يضع أمين معلوف، الروائي اللبناني المقيم في فرنسا اللمسات الأخيرة على روايته الجديدة التي ستصدر في سبتمبر أو أكتوبر المقبلين عن دار «غراسيي». في ما يلي جزء من حوار أجرته مع البيان الإماراتية.. } هل يعود احتفاء الغرب في أوروبا وفرنسا وإسبانيا بأدب أمين معلوف إلى أنك تكتب باللغة الفرنسية أم إلى البيئة الشرقية التي تستمد منها مواضيع رواياتك، والتي ولدت وترعرعت في كنفها، وإلى انعكاس مفردات هذه البيئة في أعمالك وتوق الغرب للتعرف على هذه البيئة ؟ أتصور أن ما يهم القراء هو الموضوع أكثر من اللغة التي أكتب بها، فمن يقرأ لي في اسبانيا لا يعرف في الضرورة إذا كان النص الأصلي مكتوبا باللغة الفرنسية أم الإنجليزية أم العربية، أو بأي لغة أخرى، ذلك أنه يقرأ بالإسبانية. وبالفعل شعوري هو أن المضمون وبالذات ما أشرتم إليه فيما يتعلق بمسألة العلاقة الدقيقة والصعبة بين العالمين الجارين العالم الغربي الأوروبي والعالم العربي، فإنها مسألة دقيقة جدا، ومن له علاقة وثيقة بهذين العالمين في آن ربما لديه ما يقوله للفريقين. } ما نسبة الواقع وما نسبة الخيال في أعمالك، خاصة أنها تستند دائماً إلى أحداث تاريخية حدثت بالفعل، فكيف تمازج بين طرفي هذه المعادلة التي تبدو شيقة إلى حد كبير؟ المزيج مختلف من كتاب إلى آخر، هناك كتب لها أساس تاريخي واضح أحاول فيها أن لا أبتعد عن التاريخ في كل ما يتعلق بالتاريخ، مثل كتاب »ليون الإفريقي«، حيث كل ما يتعلق بالحياة الشخصية فيه هو خيال، لكن حين أتطرق إلى أحداث عايشها كسقوط غرناطة، آنذاك أحاول أن لا أبتعد عن ما نعرفه من الوثائق التاريخية، وهناك كتاب مثل »صخرة طانيوس« انطلقت فيه من حادثة اغتيال وقعت. ولكن نقلت حادثة الاغتيال من مرحلة إلى مرحلة، لأن الحادث الذي كان في بداية القرن التاسع عشر وأنا نقلته إلى أربعينات القرن التاسع عشر لأدخل فيه عناصر مثل حملة محمد علي، لكن هذا الكتاب ليس كتابا يحاول سرد واقعة تاريخية، بل هو رواية عن جبل و تناقضات جبل لبنان. ولكن الجانب التاريخي بالحقيقة ليس مهما. هناك كتب أردت أن أكون دقيقاً جداً في الجانب التاريخي فيها، منها «حدائق النور»، لأنها أحداث غير معروفة تاريخيا بالفعل، في حدائق النور كانت مصادري مخطوطات لم تنشر، ترجمت وأعدت للنشر، وتمكنت من الاطلاع عليها ولم تكن قد نشرت بعد ولا أحد يعرفها، ولكن بالتالي اعتمدت الدقة في السرد التاريخي، أما »رحلة بالداسار«، فإن نقطة الانطلاق فيها لبنان. } يعتبر الروائي أمين معلوف باحثاً لا يشق له غبار، وينشغل عادة بمفردات الجذور والهوية والانتماء، إلى درجة أوصلته إلى كوبا للبحث عن جذوره هناك.. بالنسبة إلى البدايات، قمت ببحث ميداني، لأن هناك روايات عائلية حول الموضوع شعرت بالحاجة للتحقق منها، ولم يكن هناك أي أسلوب آخر غير التحقق ميدانيا والذهاب إلى كوبا والتعرف على الأماكن ومقابر العائلة والمنزل والمحلات التجارية. } تنطوي رواياتك على جانب تثقيفي تعليمي لا يخلو من الجدية، مثل قصة ماني في »سلالم الشرق«، حيث يأخذ العمل الأدبي في هذه الحالة طابعاً تعليمياً، فالكثيرون لم يسمعوا بقصة ماني قبل أن يقرأوا هذه الرواية، فهل تفكر بهذا الأمر عندما تكتب أعمالك ؟ نعم أنا أيضا أكتشف شخصية مثل ماني، فأنا لم أسمع بماني قبل أن أبدأ بالبحث، في الحقيقة قرأت أشياء كثيرة عن ماني أثناء إعداد »سمرقند« للكتابة، كما قرأت كثيرا عن الحضارة الإيرانية القديمة واكتشفت هذه الشخصية، ومعظم اللذة في العمل، هي لذة البحث واكتشاف شخصية ومرحلة تاريخية، وبعد ذلك يأتي دور الكتابة، والكتابة فيها لذة وفيها معاناة، لكن البحث لذة فقط. } قد لا يدرك أمين معلوف أنه يقوم بهذا الدور.. دور إيصال المعلومة، وهو دور يمكن اعتباره تعليمياً وتثقيفياً ويتطلب التحلي بدرجة عالية من الأمانة. عندي شعور حين أتحدث عن واقع معين يقول إنه من واجبي أن لا أتحدث عنه بشكل مغلوط أو مشوه، لا يمكن أن أتحدث عن شخصية تاريخية وأبدل في حياتها أشياء أساسية، لكني قد آتي بأشياء معينة لإحياء الشخصية، لكن ما يمكن أن يستنبطه القارئ على صعيد المعلومات عن الشخصية والمرحلة التي عاشتها يجب أن يكون دقيقا وإلا فإن هناك نوعاً من التشويش. } بالتأكيد هناك رسالة تريد إيصالها من خلال كل أعمالك الأدبية، هل عجزت مفردات الواقع عن التعبير عن مكنوناتك كي تلجأ إلى مفردات التاريخ ؟ لن أقول رسالة، بل أقول ان هناك نظرة إلى الأمور قد لا تكون هي عينها في الثمانينات من القرن الماضي مقارنة باليوم، فيها ثوابت وفيها متغيرات، وفي أسلوب تقديم نظرتي إلى ماحولي هناك وسائل كثيرة، أحياناً شعوري بأن العودة إلى مرحلة تاريخية معينة، تسمح بقول الأشياء بشكل غير مباشر. وإيصال الكلمات بشكل يتقبله القارئ أكثر، مثلا، كتبت عددا من الروايات في بدايات الثورة الإيرانية ولم تكن لدي أي رغبة في الكتابة عن الثورة بحد ذاتها، لكني اهتممت بتاريخ إيران لفترة، وقرأت الكثير عن الحضارة الإيرانية، عن صراعات في الماضي القديم أو في عهد عمر الخيام وحسن صباح، وكان شعوري هو عرض عدد من الشخصيات والحقبات يسمح لي بالاقتراب أكثر من فهم ما يحدث، ويسمح لي بأن أنقل أشياء معينة بشكل بعيد عن الصراعات السياسية. } متى سيشفي أمين معلوف غليله من موضوع الجذور والهوية والانتماء؟ متى سينتقل من هذه البيئة الأدبية الفكرية إلى مواقع أخرى قد تكون أرحب أو أحدث ؟ جوابي الوحيد هو أن هذا الأمر لا أحدده أنا كفرد، أعتقد أني أعكس مرحلة معينة، ووضع معين، الفرد فيه جزء من هذه المرحلة، وأعتقد أن مسألة الهوية سواء تعرضت إليها من خلال أبحاث أو من خلال روايات هي مسألة محورية، ولسوء الحظ ستبقى مسألة أساسية لأجيال قادمة، نحن في عالم يتحول إلى عالم واحد، وكلما اقترب من التوحد، برزت فيه التناقضات بشكل أقصى، ومسألة الهويات عمليا هي مسألة مصير العالم ومستقبل العالم وقدرة العالم على الاستمرار، وعلى تخطي عقد التاريخ، لذلك قد يكون جوابي أني لن أتخطى هذه المرحلة.