فتحت السلطات التربوية في تركيا تحقيقا حول ما إذا كانت رواية «سمرقند» للكاتب اللبناني أمين معلوف الصادرة سنة 1988 «مهينة للإسلام».وحسب ما ذكرت مصادر صحفية فإن «والد طالب قدم شكوى أمام مديرية التعليم الوطني في المدينة ضد مدرس للتاريخ في ثانوية في اسطنبول بعدما أوصى طلابه بقراءة رواية «سمرقند». نقلت مصادر صحافية أن والد الطالب برر شكواه بأن رواية معلوف مهينة للثقافة الشرقية والإسلام وتتضمن مقاطع سوقية، مضيفة أن الاب قدم شكواه إلى المديرية الجهوية للتربية الوطنية باسطانبول، مرفوقة بنسخ من مقاطع للرواية تؤكد ادعاءاته. وذكرت صحيفة «حرية» التركية أن رئيس الفرع الأول لاتحاد موظفي التربية والعلوم في اسطنبول صرح بأن «المديرية أطلقت على الفور تحقيقا في الموضوع»، وأنها متحمسة لوضع الشكوى قيد التنفيذ. إلا أنه أكد أن «الاتحاد سيرفع دعوى جنائية ضد المديرية والمشتكي بتهمة الافتراء وتشويه السمعة». وتدور معظم أحداث رواية معلوف في مدينة سمرقند في أوزبكستان في القرن الحادي عشر، وهي حول عمر الخيام الشاعر والفيلسوف الذي اشتهر برباعياته، وبصفته عالم رياضيات فلكيا أشرف على مرصد فلكي في سمرقند وفي نيسابور الإيرانية مسقط رأسه، واشتهر بتقويمه السنوي الدقيق المسمى بتقويم الخيام. وتمثل شخصية عمر الخيام المواطن العالمي الباحثة عن المثالية و التسامح الكوني من خلال الفردية الإنسانية. مواطن لا يتقيد ببلد و لا يستقر في وطن كما كان حال وارث المخطوط الأميريكي بنيامين لوساج الذي إنتقل من أمريكا لفرنسا مروراُ بتركيا و إنتهاءً في بلاد فارس بحثاً عن ضالته : كتاب الحكمة. ويتجاوز بطل رواية معلوف حدود الزمان والمكان، فهو ليس كائنا بشريا له حدود زمنية يعيشها ولا يستطيع أن يتعداها، فهو عاش في سمرقند ونيسابور وسكن في مكتبة قلعة الْموت وعاصر الغزو المغولي ونجا منه وكذلك ظهر بعد ألف عام في عصر شاه إيران. الرواية تحكي عن الفلكي والعالم و الشاعر عمر الخيام النياسابوري الذي قال في الرواية: «إن حلمي الوحيد، طموحي الوحيد، هو أن يكون لي مرصد وحديقة ورود، وأن أتملى السماء وفي يدي كأس وإلى جانبي حسناء» النصف الأول من الرواية يحكي تاريخ ولادة المخطوط وبعض أخبار عمر الخيام وكيف اجتمع عمر مع حسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين، الذي كان يرسل الموت من قلعته ألموت إلى كل أصقاع العالم وكان يصيب الهدف! الكلمة الإنجليزية assassin تعني القاتل المأجور، وقد جاءت نسبة إلى الحشاشين الذين لم يتعاطوا الحشيش قط، بل كانوا معروفين بالأساسين لأن حسن الصباح لم يقدم الحشيش لأتباعه، بل كان يملأ قلوبهم بالإيمان الأساسي. لذلك سموا بالأساسيين لقوة إيمانهم، وكانوا يعيشون في ألموت حارمين أنفسهم من كل متع الحياة حتى جاء المخلص. يحكي النصف الأول كذلك بعض أخبار عمر مع نظام الملك وأخباره مع شيهان الشاعرة التي رآها في بلاط ألب أرسلان وعشقها وتزوجها. النصف الثاني يحكي قصة بنجامين عمر لوساج الشاب الأمريكي، الذي عرف بحكاية مخطوط رباعيات الخيام فقرر الحصول عليه وسافر إلى إيران حيث توالت الأحداث، فوجد نفسه متهما باغتيال الشاه !