تأجيل مناقشة ميزانية مندوبية السجون بسبب غياب الحكومة يثير غضب التامك ويصرخ: "شعرت بإهانة لم أشعر بها في حياتي وفكرت نحط استقالتي"    المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير في دورته العشرين    «كلنا نغني».. جولة عربية وأوروبية للعرض الذي يعيد إحياء الأغاني الخالدة    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    في أول كلمة له بعد هزيمة هاريس.. بايدن يتعهد ب"انتقال سلمي" للسلطة مع ترامب    عودة دياز وماسينا وعطية الله وغياب زياش .. الركراكي يستدعي "أسود الأطلس"    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    المجلس الحكومي يلتقط الإشارات الملكية    بايتاس: توحيد أنظمة التأمين الإجباري عن المرض "ليس اختراعا حكوميا"    التنسيق النقابي الوطني يهدد وزارة الصحة بالانخراط في "برنامج تصعيدي"    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري        بايتاس: أكثر من 63 ألف أسرة استفادت من المساعدات الشهرية لضحايا زلزال الحوز    حموشي يرأس وفد المملكة المغربية المشارك في الدورة 92 للجمعية العامة للأنتربول بإسكتلندا    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    التنسيق النقابي للأطر الصحية يتوعد الحكومة بالتصعيد احتجاجاً على خرق اتفاق يوليوز        في بلاغ للمكتب السياسي .. وضوح رؤية جلالة الملك في قضية الصحراء مكَّن بلادنا من تأمين مضامين سوسيواقتصادية للسيادة على التراب    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    استعدادات المنتخب الوطني: الركراكي يعقد ندوة صحفية وحصة تدريبية مفتوحة للإعلام    خيارات الركراكي: غياب زياش عن لائحة أسود الأطلس يثير التساؤلات    مؤشرات إيجابية نحو إنهاء أزمة طلبة الطب واستئناف الدراسة    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    بوجمعة موجي ل"رسالة24″ : يجب تعزيز الرقابة وحماية المستهلك من المضاربين    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين    نجم منتخب أوروغواي السابق دييغو فورلان يحترف التنس    جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة        تظاهرات واشتباكات مع الشرطة احتجاجا على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية    وزارة الصحة تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    التّمويل والصّيانة تحديات تحاصر أجرأة مشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير    رئيس جهة طنجة يقود تدشين مشاريع بنية تحتية لتعزيز التنمية بإقليم العرائش    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرقابة على دستورية القوانين في المغرب.. الرقابة السياسية والرقابة القضائية
نشر في المساء يوم 11 - 01 - 2012


الدفع بعدم دستورية المادة 35
إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقرر إحداثه بقرار ملكي بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.19 المؤرخ في فاتح مارس 2011 بناء على الفصل 19 من دستور 1996 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5922 بتاريخ 3 مارس 2011، في حين أنه بتاريخ 30 يوليوز 2011 صدر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر نص الدستور الجديد (دستور 2011) كإعلان عن بدء العمل بأحكامه
إنه من المعلوم أن الودادية الحسنية للقضاة أحدثت في ظل ظروف سياسية خاصة، في الوقت الذي لم تكن الدساتير التي تم نسخها بموجب دستور 2011 تتضمن صراحة التنصيص على حق القضاة الانخراط في الجمعيات، أو تأسيس جمعيات مهنية (الفصل 111 من الدستور الجديد)، لذلك فإحداث الودادية الحسنية للقضاة هو استثناء وليس قاعدة، والاستثناء لا يقاس عليه أمام تنصيص الدستور النافذ (2011) على مبدأ تأسيس الجمعيات المهنية من طرف قضاة المغرب، الأمر الذي لم تعد معه الودادية الحسنية للقضاة، الإطار الوحيد الذي يمكن الاشتغال فيه، بل لاشيء يحول دون إحداث جمعية أو جمعيات أخرى، وهذا ما تحقق مع «نادي قضاة المغرب»، بمبادرة من قضاة وقاضيات، تغمرهم الرغبة في العمل القضائي الجاد، والدفاع عن استقلالية القضاء والقضاة، تأكيدا على مبدأ فصل السلط، ولترجمة المكانة الحقيقية للسلطة القضائية.
