ما يزال تاريخ المغرب المعاصر بحاجة إلى من يخرقون الصمت الذي طبع بعض المفاصل الهامة فيه، بسبب عدم تجرؤ العديد من صانعي تلك المرحلة على الكتابة وتقديم شهاداتهم قبل أن يرحلوا إلى دار البقاء وفي جعبتهم الكثير مما كان يجب أن يعرفه الجيل الجديد، جيل ما بعد الاستقلال. وبالرغم من أن صانعي تلك الأحداث أو القريبين منها لم يتصدوا للكتابة، ورحل جلهم دون أن يتركوا سجل يومياتهم، إلا أن الكتب التي صدرت في العشرية الأخيرة بالمغرب، بالنظر إلى الانفتاح الذي بدأ يطبع المجال الثقافي وعدم الخوف من الاتهامات، سلطت الأضواء على الكثير من المحطات الهامة في تاريخ المغرب وبدأت تحفر قليلا في المناطق التي لم يكن يجوز الاقتراب منها من قبل، خشية عدم المس بما كان يعتبر»توابث» في هذه الذاكرة التاريخية، تعود إلى منطق الصراع السياسي والحزبي في المغرب، ومحاولات البحث عن سند في التاريخ لرسم الموقع السياسي في خريطة المغرب المعاصر. ومن ضمن الكتابات التي ظهرت هذا العام، والخاصة بمرحلة الاستعمار الفرنسي بالمغرب، كتاب بعنوان»ذاكرة مناضل 1943-1955» للعربي بن عبد الكريم بنعبد الله الذي عاش قريبا من أحمد بلافريج منذ أن كان مديرا لمدرسة جسوس، والتحق بالحركة الوطنية في وقت مبكر، حيث عمل إلى جانب المهدي بن بركة في لجنة النشر والدعاية بحزب الاستقلال. ويتضمن الكتاب رؤية المؤلف/ الشاهد للمغرب منذ مرحلة الأربعينات من القرن الماضي، كما يرسم في صفحاته التي تجاوزت 400 صفحة بورتريهات لعدد من رجال الحركة الوطنية، من منظور شخص عايش المرحلة ووعى وقائعها. ومن خلال تلك البورتريهات نتعرف على جوانب ظلت مجهولة لبعض رجالات تلك المرحلة، بعضها على خلاف ما تم تسجيله من قبل أقلام تطوعت للكتابة عن تلك المرحلة من منظور حزبي أو من زاوية رسمية تعكس رؤية الدولة. ومن بين هؤلاء عبد الحي الكتاني ومحمد الجزولي ومحمد بن الراضي ولحسن اليوسي وعبد الجليل القباج. وقد أظهر المؤلف جوانب مجهولة من شخصية لحسن اليوسي، الذي قليلا ما جرى الالتفات إليه وإلى المهام الكبرى التي قام بها في الحركة الوطنية، حيث أبرز الدور الذي كان يؤديه في ترجمة بيانات الحركة الوطنية إلى الأمازيغية ونشرها وسط المغاربة في الأطلس المتوسط، حيث كان له الدور الأكبر في نشر الوعي الوطني والتعريف بحزب الاستقلال في المناطق الأمازيغية، إذ كان أول من نشر إشعاع الحزب في هذه المناطق، كما لعب دورا بارزا في استقطاب العديد من الوطنيين إلى المقاومة في الأطلس، من بينهم أقارب المقاوم موحا أوحمو الزياني. ولعل الدور الأبرز الذي أداه اليوسي هو أنه نجح في أن يحافظ على التوازن بين حزبي الاستقلال بزعامة علال الفاسي وحزب الشورى والاستقلال بزعامة محمد بلحسن الوزاني، وكذا دوره في إقناع رجال المقاومة بترك السلاح بعد الاستقلال، والتفاوض مع عدي أوبيهي، قائد تافيلالت في تلك الفترة، الذي تمرد على السلطة المركزية بعد الاستقلال.