عالج القرار الذي نطرحه اليوم للمناقشة جملة من النقط، سواء من حيث حدود اختصاص محكمة الإحالة بعد النقض، أو من زاوية قواعد الموضوع والمعايير الأساسية لحسن تطبيق الإطار القانوني للدعوى (قانون الأملاك المسترجعة من الأجانب، وقواعد الأحوال الشخصية للأجانب (نظام الوصية في القانون الفرنسي)، أو من جانب المراكز القانونية لأطراف المنازعة (الدولة المغربية - الملك الخاص وطرف أجنبي (فرنسي) كخلف عام في إطار نظام الوصية). كما أن من بين الموضوعات المثارة قضائيا في مناقشة القضية موضوع الإثبات، وآثار المراكز القانونية المقررة لفائدة الغير في دعاوى أخرى، ومدى ضرورة احترامها من طرف القضاء تفاديا للوقوع في تضارب موقف العمل القضائي، أو في حصول التمييز بين أشخاص في نفس الوضعية القانونية وما قد يسميه البعض بالمحاباة أو غيرها... إن كل واحد من الموضوعات أعلاه يستحق أن يكون محل تحليل ومناقشة في ضوء القرار الاستئنافي الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش (قرار بعد النقض والإحالة) تحت رقم 535 بتاريخ 10 يونيو 2010 في الملف عدد 15 2006 / ع، ولذلك فإننا نقدم في هذه الحلقة الأولية نص هذا القرار من أجل فتح المناقشة القانونية بشأنه: بين (أ.ج) الساكن بالدشيرة الجهادية ينوب عنه الأستاذان اللمطي الحبيب والقاضي محمد المحاميين بهيئة أكدير، وبين كل من الدولة (الملك الخاص) في شخص مدير الأملاك المخزنية بالرباط، والوكيل القاضي للمملكة، ومحصل الضرائب بقباضة عرصة المعاش بمراكش: (... بناء على القرار عدد 657 الصادر عن المجلس الأعلى (الغرفة الإدارية) بتاريخ 2009/6/24 في الملف 08.1.4.698 وبناء على المقال الاستئنافي المرفوع بتاريخ 27 دجنبر 2009 والذي يستأنف بمقتضاه المستأنف السيد (أ.ج) الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكدير بتاريخ 2006/9/28 تحت عدد 177 - 06 في الملف عدد 2006/15... الوقائع: يستفاد من وثائق الملف ومن الحكم المستأنف أنه بتاريخ 2006/02/6 تقدم المدعي السيد (أ.ج) بدعوى أمام المحكمة الإدارية بأكدير يعرض من خلالها أنه بمقتضى عقد رسمي بتاريخ 1995/05/26 أوصى لفائدته السيد (م.ب.ك) الفرنسي الجنسية بجميع أمواله المنقولة والعقارية، وأن من جملة تركة الموصى الذي وافته المنية بتاريخ 1999/02/10 العقار موضوع الرسمين العقاريين (رقمي ... س و...) س، وأنه فوجئ بأن هذا العقار تم تقييده في اسم الملك الخاص للدولة استنادا إلى مقرر إداري بإحصائه ضمن لائحة العقارات الواقعة خارج المدار الحضري المملوكة للأجانب والتي تم نقل ملكيتها لفائدة الدولة طبقا لظهير 1973/3/2 والتمس الحكم بإلغاء هذا القرار لكون العقارين موضوعه يقعان داخل الدائرة الحضرية ولا علاقة لهما بالعقارات الفلاحية التي يملكها أشخاص أجانب وإلا فبجعل أثر الإلغاء في حدود الثلث شياعا مع ما يترتب عن ذلك قانونا. وبعد انتهاء الإجراءات المسطرية صدر الحكم المستأنف قاضيا بعدم قبول الطلب، ولما استأنفه السيد (أ.ج) قضت محكمة الاستئناف أمام المجلس الأعلى الذي قضى حسب قراره المبين أعلاه بنقض القرار المطعون فيه وبإحالة الملف على هذه المحكمة لتبت فيه طبقا للقانون وهي مشكلة من هيئة أخرى وعلى المطلوب الصائر، وذلك بعلة أن القرار لم يرتكز على أساس قانوني وكان حريا بالنقض لعدم إبرازه للأسس القانونية التي جعلته يستبعد الدفع المثار بشأن صفة المستأنف والذي سبق لمحكمة الدرجة الأولى أن بنت عليه حكمها وذلك باعتبار أنه لما كانت الوصية هي عطية لما بعد الموت كون الموصي