وعليه، كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أحدث بظهير ملكي بناء على الفصل 19 من دستور 1996، الذي تضمن صراحة في المادة 35 (الفقرة الأخيرة)، تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة بعضو واحد، في حين أنه بدأ العمل بالدستور الجديد في 30 يوليوز 2011، الذي قرر مبدأ حق القضاة في تأسيس جمعيات مهنية ولم يقل «بجمعية مهنية»، أي أنه أجاز التعددية الجمعوية. وبذلك فتمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في شخص رئيسها في المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمام تأسيس نادي قضاة المغرب، لا تعكس الشرعية الدستورية، علما أن أعضاء المجلس يعينون بظهير لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد طبقا للفقرة الأولى من المادة 35 من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان،علما أن تعيين أعضائه تم بعد الشروع في مقتضيات الدستور الجديد.
إنه بعد تأسيس نادي قضاة المغرب، بناء على مقتضيات الدستور الجديد (الفصل 111)، يطرح التساؤل التالي: هل بإمكانه أن ينازع في تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي تمت بناء على ظهير، وذلك عن طريق الطعن بعدم دستورية المادة 35 (الفقرة الأخيرة) من القانون المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن طريق الدفع، استنادا إلى الفصل 133 من الدستور، أم أن الأمر يقتضي تدخل المشرع لتعديل القانون المخالف للدستور إذا كان من غير الممكن جواز الطعن فيه أمام القضاء عن طريق الدفع بعدم دستوريته.
تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة
إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أحدث بظهير ملكي بناء على الفصل 19 من دستور 1996، كما أن التمثيلية في المجلس المذكور تمت بظهير شريف، مما يعني أن تعيين ممثل الودادية الحسنية للقضاة فيه استند إلى هذا المقتضى، أي الظهير الشريف.
وعليه، هل تجوز مباشرة الطعن بعدم دستورية المادة 35 من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وفي الظهير القاضي بتعيين أعضائه، خاصة ما تعلق منه بتعيين العضو المقترح من قبل الودادية الحسنية للقضاة، وذلك عن طريق مسطرة الدفع من طرف نادي قضاة المغرب، ومن هي الجهة المختصة للنظر في الطعن؟
إنه من المعلوم أن أعمال السيادة أو أعمال الحكومة هي تلك الأعمال التي تصدر عن جلالة الملك أو من الحكومة بوصفها سلطة حكم لا سلطة إدارة، وتكيف بأنها من القرارات التي لا تخضع لرقابة القضاء إطلاقا، لا من حيث الإلغاء ولا من حيث التعويض.
كما أن التشريع العادي هو تلك القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية (البرلمان)، ويعتبر المصدر الثاني من مصادر المشروعية بعد التشريع الدستوري، فوظيفة البرلمان هي التشريع، أي سن القوانين كاختصاص أصلي مسند إليه بموجب الدستور، وإصدار القوانين يجب أن يكون مطابقا للدستور، فالسلطة التشريعية تتقيد بمقتضياته، ولا حق لها في تجاوزه أو خرق أحكامه، وفي حال العكس، فمن حق القضاء المختص إلغاء القانون المخالف للدستور، ويترتب عن ذلك إلغاء الأعمال الإدارية المستندة إليه، لأن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة.
فإذا كان المجال التشريعي هو مناط البرلمان، فإن المجال التنظيمي هو من اختصاص الوزير الأول، وكذا الملك، استنادا إلى الدستور. فالملك يمارس بمقتضى ظهائر السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور، وهو الذي يعود إليه أمر تطبيق الدستور، ففي حال غياب أو ضعف التوقع الدستوري الذي يتمثل في الثغرات الدستورية، فإن الملك يتولى وظيفة سلطة الحلول محل الدستور، لحل أزمة دستورية خارج إطار الوثيقة الدستورية، فإصدار قانون بواسطة ظهير ملكي هو عمل تشريعي لأنه يرمي إلى إصدار قواعد عامة ومجردة، علما أن القوانين تصدر عادة عن البرلمان كسلطة تشريعية.
فالظهير إذن هو الشكل أو المعيار الشكلي المعبر عن الصلاحيات الدستورية للملك في المجال التشريعي، علما أن الدستور المغربي أوكل مهام السلطة التنظيمية إلى رئيس الحكومة، لكن بالنظر إلى كون المجلس الوزاري يرأسه الملك، الأمر الذي يجعل من الملك سلطة رئاسية له، ويفهم من ذلك أيضا أن السلطة التنظيمية هي اختصاص ملكي أصلي وواسع، في حين أن الاختصاص التنظيمي للحكومة هو اختصاص مقيد لا يتجاوز سقف التشريع بالوكالة الدستورية.
