لا يخفى على أحد أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في اتجاه تكريس دولة الحق والقانون من خلال عدة مظاهر، لعل أهمها الترسانة القانونية والتشريعية التي همت عدة مجالات، اجتماعية واقتصادية، وتوجت بإحداث عدة جهات قضائية متخصصة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وفي مقدمتها خلق المحاكم الإدارية للفصل في النزاعات التي تنشب بين المواطنين والإدارة بمناسبة تسيير دواليبها عبر فحص شرعية قراراتها أو حماية حقوق موظفيها وأوضاعهم أو النزاعات المرتبطة بنتائج الانتخابات أو النزاعات الضريبية أو المتعلقة بنزع الملكية من أجل المصلحة العامة، وعموما الطلبات الرامية إلى إلغاء القرارات الإدارية المتسمة بالشطط في استعمال السلطة. غير أنه وفي هذا الإطار، لوحظ أن القضاء الإداري أصبح يميل كثيرا إلى تغليب جهة الإدارة، وهي الطرف القوي، على جهة المواطن، وهو الطرف الضعيف في العلاقة، كما يتجلى ذلك من عدة أحكام وقرارات انتهت غالبا بعدم قبول الطلب لاعتبارات شكلية دون الخوض في مناقشة صلب وموضوع القضية. ولعل خير دليل على ما تم تقريره أعلاه أن الدولة المغربية أصدرت عدة قوانين مباشرة بعد جلاء الاستعمار، كان الغرض منها استرجاع أراضي المعمرين وتمليكها إما لبعض الأشخاص المتوفرين على شروط خاصة وإما نقل ملكيتها مباشرة إلى الأملاك المخزنية، وذلك وفق شروط وفي حالات محددة، وكان طبيعيا إشراف القضاء على توفر تلك الشروط والمحددات من عدمها. وهكذا كان من تطبيقات ذلك صدور ظهير 2 مارس 1973 الذي نص فصله الأول على ما يلي: «تنقل إلى الدولة ابتداء من تاريخ نشر ظهيرنا الشريف هذا ملكية العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة، الكائنة كلا أو بعضا خارج الدوائر الحضرية، والتي يملكها أشخاص ذاتيون أجانب أو أشخاص معنويون..» وقد أصدرت السلطات الإدارية المعنية قرارات بنقل ملكية عدة عقارات لفائدة الأملاك المخزنية دون أن تحقق شروط الظهير في تلك العقارات. وكان طبيعيا أن يلجا أصحاب المصلحة إلى القضاء الإداري في سبيل إلغاء تلك القرارات أو، على الأقل، الحصول على التعويض الملائم المشار إليه في الظهير، وفي ذلك حماية وضمان لأبسط الحقوق، وأهمها حق الملكية العقارية المكفول دستوريا. غير أن القضاء كان له رأي آخر في عدة قضايا ونوازل نقتصر على التطرق إلى إحداها كما سيبدو من خلال مناقشة حكم المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء الصادر بتاريخ 26 أبريل 2011 في الملف عدد 263/2010، وذلك بعد عرض وجيز للوقائع. بتاريخ 19 غشت 2010، تقدم السادة ورثة المرحوم موريس محمد بن عبد الله، وهم زوجته السيدة التهامية كواسمي وأبناؤه السعدية وخالد وعبد الرحيم وعبد الله الساكنين بدوار لحلالفة الغربية دار بوعزة إقليم النواصر، بمقال أمام إدارية الدارالبيضاء، عرضوا فيه أن مورثهم المرحوم موريس محمد بن عبد الله -وكان اسمه قبل إسلامه موريس بيير- كان مالكا للعقار ذي الرسم العقاري عدد 72513/س ومساحته الإجمالية عشر هكتارات و57 سنتيارا الكائن بطريق أزمور كلم 25 بجماعة دار بوعزة إقليم النواصر، إلا أنهم فوجئوا بكون ملكية هذا العقار تم نقلها إلى الدولة المغربية-الملك الخاص، وذلك بطلب من دائرة الأملاك المخزنية بالدارالبيضاء بتاريخ 22/3/1983. ونظرا إلى كون قرار نقل الملكية تم بصفة تعسفية ودون الاستناد إلى أسس قانونية سليمة؛ ونظرا إلى كون القرار المذكور غير مستوف لشروط ظهير 2 مارس 1973، خاصة وأن العقار المذكور يقع داخل الدائرة الحضرية لجماعة دار بوعزة وفقا لمرسوم تحديد هاته الدائرة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2467 بتاريخ 5/2/1960، إضافة إلى كون الورثة المذكورين كلهم مغاربة ولا ينطبق الظهير المستند إليه عليهم وفقا لمنشور السيد الوزير الأول عدد 4/182 بتاريخ 8/11/1975؛ ونظرا كذلك إلى كون نقل الملكية المذكور يشكل اعتداء ماديا على حقوق الورثة، وإلى كون القرار الباطل والفاقد للشرعية لا ينتج أثرا لأن ما بني على باطل يظل بدوره باطلا؛ ونظرا إلى عدة اعتبارات أخرى، فإن الملاك المذكورين ظلوا يترددون على عدة مصالح إدارية وغيرها وتقدموا بعدة شكايات وتظلمات من القرار المذكور دون أي جدوى. ولذلك التمسوا من المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء إلغاء القرار المشترك لوزير الداخلية ووزير الفلاحة والإصلاح الزراعي ووزير المالية عدد 73-779 القاضي بنقل ملكية الرسم العقاري عدد 72513 س بالمحافظة العقارية النواصر لفائدة الدولة المغربية، والحكم بإلغاء تقييد الدولة المغربية بالرسم العقاري المذكور، والحكم كذلك بإلغاء التفويت الواقع من الدولة المغربية لفائدة الشركة الوطنية للتهيئة الجماعية، والحكم بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل تاريخ 22/3/1983، واحتياطيا الحكم بتخويل العارضين تعويضا عينيا عن عقارهم بعقار مماثل مملوك للدولة المغربية-الملك الخاص، واحتياطيا جدا الأمر بإجراء خبرة تعهد إلى مهندس مختص لتحديد مكان وجود الرسم العقاري 72513 س وموقعه من الدائرة الحضرية للمركز المحدد لدار بوعزة منذ 2 مارس 1973 وتحديد قيمة استغلاله منذ 1983 مع تحديد موقع الرسمين العقاريين المطلوب نقل ملكيتهما إلى الورثة.