لا يستحق إلا ما بقي على ملك الموصى أثناء وفاته وفي حدود الوصية فإن الطرف الطالب رغم إرثه كون الموصي لم يعد مالكا للعقارين موضوع القرار الإداري المطلوب إلغاؤه سواء عند تحرير عقد الوصية بتاريخ 1995/5/2 أو أثناء وفاته المتحققة في تاريخ 1999/2/10 تأسيسا على صيرورة الدولة المالكة المسجلة بالسجل العقاري بخصوص العقار المذكور منذ تاريخ منسحب إلى سنتي 1973 و1974 تطبيقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.73.21 الصادر بتاريخ 26 محرم 1393 (2 مارس 1973 بمثابة قانون تنقل بموجبه إلى الدولة ملكية العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة التي يملكها أشخاص ذاتيون أجانب أو أشخاص معنويون، فإن القرار باعتماده على أن مجرد استظهار بعقد وصية مؤرخ في 1995/5/26 من الموصي السيد (م.ب.ك) باعتباره مالكا للعقارين المذكورين يجعل صفة الطاعن في الدعوى قائمة باعتبار عقد الوصية المذكور). وبناء على إحالة الملف على هذه المحكمة للبت فيه من جديد وفق القانون. وبناء على مستنتجات السيد الوكيل القضائي على ضوء الإحالة مذكرا بوقائع القضية وبدفوعاته السابقة وبمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.63.289 بتاريخ 1963 المتعلق بمراقبة العملية العقارية المنجزة من طرف بعض الأشخاص على عقارات فلاحية قروية موضحا أن العقارين الفلاحيين موضوع النزاع قد استرجعتهما الدولة المغربية من الأجنبيين (م.ب.ك. جف) في إطار ظهير 1973/3/2 والقرار الوزاري المشترك رقم 73/1035 المؤرخ في 17 أكتوبر 1973 وأنهما سجلا باسمها في الرسمين العقاريين عدد ..../ س عدد..../ س وأن الادعاء بكون الوصية بشأنهما أنجزت سنة 1995 لا يستقيم باعتبار أن الموصي في هذا التاريخ لم يعد مالكا للعقارين، هذا فضلا عن أن الفصل الأول من الظهير المذكور ينص على إلزامية الحصول على رخصة إدارية كلما تعلق الأمر بإبرام عقود بيع أو كراء لمدة تتجاوز ثلاث سنوات تخص أملاك فلاحية أو قابلة للفلاحة خارج الدوائر الحضرية إذا كان الطرف أو الأطراف أشخاصا أجانب وإلا اعتبر العقد باطلا بطلانا مطلقا وغير منتج لأي أثر قانوني عملا بمقتضيات الفصلين التاسع والعاشر من نفس الظهير، وعليه يلتمس التصريح برد الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف. وبناء على مستنتجات الدولة (الملك الخاص) بالتأكيد على أن العقارين موضوع النزاع تم استرجاعهما في إطار ظهير 1973/3/2 وبموجب القرارين الوزاريين المشتركين عدد 73/1035 بتاريخ 1973/10/16 بالنسبة للعقار ذي الرسم ... - س المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3181 بتاريخ 1973/10/17، وعدد 74/180 بتاريخ 1974/3/5 بالنسبة للعقار موضوع الرسم العقاري عدد 2982 - س المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3203 بتاريخ 1774/3/20، مضيفا بأن ملكية الدولة للعقارين ثابتة بقوة القانون وأن عقد الوصية المحتج به لم ينجز إلا بتاريخ 1995/5/26 وهو غير قائم للاعتبارات التالية: - أن العقار ذي الرسم عدد ... - س استرجعته الدولة من مالكه الأصلي (م.د.ف.ل) وأن عقد الوصية أبرم من طرف (م.ب.ك) الذي لا علاقة له بالعقار الموصى به وان المستأنف لم يستطع إثبات علاقة المسمى ببيير بالعقار، وعن العقار الثاني فانه بالرغم من أنه كان أصلا مملوكا للموصى الأجنبي (م.ب.