يستخلص من تاريخ الرقابة الدستورية على القوانين في المغرب أنه لم يسبق لأي دستور أن أجاز للمحاكم ممارسة سلطة الرقابة الدستورية على القوانين. وأكثر من ذلك، فإن الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية والفصل 50 من القانون 90.41 قررا صراحة أنه لا يجوز للمحاكم أن تبت في دستورية القوانين، بمعنى أن الدستور وكذا التشريع أبعدا إعمال مبدأ الرقابة الدستورية على القوانين من صلاحيات القضاء وتم إسنادها إلى هيئة دستورية متخصصة (الغرفة الدستورية، المجلس الدستوري وحاليا المحكمة الدستورية).
لكن الفصل 133 من الدستور الجديد أقر للمحكمة الدستورية بحق النظر وبحث دستورية القوانين عند الدفع بها من أحد الأطراف أثناء النظر في قضية معروضة على المحاكم، لأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بحقوق وحريات صاحب المصلحة في الدفع . فتقرير مبدأ الرقابة عن طريق الدفع من طرف الدستور الجديد كشكل من الرقابة اللاحقة لإصدار القانون، لم يسند الأمر إلى القضاء، بل حصره في المحكمة الدستورية، أي أنها الجهة الوحيدة المختصة في ممارسة الرقابة الدستورية على القوانين، سياسية كانت أم قضائية، فدور المحاكم سيتقيد بقرار المحكمة الدستورية بإعمال النص من عدمه.
وعليه، يفهم من مدلول الفصل 133 من الدستور بأن النص على مبدأ الرقابة الدستورية على القوانين عن طريق الدفع، لم يرافقه إسناد الاختصاص إلى المحكمة التي تنظر في النزاع، كما هو متعارف عليه في الأنظمة الدستورية والقضائية المقارنة. فدور القاضي بهذه المناسبة سينحصر في إحالة الملف على المحكمة الدستورية وانتظار قرارها، ليتولى لاحقا تطبيق القانون المطعون فيه من عدمه. فالمحكمة الدستورية تكون بهذه المناسبة قد مارست الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الامتناع، وكان من الأجدر أن يتولى هذا الاختصاص المحاكم العادية وليست المحكمة الدستورية، لأنه سبق لها أن مارست الاختصاص الرقابي ذاته قبل إصدار القوانين ونفاذها، لذلك أصبح اختصاص المحكمة الدستورية مزدوج : سياسي وقضائي، قد لا نجده إلا في الدستور المغربي. ففي الوقت الذي أجاز الدستور للأفراد الدفع بعدم دستورية قانون معين، لم يصاحبه إسناد الاختصاص للمحكمة المثار أمامها الدفع. نجد أن القضاء، محظور عليه دستوريا أن يضطلع بهذه الوظيفة، وهو المبدأ ذاته المنصوص عليه في الفصل 25 من ق.م.م، هذا الفصل يجب أن يسقط من التشريع، وكذلك الفصل 50 من القانون رقم 90.41، لأن الوظيفة القضائية للمحاكم قائمة على تطبيق القانون فيما يعرض عليها من نزاعات. فإذا تعارض القانون المطلوب تطبيقه في القضية مع الدستور، يتعين وجوبا عليها أن تستبعده وان تمتنع عن الأخذ به في النزاع، إعمالا لمبدأ سمو الدستور على التشريعات الأخرى، وبذلك نكون أمام حالة الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور، التي تكيف بأنها رقابة امتناع أو رقابة عن طريق الدفع، الغاية منها حماية الحقوق والحريات، من جهة، وكذا حماية الدستور من جهة أخرى. إن الأخذ برقابة الامتناع عن طريق الدفع، كشكل من أشكال الرقابة القضائية على دستورية القوانين، ينحصر حكم المحكمة فيه عند القول بعدم الدستورية في استبعاد القانون المخالف للدستور. في حين أن إعمال مبدأ رقابة الإلغاء، فهذا النوع من الرقابة عندما يقرر عدم دستورية القانون، يترتب عنه إلغاءه لمخالفته للدستور.
محام، دكتور في الحقوق


مصطفى بن شريف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.