لئن كان لي أن أتموقع ضمن «جدلية الكاتب والقارئ» فإنني سوف لن أتردد في الاصطفاف إلى جانب القارئ نكاية في بعض الكتاب. لا لأنني أعتبر نفسي قارئا بالدرجة الأولى وحسب، وإنما دفاعا عن حقوق القراء في ما يقرأون وما لا يقرأون (فمتى استعبد كاتب قراءه وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا في ما يقرأون أو لا يقرأون؟!)، وإلا فإنني سأكون كمن يدعو العِطاشَ إلى ابتلاع الشراغيف والدعاميص (صغار الضفادع والدويبات المائية) فيما السماء مطيرة والماء في العيون من حولهم بلور زلال. فبأي حق يُراد ُ لهم أن يقرأوا ما لا يروقهم، ويساهموا في انتعاش الرداءة، سيما أن التجربة تؤكد لهم، باستمرار، أن «بضاعتنا المحلية»، ومنها بضاعة الكتابة، هي في مجملها مغشوشة تقريبا. وما يتم استهلاكه يكون، في العادة، من قبيل التضامن وجبر الخواطر ليس إلا. فكل من لا مهنة له ولا مشْغَله، وبوسعه تركيب جمل إنشائية، وتوفرت لديه إمكانية طبع كتاب من بضع صفحات في بضع عشرات من النسخ، قد يصبح - بين شمس وضحاها- مزاحِما للكتاب والشعراء رغم أنف القراء، ما لم نقل متكلما باسمهم في غير قليل من الصفاقة والاعتداد. صحيح أن أرض الكتابة واسعة وسيكون من عدم الإنصاف إقصاء أحد من حرثها وزرْعِها حتى لو حرث الريحَ وزرعَ العاصفة. وفي المقابل سيكون من الظلم إجبار القراء على تحمل تبعات هذا الحرث العابث والزرع العقيم، تلافيا للشتائم والسباب. والحال أن قسما كبيرا مما تتضمنه الكتابات المسماة إبداعية هو مجرد هلوسات وخواطر. وفي أحسن الاحتمالات لا تزيد عن كونها ترجمة سطحية لأعطاب ذاتية داخلية، أي أنها ضحلة مرتين: فهي لا تقول شيئا وتقول هذا «اللاشيء» بركاكة شنيعة، حسب تعبير ألن روب غرييه. لاشك أن هذا الكلام سيغضب كثيرا من أصدقائي الكتاب الذين قد تنطبق عليهم الصفات المذكورة جزئيا أو كليا، أو قد لا تنطبق البتة. إذ يكفي التذكير هنا بما جرّته على المرحوم محمد زفزاف تصريحاته بخصوص بعض أهل المسرح الذين احتلوا الرُّكح وهم لا يملكون من الموهبة والدراية سوى «شعاكيكهم». وهي تصريحات في عمومها لا تخلو من وجاهة، لا في الممارسة المسرحية وحدها، بل تمس كل المجالات التي تفتقر إلى حدود ترسم «خرائط طرق» لتقنين «الصنعة» وتردع الغشاشين ولو عبر الحرص الضامن لأخلاقيات المنافسة الشريفة وضوابط قانون السوق. لهذا قبل لوم القراء عن عزوفهم عن القراءة (كحق يراد به باطل) علينا أن نتساءل عن الفائدة والمتعة المتحصلتين لديهم مما يتم اقتراحه عليهم من قِبَل بعض الكتاب، هذا إذا كان هؤلاء الأخيرون يقرأون لبعضهم أولا، أو يقرأون أصلا!.