لم يبق منها الشيء الكثير، اللهم شعارات هنا وهناك، بهذه المدينة أو تلك، أو استحضارها هنا وهناك، أو الإتيان على تسميتها من باب الذكرى، في هذا الملتقى أو ذاك. ليس في الأمر تشفٍّ أو تحاملٌ على الحركة، فبالأحرى أن يكون نزوعا ما من لدنا لزرع الإحباط في أعضائها. لكن قولنا إنه لم يبق منها الشيء الكثير، إنما حجتنا فيه ثلاثة معطيات لا يمكن للعين أن تخطئها، في ما نعتقد، على أرض الواقع: - فالحركة لم يعد لها ذاك الوهج الذي صاحب نشأتها، والانتفاضات العربية على أشدها، بل عرفت تراجعا في مدها وليونة في شعاراتها وتواضعا كبيرا في مطالبها. صحيح أن قوتها ترهلت عندما قرر فصيل معتبر من بين ظهرانيها (شبيبة العدل والإحسان) الانسحاب بناء على حسابات ذاتية صرفة، دع عنك عدم معاضدتها من لدن حزب العدالة والتنمية، لا بل وطعنه إياها من الخلف. كل هذا صحيح، لكنها مع ذلك لم تستطع توظيف الزخم الشعبي الذي كان من المفروض تجنيده من لدنها، لتحافظ على منسوب توهجها في الفضاء العام، كما في الصحافة المكتوبة كما في الفضائيات الأجنبية، في غياب تغطية الإعلام الرسمي، أو الإشارة إليها من قبله حتى؛ - والحركة لم تعد تستقطب متعاطفين جددا من هذا الطيف أو ذاك، ولا استطاعت استمالة من تعتبرهم ضحية النظام والمنظومة، بل ارتكنت في خرجاتها إلى ما بقي لديها من رصيد جماهيري متناقص العدد يوما عن يوم. صحيح أنه تم الالتفاف على جزء كبير من مطالبها، من خلال سن دستور جديد والنأي ب«الوجوه الفاسدة» خلف الجدران إلى حين، أو الاحتفاظ بهم في مراكزهم أو في جهات نفوذهم. هذا صحيح، لكن الحركة مع ذلك لم تجدد خطابها، ولا استطاعت تكوين لوبي ضغط قوي يزحزح موازين القوى، أو يذهب بمطالب الإصلاح مذهبا بعيدا في شكله كما في مضمونه؛ - والحركة لم تفرز زعامات تؤسس لها المرجعية وتوضح لها الرؤية وترسم لها الإطار؛ فهي اشتغلت، بالفضاء العام تحديدا، بطرق عفوية، غير محسوبة الخطى، وبنفس بدا من أول وهلة أنه لن يستطيع الاستمرار كثيرا. صحيح أن الحركة «شبابية» بامتياز، رفعت شعارات قوية، بعفوية مطلقة، ودونما حسابات كبيرة لردود الفعل، ولاسيما من لدن السلطة، وتحديدا من لدن من استهدفتهم الشعارات بالاسم والصورة. هذا صحيح، لكن نقطة ضعفها ربما تمثلت في عدم رفدها من لدن نخب سياسية ومثقفة تساعدها في التأطير، وفي تحويل الشعارات إلى برنامج عمل ممتد في الزمن والمكان، يضمن للحركة إياها القوة وبعد الاستمرارية، ويضعها في موقع المحاور الأساس في حالة ما إذا تم وضع السلطة وأطيافها في الزاوية. هذه لربما كانت كلها أسباب ومعطيات أدت بالحركة، حركة 20 فبراير، ليس فقط إلى الانحسار، بل دفعت بالعديد من المتعاطفين معها إلى مستوى الإحباط. مقابل ذلك، ولربما في صلبه، قد يلاحظ المرء أن ثمة أسبابا أخرى، موضوعية إلى حد ما، جعلت مد الحركة يتراجع، والمتعاطفين معها يتحفظون عن الاستمرار تحت معطفها: - فالانتفاضات العربية، في تونس ومصر وليبيا، لم تجن الشيء الكثير من «حالات التغيير» التي أدركتها، بل أفرزت تطاحنات على السلطة، واستقطابات للنخب من حولها أو بالقياس إليها، وتجاذبات، لا بل وتطاحنات بات الكل في ظلها مع الكل ضد الكل. ويبدو لنا، في هذه النقطة، أن الحركة أو جزءا كبيرا من مكوناتها قد أدرك أن الأفضل، والحالة هاته، هو الارتكان إلى نظام غشوم عوض النبش في إثارة فتنة قد تدوم؛ - والانتفاضات العربية اكتفت بتغيير بعض من أوجه النظام ووجوهه، لكنها لم تستطع تغيير أدواته، ولا امتلكت القدرة على تغيير المنظومة. بهذه الجزئية، يبدو لنا أن حركة 20 فبراير لم ولا يمكنها تغيير منطق اشتغال النظام، فبالأحرى التأثير في آليات اشتغال المنظومة. لذلك، فتراجع توهجها إنما هو متأت لربما من هذه القناعة، قناعة أن التغيير مؤجل بالمغرب إلى حين؛ - ثم إن الانتفاضات العربية، في اليمن وسوريا، ترهلت إلى حد كبير، وبدا الحاكم في الحالتين معا، وكأنه غير مجبر على الرحيل، حتى وإن كلف بقاؤه تدمير الأخضر واليابس. وهذا ربما ما أدركته الحركة أو تداركه المتعاطفون معها... إنهم أدركوا ويدركون جيدا أن القطع مع الفساد والإفساد (وجوها وسلوكا وتنظيمات) هو من القطع مع سلوك النظام والمنظومة معا. إن رواد الفساد في المغرب ينهلون من معين حي تنساب مياهه، فيما تنهل حركة 20 فبراير من معين مثالي مستبعد... على الأقل إلى حد كتابة هذه السطور.