بمناسبة مناقشة مسألة الطعن في دستورية القوانين عن طريق الدفع في الدستور المغربي الجديد (2011)، سنتطرق إلى إشكالية تمثيلية الودادية الحسنية للقضاة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان المحدث بمقتضى الظهير الملكي الشريف رقم 1.11.19، المؤرخ في فاتح مارس 2011، بناء على الفصل 19 من دستور 1996، خاصة بعد تأسيس نادي قضاة المغرب، لأنه عمليا أصبحت تمثيلية الودادية الحسنية لا تعكس صفة الممثل الوحيد لقضاة المغرب، علما أن تأسيس كل من الودادية والنادي يحكمهما قانون الحريات العامة، وبالتالي لا يحق لأي منهما التذرع بشمولية التمثيل أو احتكار الشرعية. وفي هذا الإطار، نتساءل بشأن دستورية المادة 35 (الفقرة الأخيرة) من الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكون الظهير صدر في فاتح مارس 2011، في حين أن الدستور الجديد أصبح ساري التنفيذ في شهر يوليوز 2011، مما يعني أن الظهير صدر قبل الشروع في تطبيق مقتضيات الدستور الجديد كأسمى قانون، الذي أقر صراحة للقضاة بحرية تكوين الجمعيات. وبالنظر إلى كون تأسيس نادي قضاة المغرب كان في إطار القانون، ووفقا لمقتضيات الدستور الجديد، الشيء الذي يؤكد شرعية التأسيس والتمثيل للقضاة والقاضيات المنضوين في إطاره، مما يجعل من ثمثيلية الودادية الحسنية للقضاة بعضو في المجلس المذكور محل استفهام. إذن، فهل يجوز لنادي قضاة المغرب أن يطعن في تمثيلية الودادية عن طريق الدفع بعدم دستورية الظهير الشريف رقم 1.11.19 المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي صدر بناء على الفصل 19 من دستور 1996 ، أي أن القانون المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان هو ظهير ملكي، فهل يجوز الطعن بعدم دستوريته؟ أم إن الطعن يجب أن يقتصر على المادة 34 لكونها غير دستورية؟ وهل يوجد في القانون والدستور ما يسمح بمباشرة الدفع بعدم دستورية ظهير ملكي (كقانون) صدر بناء على مقتضيات الفصل 19 من دستور 1996؟ وهل توجد سلطة رقابية أعلى من سلطة الملك؟ إن الفصل 29 من دستور 2011 نص على حرية تأسيس الجمعيات، وأكد الفصل 111 منه « يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية». حقا إن البرلمان هو الذي يمارس مهام التشريع كسلطة تشريعية، طبقا للفصل 70 من الدستور، ويختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون. لذلك يظهر أن كل تشريع هو قانون، لكن ليس كل قانون بالضرورة تشريعا، لأن التشريع هو مناط السلطة التشريعية، في حين أن إصدار قانون يمكن أن تتولاه أكثر من سلطة وفقا للدستور المغربي في إطار ما يعرف بالقوانين التنظيمية، وهكذا فالملك يمارس وظيفة التشريع إلى جانب رئيس الحكومة لأن الملك يمارس بمقتضى ظهائر السلطة المخولة له صراحة بنص الدستور، والتي تتمثل في اختصاصات تشريعية وإدارية وسياسية، وعليه يعتبر الظهير هو الشكل المعبر عن الصلاحيات الدستورية للملك ومن بينها ممارسة السلطة التشريعية. ونتساءل هل الظهائر الملكية بمثابة قوانين تخضع للرقابة الدستورية؟ أم أن الأمر ليس كذلك، اعتبارا لكون سلطة الملك أعلى من سلطة الدستور وأسمى منها، المستمدة من روح الفصل 19 من دستور 1996 يقابله الفصلين 41 و42 من دستور 2011 الجديد، علما أن قرارات المحكمة الدستورية تصدر باسم جلالة الملك، ومن المعلوم أن إعمال مبدأ رقابة المشروعية يتولاه القضاء الإداري على الأعمال الإدارية (دعوى للإلغاء) دون أن يمتد إلى الأعمال التشريعية أو القضائية أو الحكومية أو الملكية، وأن موضوع دعوى الإلغاء يستهدف أعمال السلطات الإدارية (ذي القرارات الإدارية). الفرع الثالث: الطعن في دستورية الظهائر الملكية يستنتج من الدساتير المغربية، ومن قرارات المجلس الدستوري، أن مبدأ التأويل الدستوري يتولاه الملك بناء على الفصل 19 من دستور 1996 وبناء على الفصلين: 41 و42 من دستور 2011، لأن الملك يحل محل البرلمان في تشريع القوانين، ومبدأ حلول الملك محل البرلمان فيما يتصل بوظيفة التشريع قد يكون في فترة انتقالية (غياب برلمان) في الأحوال العادية. فوظيفة التشريع التي يتولاها الملك بهذه المناسبة مستمدة من مقتضيات الفصل 19 من دستور 1996 (الفصلان 41 و42 من دستور 2011 )، وبذلك نكون أمام ازدواجية التمثيلية للأمة، تمثيلية مباشرة، في شخص الملك، وتمثيلية غير مباشرة يمثلها البرلمان (الفصل 2 من دستور 2011) . فالملك هو الممثل الأسمى للأمة (الفصل 42 من دستور 2011)، وبذلك