يساور المرءَ شبهُ يقين بأن كثيرا من كتاب اليوم ومبدعيه، عدا استثناءات، هم أقل تجربة في الحياة من سواهم، وهم بالتالي أفقر من دونهم خيالا ومعرفة.لذلك تجدهم في واد والواقع في واد .وإذا اختلف الوادُ مع الوادِ انتصروا إلى واديهم ضدا على» الحقيقة .»نحن هنا نبالغ» مبالغة مفيدة»، حسب تعبير بيار زيما، فلكي يصفو المشهد لابد من غيمة. ولعل مبالغتنا هي الغيمة .لربما همْ ك»مُعَلمي الجاحظ» الذين من كثرة مكوثهم، نهارا، مع» الصبيان»، وليلا، مع «النسوان» أفتى فيهم البعض بكون» شهادتهم مجروحة» (ولا عبرة هنا بشهادة الزور أو الشهادة الجامعية مادمنا قد قذفنا أنفسنا، بهذا التجاسر والتحامل، في عش الزنابير: زنابير الكتابة وزنابير تعليم القراءة، وأضفنا إليهم «الصبيان» و»النسوان»، علما بأنه ما كل الأطفال صبيان ولا كل النسوة نسوان بالضرورة)، وتلافيا لسوء الفهم المتبادل نسارع إلى نفي التهمة عن كتابنا ومعلمينا، المحليين، لأن أي تشابه بين من نتحدث عنهم وهؤلاء مجرد» تشابك» غير مقصود .والأدهى أن هذه السلالة (نراهن على نباهة القارئ في حصرها في فئة الكتاب والمبدعين)هي الأكثر «حبسة «وركاكة وافتعالا، حين الكلام وحين الكتابة، حتى لكأن المدرسة أفسدت على المنتسبين إليها سليقتهم وعفويتهم وزادتهم الكتبُ غربة وخسرانا، فأضحوا، من فرط، البيات، كأهل الكهف، لا يدرون ما الذي يقع خارج المغارة، ولا يعلمون بأنهم، عدا وهْمِهم، لا يملكون شَرْوى نقير، كما يقال، فبضاعتهم تلفت و»نقودهم» ماعادت تجدي نفعا .من ثم لم يعودوا مُقنِعين، فأحرى أن يكونوا فاعلين، مادامت الحياة تنهمر خارج «مقبرة الكتب»، وهم في» أرماسهم» منشغلون بالخيال والتخييل بدل معاركة الحياة ووضع الأيدي في العجين .فمهما ارتفع سقف أخيلتهم يظل الواقع أعلى. هذا ليس إحياء لمقولة» الكاتب العضوي» الغرامشية، وإنما هو تنصيص على أن الكاتب الحق هو من ينخرط في الفعل لا من يلتقط الأصداء من الكتب وحسب. لربما قد يفيد الخيال كُتّاب الدول التي جعلت من بلدانها فراديس أرضية ومن مواطنيها كائنات أقرب إلى الملائكة فوفرتْ لهم» فاكهة وأبّا «و»حدائق غُلبا»، وصاروا أحوج ما يكونون إلى من يذكّرهم بأن للشيطان قرونا وأن الحمار لم يُخلق ببردعة. أما نحن فالكتابة هي ما يقع. أما أغلب ما يكتب فلا يعول عليه، حتى أن التراجيديات الإغريقية التي يرويها الرواة لا قيمة لها أمام فظاعة ما نراه ونسمعه ونحياه.صحيح أن المكتبات والمدارس مهمة، لكن الاكتفاء بأديرتها قد يسيء إلى المكتبات والمدارس على السواء، بل يستخف بالواقع والحياة معا. كاتب