يحفر الكاتب والشاعر اللبناني عبده وازن في كتاب «أمين معلوف... العابر التخوم»، الصادر مع «دبي الثقافية»، في عمق هذا الكاتب الشهير، الذي كان انتخابه عضوا في الأكاديمية الفرنسية حدثا استثنائيا ليس فقط لبنانيا، بل عربيا ثم فرنسيا، فهو الكاتب العربي الثاني بعد الجزائرية آسيا جبار الذي يدخل مجمع الخالدين بعد انتخابه عضوا في الأكاديمية الفرنسية، حيث حل محل الأنثروبولوجي كلود ليفي ستراوس. ترجمت أعمال أمين معلوف الروائية إلى مختلف لغات العالم انطلاقا من الفرنسية، وحققت انتشارا واسعا في العالم. وهذا الكتاب، الذي هو عبارة عن حوار سبق أن أجراه وازن مع معلوف، لا يتوقف على الأدب والرواية والتاريخ، بل ينفتح على قضايا عامة تهم الإنسان. ففي هذا الحوار يتحدث صاحب «سمرقند» و»ليون الأفريقي» عن التاريخ اللبناني، معتبرا إياه «تاريخ الطرق التي سلكوها في العالم». وفي رده على سؤال عبده وازن حول كتابه الأول، الذي شكل نقلة أساسية في اتجاهه نحو الكتابة الروائية، يقول معلوف: «في هذا الكتاب نوع من الالتباس، فهو ليس رواية، مع أن المقدمة تقول إنه رواية حقيقية. ثمة سرد في هذا الكتاب، ولكن ليس فيه عنصر روائي أو خيالي ولا شخصيات روائية أيضا. بعضهم يقولون لي إنه رواية. هكذا يظنون، ربما لأنني أصدرت بعده روايات عديدة، وبات الكثيرون يظنونه رواية، لكنه ليس رواية أبدا. جاء في المقدمة أن هذا الكتاب ينطلق من فكرة بسيطة هي سرد قصة الحروب الصليبية كما نظر إليها وعاشها وروى تفاصيلها الجانب العربي. لعل هذا الكلام هو الذي جعل الالتباس يقوم في شأن هذا الكتاب». ويشير معلوف إلى أن كتابة التاريخ «هي مقاربة لفهمنا للتاريخ اليوم، وكما نحتاج إليه اليوم»، مضيفا أن «التاريخ بحد ذاته غير موجود. هناك كمية لا نهاية لها من الأحداث. إننا ننتقي من كل مرحلة تاريخية ما نعتبر أنه يملك معنى، وهو معنى يختلف عن المعنى الذي كان يقال به قبل مائة سنة أو مائتين، ثم نعطيه تفسيرا وسياقا يعنيان لنا شيئا ما، فنحن في الحاضر، اليوم اهتماماتنا مختلفة، وكلما نظرنا إلى التاريخ ننظر إليه في طريقة تجعله يصل إلينا نحن المعاصرين. لذلك حين نتحدث عن الرومان اليوم يختلف كلامنا عن كلام الذين تحدثوا عن الرومان في القرن السادس عشر وما قبل. الأحداث نفسها يصبح لها على مر الزمن معنى آخر، وهذا صحيح للرواية التاريخية مثلما هو صحيح للتاريخ أيضا». وحول ما تمثله أعماله من نموذج للتسامح واحترام ثقافة الآخر والتلاقي والحوار، قال معلوف: «أعتقد أن وظيفة العمل الروائي هي أن يبني عالما آخر، وأن يساهم في التقارب بين الناس والتلاقي والحوار، وليس زرع الشقاق بينهم. طبعا هذا لا يكفي، فإلى جانب الأخلاقي أو الإتيكي هناك الجانب الإستيتيكي أو الجمالي، وحين يصطدم الجانب الأخلاقي بالجانب الجمالي، وهذا يحدث، يبقى الإنسان حائرا. هناك كبار تقود كتاباتهم في اتجاه تدميري، وهذا لا يعني أن أدبهم يجب أن يرفض أو يمنع، شخصيا وبحكم منشأي وبحكم مسؤوليتي كإنسان لبناني لا يمكنني أن أكتب ما يؤدي إلى الكراهية والحقد». ويسر صاحب «صخرة طانيوس» بأنه لا يحب كلمة «فرنكوفونية» وبأن اللغة الفرنسية تتراجع عالميا، مضيفا بأن هذا التراجع لا يمكن تفاديه. وعن سؤال حول ما إذا كان يزعجه أن يسمى كاتبا فرنكوفونيا، يقول معلوف: «كلمة فرنكوفونية لا أحبها. والأهم في نظري هو المضمون الذي يأتي به الكاتب. إنني أتصور كلمة فرنكوفونية ليس واضحا. وعندما يقال لي إنني كاتب فرنكوفوني لا أنفعل، لا أقول لا ولا أقول نعم. وعن مسألة اللغة يقول صاحب «رحلة بالدسار»: «الفرنسية لغتي بالتبني، نعم،ولكن ليست لغة أما.وأعترف بأنه أصبحت لدي علاقة حميمة بالفرنسية. فخلال ثلاثين سنة في باريس، ورغم أن لدي الكثير من الأصدقاء اللبنانيين والعرب، فإن اللغة التي استخدمها أكثر هي الفرنسية ،خصوصا في الحياة العامة». ويضيف «صارت الفرنسية هي اللغة التي أستطيع أن أعبر بها عن أفكاري في شكل أسهل وتلقائي، ولكن عندما أقيم فترة في بلد عربي، ولاسيما لبنان، لأنني في المغرب مثلا أشعر بأنني ملزم باستخدام الفرنسية. عندما أقيم في لبنان، ترجع التعابير إلي تلقائيا». وعن مدى شعور الغربة الذي يمكن أن يلازم من يكتب بلغة غير لغة الأم، يجيب معلوف «عندما أقول مثل هذا الكلام، أكون أتمنى ألا أشعر بأنني غريب حيث أكون، وأتمنى أيضا ألا يحس أي إنسان هذا الإحساس بالغربة أينما كان على وجه الأرض. لكن الحقيقة مختلفة، فحيثما كنت أشعر بأن هناك أمورا لست غريبا عنها ألبتة، وهناك أمور أحس بغربتي حيالها، سواء كنت في فرنسا أو لبنان وسواهما. هناك لحظات أشعر فيها بأنني منتم، ولحظات بأنني غريب».