايا الدولة لدى المصالح العمومية ولدى الغير. كما نصت المادة 26 من ذات المقترح على أن المستشارين المقررين يعينون بموجب ظهائر، ومعنى ذلك أن جلالة الملك هو من يقوم بتعيين رئيس الهيئة المذكورة ومستشاريها المقررين. وهنا مخالفة صريحة لنص الدستور الحالي، ذلك أن الفصل 42 في فقرته الثالثة من الوثيقة الدستورية لسنة 2011 نص على الآتي: «يمارس الملك هذه المهام (المهام المرتبطة برئاسة الدولة والمنصوص عليها في الفقرة الأولى) بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور»، ومعنى ذلك أن الدستور قد خول صراحة لجلالته سلطات يمارسها بموجب الدستور دون غيره من القوانين. أما بالنسبة إلى نازلة الحال الخاصة بتعيين رئيس هيئة قضايا الدولة والمستشارين المقررين، فإنها تدخل ضمن مجال التعيين في المناصب العليا، والتي نص عليها الفصلان 49 و92 من الدستور، اللذان أحالا على قانون تنظيمي تحديدَ مجال تدخل المجلس الوزاري في شأن التعيين في المناصب العليا ومجال تدخل المجلس الحكومي في هذا الشأن. إن تحديد تعيين رئيس هيئة قضايا الدولة والمستشارين المقررين من قبل الملك يخالف، من جهة، الفصلين المذكورين، كما يخالف مقتضيات القانون التنظيمي رقم 1202 المتعلق بتطبيق المادتين 49 و92 من الوثيقة الدستورية لسنة 2011، الذي هو أعلى درجة من القانون العادي. واعتبارا لكون المشرع نص صراحة على تراتبية القوانين واعتبرها مبادئ ملزمة (الفصل 6 من الدستور)، فإن المادة 16 من مقترح القانون قد خالفت الدستور، ووجه المخالفة يتمثل في: أ- إعطائها صلاحية جديدة للملك، خلافا للمادة 42 دستور 2011 التي حسمت مسألة صلاحيات الملك واعتبرتها محددة على سبيل الحصر في الوثيقة الدستورية؛ ب- أنها خالفت المادتين 49 و92 من الدستور في شأن التعيين في المناصب العليا؛ ج- أنها خالفت مبدأ تدرج القوانين وتراتبيتها؛ ح- أنها خالفت القانون التنظيمي الذي يحدد أشكال التعيين والجهات المكلفة به. إن واضعي مقترح القانون قد صاغوا المادتين 16 و26 وفي عقلهم مقتضيات دستور 1996 (الفصل 30) التي كانت تعطي للملك صلاحية التعيين في المناصب المدنية والعسكرية على إطلاقها، وهو الأمر الذي لم يبق موجودا مع صدور دستور 2011. المادة 32 من مقترح القانون: نصت المادة 32 من مقترح القانون على أن المستشارين الملحقين بهيئة قضايا الدولة يخضعون لنفس الأحكام التي يخضع لها الملحقون القضائيون المنصوص عليها في النظام الأساسي لرجال القضاء. وهنا مخالفة دستورية واضحة لمقتضيات الفصل 112 من الدستور المغربي الذي نص على أن النظام الأساسي للقضاة وجب صدوره في شكل قانون تنظيمي. ووجه المخالفة يتمثل في كون القانون العادي، والذي هو أدنى درجة من القانون التنظيمي، لا يحق له أن يحيل في مقتضياته على قانون تنظيمي لم يصدر بعد، كما أنه لا يحق للقانون الأدنى درجة أن يأمر أو يخاطب القانون الأعلى منه درجة.