لا توجد سلطة أعلى من سلطة الملك وفقا لروح الدساتير المغربية، التي تعكس في العمق مشروعية الملكية في المغرب المستندة إلى الشرعية التاريخية. إن الوظيفة التشريعية للملك تستمد مشروعيتها وروحها من الفصل 19 من الدستور المراجع، سواء أثناء غياب مؤسسات تشريعية، أو في ظل قيامها، وهذا الشكل التشريعي مارسه الملك بمقتضى ظهائر ملكية كما هو حال إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.19 بتاريخ 25 ربيع الأول 1425 الموافق لفاتح مارس 2011، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 5922 بتاريخ 3 مارس 2011. حقا إن وظيفة التشريع مسندة إلى الملك بمقتضى الدستور، والفصل 19 من دستور 1996 هو جزء من البناء الدستوري للنظام الأساسي للدولة ويعتمد عليه إذن من داخل الدستور ذاته، عكس التأويل القائل بأن سلطة الملك التشريعية مستمدة من صفته أو مركزه كأمير المؤمنين، فهذا التفسير والتأويل يعتبر في نظرنا تأويل خاطئ يعتمده السياسيون في نقد تركيز السلطات في يد الملك ووصف الملكية في المغرب، بكونها تسود وتحكم، وأن الفصل 19 المذكور يمثل لوحده دستورا ضمنيا. ونشدد بالمناسبة على أن الفصل 19 من دستور 1996 يؤكد حقيقة دستورية قوامها كشف الطبيعة المهيمنة سياسيا ودستوريا للملكية في المغرب، ويغدو معها مبدأ فصل السلطات شكليا، فهو جدير بأن يكيف على أنه عملية توزيع للسلط، أكثر منها فصل للسلط. وهنا يستشكل الأمر، بين إعمال قاعدة توزيع السلط، أو إعمال مبدأ فصل السلط، وتبعا لذلك، فإن سلطة الملك تخرج عن دائرة فصل السلط، فهي غير معنية بها بأي شكل من الأشكال، حيث تعلو فوق السلط الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، الأمر الذي يجسد سمو مركز الملك استنادا إلى الشرعية الدينية (أمير المؤمنين) والشرعية الدستورية (قاعدة الاستخلاف)، أي توارث العرش، كما أن سلطات الملك تستغرق سائر السلطات المقررة دستوريا. إذا كانت سلطة الملك تتسم بالسمو، فإنها بذلك فوق الدستور، وليست أدنى منه، يتعذر معها الطعن فيها عندما تتولى وظيفة التشريع عن طريق إصدار الظهائر الملكية، فهي تكتسي طابعا نهائيا غير قابل لأي طعن، لأن إعمال الرقابة على دستورية الظهير الملكي أمر غير منصوص عليه دستورا، اعتبارا لكون الهيئة المكلفة بممارسة الرقابة الدستورية لا تعلو على سلطة الملك، لكونه المشرع الأول والأسمى وموجه الحياة السياسية والبرلمانية والدينية. وبذلك فالدستور لا يقيد السلطة الملكية بقدر ما يرسم اختصاصاتها الواسعة، فعند خلو الدستور من مقتضى يهم مصلحة البلاد، فإن الملك هو من يتولى الحلول محل الدستور دون اللجوء إلى تعديله، لكون الدستور المغربي من نوعية الدساتير الجامدة. في المغرب، وظيفة التشريع يتقاسمها كل من البرلمان (القانون)، والحكومة (القوانين التنظيمية)، والملك عبر الظهائر الملكية التي تتخذ شكل قوانين أو مراسيم أو نصوص تنظيمية. فالملك يحل محل البرلمان بموجب الدستور، ليتولى ممارسة وظيفة التشريع في الأحوال العادية أو الاستثنائية، أو الانتقالية، وهو بذلك اختصاص ولائي شامل غير مقيد بوجود برلمان من عدمه. لذلك فسلطة الملك ليست مقيدة بحدود دستورية، فهي تسمو على الدستور وبذلك يتعذر إخضاعها للرقابة الدستورية، أي استحالة إعمال الظهائر الملكية موضوع الرقابة الدستورية، سياسية كانت أو قضائية، لاعتبار بسيط، هو كون الملك هو واضع الدستور (الدستور الممنوح)، وبالتالي فالملك يسمو على هذا الدستور، كما أن قراراته (أي القرارات الملكية) ليست قرارات إدارية، واعتبر القضاء الإداري المغربي (المجلس الأعلى) بأنه لا يجوز للقضاء إلغاء القرارات الملكية، معتبرا أن سلطة الملك فوق سلطة القضاء، ما دام أن تلك القرارات ليست قرارات صادرة عن سلطة إدارية (فردية أو تنظيمية)، مؤكدا بذلك عدم اختصاصه للنظر في الطعن المقدم ضد القرارات الملكية (الظهائر والمراسيم الملكية) كقضاء المشروعية أو قضاء الإلغاء. يستخلص من مقتضيات الدستور ومن العمل القضائي بأن القرارات الملكية غير قابلة لأي طعن، وبذلك فهي أعمال تتصف بالحصانة المطلقة، لكونها ليست إدارية، لأن الأمر يتعلق بالقرارات الملكية التي تصدر في شكل ظهائر، فالقضاء الإداري المغربي اعتبر بأنه غير مختص أو غير مؤهل لذلك، علما أن التصديق على القوانين هو اختصاص مقرر للملك، فإقرار القوانين من البرلمان يستوجب التصديق الملكي لنفاذ النص عن طريق مسطرة الإصدار. محام، دكتور في الحقوق