ك) إلا أن الوصية في حد ذاتها لا يمكن الاعتداد بها لكونها أنجزت في وقت لم يعد فيه الموصى مالكا للعقار الموصى به مما يعتبر معه الحكم الابتدائي الذي قضى بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة في محله معتبرا أن عقد الوصية باطل لكونه أنصب على عقاريين مملوكين للغير، ويضيف بأن المجلس قد بت في النقطة المتعلقة بالصفة وأكد على أن عقد الوصية جاء لاحقا لتاريخ استرجاع الدولة للعقارية مستدلا على ذلك بعدة اجتهادات قضائية، ويثير بالإضافة لانعدام الصفة الدفع بتقديم الطعن خارج الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 23 من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية باعتبار أن الطاعن كان على علم بالقرارين من خلال الدعوى الاستعجالية التي تقدمت بها الدولة في مواجهته بتاريخ 2004/4/16 أمام المحكمة الابتدائية بإنزكان مطالبة إياه بالإفراغ حيث صدر الحكم عدد 2004/6/2 في الملف الاستعجالي عدد 2004/113 بإفراغه من العقارين، هذا بالإضافة إلى أنه تقدم بدعوتين بتاريخ 2005/9/16 أمام ابتدائية إنزكان حسب الملفين عدد 05.355.05.354 بطلب التشطيب على الدولة من الرسمين العقاريين وبذلك فإنه يعتبر عالما بالقرارين منذ سنة 2005 على الأقل، ومما يؤكد ذلك بالرسالة الموجهة إليه من مدير المحافظة بتاريخ 1999/8/4 ردا على رسالته في 1999/06/24 هذا مع العلم أن سلف الدولة (م.د) كان عالما هو الآخر باسترجاع العقار منه بدليل حضوره إلى جانب الحيازة حسب الثابت من محضر الحيازة المشار إليه في المذكرة الجوابية المؤرخة في 2007/5/10 ونفس الشيء يسري على (م.ب.ك) الذي كان حاضرا بدوره إلى جانب نفس اللدنة. وبناء على مستنتجات السيد (أ.ج) مشيرا إلى أن القرار الوزيري موضوع الطعن ليس له أي أثر ناقل للملكية كما هو الشأن بالنسبة لمحضر تنفيذ حكم أنجز عن خطأ على عقار لا صلة له بالملف موضوع الحكم ومن تم يطاله البطلان المطلق ولا يكون أي تأثير لتسجيله على الرسم العقاري، ومع التسليم بهذه الحقيقة فإن أي تصرف ناقل للملكية يبرمه المالك على عقاره موضوع المحضر أو قرار التطبيق المنجز عليه عن خطأ يقع صحيحا لأن الحكم القضائي بالنسبة للفرضية الثانية هو الذي ينتج عنه الأثر الناقل للملكية مما يستلزم حصر محور البحث في نقطة واحدة هي التثبت مما إذا كان المكان المسمى «مرس» الدشيرة موقع العقارين يتواجد داخل المدار الحضري أم العكس، وأن الشهادة الصادرة عن المندوب الجهوي للسكنى والتعمير بتاريخ 1972/11/23 تثبت أن العقارين يتواجدان داخل الدائرة الحضرية، وأن الفصل 62 من ظهير التحفيظ ينص على إمكانية إلغاء أو التشطيب على الرسم العقاري رغم ميزته التطهيرية وصفته القطعية في حالة ما إذا كان قد أسس على قرار باطل ومما لا جدال فيه أن المقرر الوزاري المشترك هو مجرد قرار تطبيقي ولا يكتسي أي صبغة حجية منبثقة من ذاتيته وإنما يستمدها من الظهير الذي اتخذ المقرر من أجل تطبيقه كما هو الشأن بالنسبة للحكم القضائي ومحضر تنفيذه فإذا تجاوز قرار التطبيق أو محضر التنفيذ مجال أو حدود الظهير بالنسبة للأول أو موضوع الحكم بالنسبة للتنفيذ أصبح غير ذي موضوع ومن تم لا يحتج عنه أي أثر في تغيير مركز القانونية أو نقل ملكية الشيء المنصبة عليه عن خطأ ولو جرى تقييده في الرسم العقاري ويضيف بأن المستندات التي أدلى بها تكتسي صبغة رسمية لا يمكن تنحيتها إلا بإثبات زوريتها عملا بصريح المادة 419 من ق.ل.ع وتتمثل في شهادة المندوب الجهوي للتعمير وقرار الترخيص بإحداث التجزئة وإعلامات ثلاث بأداء الضريبة الحضرية وصورة لظهير مؤرخ في 1952/1/2 وحكم صادر عن إدارية أكدير وفي الأخير التمس الحكم وفق مقاله. وبموجب مستنتجات تكميلية وختامية أدلى المستأنف بصورة من القرار الاستئنافي عدد 489 الصادر بتاريخ 2002/11/12 مشيرا إلى العديد من الاجتهادات القضائية. وبناء على مستنتجات السيد المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق؟ وبناء على إدراج القضية بجلسة 2010/4/15 حيث وجد بالملف مذكرة جواب الوكيل القضائي وأدلى نائب المستأنف بمذكرة تعقيب وأسند النظر للمحكمة التي اعتبرت القضية جاهزة للبت فيها وتقرر جعلها في المداولة لجلسة 2010/5/6 تم تمديدها لجلسة 2010/6/10. بعد المداولة طبقا للقانون: التعليل: في الشكل: حيث إن النقطة التي اعتمدها المجلس الأعلى في نقض القرار الاستئنافي والقول بأنه لا يرتكز على أساس قانوني تتعلق بصفة المستأنف في تقديم الدعوى باعتبار أن محكمة الاستئناف قد اعتمدت على مجرد الاستظهار بعقد وصية مؤرخ في 1955/5/26 من الموصي (م.ب.ك) باعتباره المالك للعقارين المذكورين لتجعله صفة الطاعن في الدعوى قائمة دون إبرازها للأسس القانونية التي جعلتها تستبعد الدفع المثار بشأن صفة المستأنف والذي سبق لمحكمة الدرجة الأولى أن بنته عليه حكمها وذلك باعتبار أنه لما كانت الوصية هي عطية لما بعد الموت وكان الموصى له لا يستحق إلا ما بقي على ملك الموصى أثناء وفاته وفي حدود الوصية فإن الطرف الطالب رغم إثارته كون الموصي لم يعد مالكا للعقارين موضوع القرار الإداري المطلوب إلغاؤه سواء عند تحرير عقد الوصية بتاريخ 1995/5/26 وأثناء وفاته المتحققة في تاريخ 1999/2/10 تأسيسا على صيرورة الدولة المالكة المسجلة بالسجل العقاري بخصوص العقار المذكور منذ تاريخ منسحب إلى سنتي 1973 و1974 تطبيقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1/73/213 الصادر بتاريخ 26 محرم 1393 (2 مارس 1973) بمثابة قانون تنقل بموجبه إلى الدولة ملكية العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة التي يملكها أشخاص ذاتيون أجانب أو أشخاص معنيون. وحيث إن المحكمة في إطار التحقيق في مدى توفر المستأنف على صفة رفع الدعوى للطعن ضد القرار الوزيري المشترك تبين أن عقد الوصية المحتج به من طرف الطاعن مؤرخ سن 1955 في وقت لم يعد فيه الموصي مالكا للعقارين موضوع الدعوى ما دامت ملكيتها قد انتقلت للدولة (الملك الخاص) سنة 1974 في إطار ظهير 1973/3/2 وبموجب القرار الوزاري المشترك وأنه بالإسناد لهذا القرار. تم تسجيل العقارين باسم الدولة (الملك الخاص) بالرسمين العقاريين عدد ... س وعدد ... - س ( ) مما يستخلص منه أن الوصية المستدل بها من قبل المستأنف لإثبات صفته في الدعوى تتعلق بعقارين كانا في تاريخ إنشاء الوصية في ملكية الدولة ولم يكن الموصي يملك حق التصرف فيهما الشيء الذي تنتفي معه صفته في تقديم الطعن في مواجهة القرار الوزاري المشترك الذي بموجبه تم استرجاع الدولة للعقارين موضوع الدعوى. وحيث إن محكمة الدرجة الأولى لما نحت هذا المنحى وصرحت لهذه العلة بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة عملا بمقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية تكون قد بنت حكمها على أساس سليم مما يتعين معه الحكم بتأييده. لهذه الأسباب: إن محكمة الاستئناف الإدارية وهي تقضي علنيا انتهائيا وحضوريا. تصرح في الشكل: بتأييد الحكم المستأنف.» وكانت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش متركبة من الأساتذة: خديجة الإدريسي سعد: رئيسا ومقررا، ولطيفة مرسلي: مستشارا عضوا، ومحمد فتح الله الخريصي: مستشارا عضوا، وبحضور محمد ندير: مفوضا ملكيا، ومساعدة محمد حكوس: كاتبا للضبط.