وقد استطاع بمساعده قريبة الملك الهروب، لكنه عاد إلى إيران من جديد بعد أن سمع أن المخطوط هناك. هذه المرة وجد نفسه محاصرا مع مجموعة من المناضلين ومهددا بالموت، قتلا أو جوعاً، لكنه وجد نفسه أيضا مع قريبة الشاه التي ساعدته على الهروب سابقاً و هناك أتيحت له أخيرا الفرصة لقراءة ولمس المخطوط الذي سيغير حياة كل من قرأه. ويرى الملاحظون أن هناك تناقضا واضحا بخصوص سياسة السلطات التركية تجاه الثقافة، فمنذ مدة أعلنت السلطات رفع الرقابة «التاريخية» عن 500 كتاب، بينها مؤلفات كارل ماركس، لكنها في نفس الوقت قررت التحقيق في مضمون رواية عضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف «سمرقند» بتهمة «الإساءة للإسلام ، بعد أن «سارعت وزارة التربية إلى تبني الشكوى وفتح التحقيق، علما أن ابن صاحب الشكوى لا يدرس في المدرسة التي طلب فيها المدرس من طلبته مطالعة رواية معلوف عضو الأكاديمية الفرنسية والحائز على جائزة غونكور. من جهتها، أكدت الدار التركية التي نشرت «سمرقند» أن التحقيق الذي قد يؤدي إلى محاكمة لم يقفل بعد. ويلاحظ المتتبعون للشأن الثقافي بتركيا أن مثل هذه الحوادث لم تعد نادرة في تركيا اليوم. وهذا على الأقل ما تراه الصحافية في «حريات» فرسيهن زيفليوغي، التي تتابع كل ما له علاقة بحقوق الإنسان والرقابة في بلاد أتاتورك، والتي تقول إن «اللائحة طويلة، وأن شكاوى قدمت ضد روايات أخرى، منها رواية جون شتاينبك «فئران ورجال».» والتهمة، تضيف الصحافية، هي احتواء هذه الأعمال على فقرات «لا أخلاقية». وفي هذا عودة إلى أساليب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في مطلع القرن العشرين أو إلى فترة العسكر في الثمانينيات، برأي اتحاد الناشرين الأتراك . ولا تعد هذه الحادثة الوحيدة في تركيا فقد سبقتها حوادث أخرى أكدت حسب المتابعين أن السلطات التركية جدية فيما تذهب إليه. فقبل عامين لوحقت الرواية الإيروتيكية لغيوم أبولينار»11 ألف قضيب» وحكم على ناشرها التركي بغرامة قابلة للتحول إلى أيام سجن بتهمة «نشر عمل غير أخلاقي من شأنه إثارة واستغلال الرغبات الجنسية للمواطنين». وقد صودرت نسخ الكتاب من المكتبات، ورفعت القضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي أدانت انتهاك أنقرة لحرية التعبير والمبالغة في الحكم الصادر بحق الناشر. ولكن هذا لم يردع وزارة التربية التي بادرت إلى حذف بيتين من الشعر من قصيدة الشاعر أديب كنسفار لإشارتهما إلى مشروب الجعة من الكتاب المدرسي. وحسب فرسيهن زيفليوغي، فإن الشاعر المذكور لم يكن الضحية الوحيدة لمقص الرقيب «الأخلاقي» التركي، إذ هناك شعراء أتراك أيضا حذفت أبيات من قصائدهم قبل نشرها في الكتب المدرسية. ويلاحظ المهتمون بالشأن الثقافي التركي أن السلطات لم تعد تمنع نشر كتاب ما، ولكنها تشجع عددا من المتشددين في التقدم بشكوى ضد الكتاب. ويؤكد الناشر رجيب زراكوغلي، الذي يجمع في رصيده المهني نحو 40 حكما وعقوبة، أن «الرقابة غير موجودة رسميا في تركيا اليوم، إذ تنشر أولا وتدفع ثمن ما نشرته لاحقا. على طريقة الروليت الروسية».