ضيفة هذا الأسبوع هي الشاعرة نجاة الزباير، صاحبة الكلمة الشعرية التي تستحيي من مقاطعتها وهي تلقي قصيدة من قريضها، الذي جعلت منه مأدبة لاستضافتنا حولها على كأس تناغيمه الجميلة، من خلال الحوار التالي: -عرّفينا على نجاة الزباير، الإنسانة والشاعرة؟ ماذا أخبركم عني؟ هل أقول بأني شاعرة الحلم أم سيدة الوهم؟.. أم تُراني سأحدثكم عن غرامي الكبير في المدن اللغوية التي تفتح أبوابها أمام سحر الكينونة الكبرى، فتستضيفني فراشة تتنقل بين زهر رُباها، حيث أنتشي من عطرها الفوّاح، فتولد من بين أناملي قصائد تكتبني بحبر إلهيّ، لا أعرف كيف أترجم حضورها بالكلمات؟.. فكيف سأطرز حضوري في هذا الحوار بخيط تعريف رفيع عني وأنا أجرّ روحي بين عوالم الاختلاف، شاعرة رسمت لخطها تميّزا في خريطة الشعر العربي، وإنسانة سكنها الحب ففرقته في زجاجات معطرة بالنبل.. سكرت من مُدام الكلمة منذ صباي، فتحركتُ في أروقة عوالمها، بين الخاطرة والقصيدة، وانسكبتْ رؤاي لمعانقة المقالة الاجتماعية، كما اهتممتُ بالدراسة الأدبية والفن التشكيليّ.. فكنت كتلة نارية تتحرك هنا وهناك، أبني اسمي من لبنات التميز الذي يعرفه القارىء العربي، من خلال قصائدي ومشاركاتي في الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية. -علاقتك بالقصيدة؟ من سيدة الكلمة أنت أم هي؟ القصيدة هي قدمي التي أمشي بها، وهي شهرزاد بلاطي، حيث أقف مبهورة أمام فتوحاتها، هي أناي ومعناي وكل ما يتخلل خلاياي.. فهل أفصلها عني وهي جزئي وكلي؟ وهل أبعدها مسافات وأنا بدونها يتيمة الروح، أقف على بابها متسولة عطاياها؟ وحينها أغدو أميرة تمشي بخُيلاء بين أروقة النفس، فأعرف بأني أحيى من خلالها كما أشاء.. إنها صوت يعلو فوق صوتي، تعبر نبضي نحو أفق أطارد فيه حوريات الهمس والجمال، فأجلس فوق عرشها أحكي ما كان مني ومنها.. هي ذلك الجنون الذي أتنفسه من رئة الهذيان، فأحضن حرائقها، حيث أغدو كما الفينيق، أولد في مراياها بلا اسم ولا عنوان.. هي التي تفتح شفاه ذاكرتي كي أسافر في اللازمان واللامكان.. هي سري المبعثر بين أنامي ووسادتي الأزلية، التي يتمدد فوقها شعر أحلامي الطويل. وكلما استدرت في سمائها قمرا، أراني أنساب جداول حبّ يرسمني أغنية شعرية لا حدود لسحرها.. تلك بعض القطرات التي تتصبّب من سمائها نحو أرضي، فتنبت شجرة علاقتي بها. -ما هي طقوسك حين الكتابة؟ وهل نجاة -الأنثى هدوء أم تمرّد أم حلم؟ الكتابة انفلات زمني للذات عن سيرورتها العادية، حيث تتقمص عوالم ترمينا إلى الهناك، متكأة على عكاز مجموعة من التيمات التي تحاول أن تعانق الحرية بكل سحرها. ففي الكتابة أتحرّر مني، وأشرب أقداح البوح كما أشاء، وأتدثّر بعمق الأشياء، واقفة أمام انثيالات بريقها.. فتأتيني همسا، على صهوة قصيدة عندما تمطر الغربة في جوف منفاي، لا زمان معيّنا لها ولها مكان، لتبقى حالات الكتابة رهينة بزلازل الروح وهدير موج الواقع، أتلو تراتيلها وسط هدوء يأخذني مني كي أطارد وجهها بين أروقة الصمت، وكلما حل الصخب حولي أراها تزوَرُّ عني وكأنها ليست مني، فأجلس فوق كثبان وحدتي أترقب عودتها، لكن هيهات... ولذلك فأنا حالمة وهادئة وأيضا مُتمرّدة.. -يلاحظ على كتاباتك أنها لا تقف مكبلة عند أنثاك، بل تتعداها لمعالجة قضايا عربية وقومية.. أين تجد نجاة نفسها؟ عفوا.. ليست «معالجة»، لأنني لا أملك الصلاحيات كي أعالج قضية ما؟ بل هي رؤى ذاتية تجرّ أنفاسي نحو عناق آلام يعيشها الوطن العربي.. فلكي تخوض عباب القصيدة عليك ألا تبحث عن ساحل واحد ترسو فيه سفينة كتابتك، بل أن تجد آفاقا متعددة يطل منها فجر نقيّ ليبدأ من خلاله زمن جديد.. ونحن جزء من وطن تنزف خرائطه، فكيف أجدل حبال الصمت وأرقص على موسيقى الذات فقط وأنا أرى كل يوم دماءً فوق قميص الكون وذئابا تطارد قطيع حارسٍ أعزل يتلفع بالخوف والمُحال!.. فأن تكتب معناه أنك تطير بجانحين من ضوء وماء، تحاول فتح دروب مختلفة داخل الذات للمرور نحو عناق كل العوالم، فما معنى أن تحدّق في جدار الليل الطويل الذي يفتح ممراته أمامك، وأنت تحاول أن تغضّ الطرف عنه، مارا بكل أنانية وأنت تدخن لفافة مشاكلك الصغيرة، والوطن الكبير يفتح جراحاته أمامك؟!.. -في اعتقادك، هل مازال للشعر ناس والزمنُ غير الزمن؟ الشعر هو ذلك الجسر الذي تقطعه الروح لتعانق الكينونة الكبرى.. نشأت الذائقة الإنسانية على سحره، فرقصت الجوارح على نبضه، فهو الألق الذي يسع الأرض، بكل خرابها، والمُجمل لبشاعتها، فبدونه لا معنى للوجود.. سأعترف، لأول مرة في حوار صحافيّ، بأن إلقاء الشعر كان من بين الأسباب التي نفّرت المستمع منه.. كم من قصيدة جيدة يلقيها صاحبها بطريقة تقتل بهاءَها، فلا يتفاعل معها المتلقي الحاضر لاستقبالها.. وأقول إنّ الشعر الجيد لا يموت، بل يبقى وهجه مستمرا، والقارئ متعطش دوما إلى النص المتميز الذي يداعب وجدانَه وخياله بكل جمالياته. -تعددت اهتماماتك الأدبية والشعرية.. أين تجد نجاة راحتها وأنثاها؟ أجد راحتي في انسكابي فوق البياض.. لا يهمّ الجنس الأدبي الذي يأسرني فأكون أمَة لسحره، وإن كانت القصيدة هي سيدة البهاء التي تحتلّني أكثر، فأراني غريبة بدون عطرها. -كيف ترين الكتابة، بكلّ أصنافها الأدبية، في رحاب بنات جنسك؟ هل استطاعت المرأة المغربية خاصة أن تقول كلمتها من خلال الكلمة الإبداعية؟ ما أكثر الكتابات بكل أصنافها التي جعلت المبدعات يتألّقن بصورة ملفتة، سواء في الشعر أو الرواية أو القصة والنقد وعلم الاجتماع وغير ذلك.. فهنّ يقتبسن من الشمس أشعتها ويمشين بعنفوان ساحر في ساحة الكتابة.. وطبعا، استطعن أن يتركن بصمتهنّ على جلد الإبداع المغربيّ والعربي، إنهن سيدات مُعطَّرات بالحبر الضوئيّ، يجمعن تحت أجنحتهن قرارات مهمّة تحاول تغيير خارطة الإبداع المغربي، وجعله أكثر إشعاعا في الوطن العربي والعالم. -ما الذي ينقصنا لنصل إلى مشهد ثقافيّ متكامل وحقيقيّ وذي تأثير في الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها؟ ينقصنا الاهتمام بالمبدع كطاقة إنسانية تملأ الروح بالتجدّد.. فأنا أؤمن بسموّ الإبداع في زمن أكلت راحتَه الأحقادُ والمصالح الشخصية.. هكذا أحمل حقائبي وسط أدغال الكلمة، أحتطب من أشجارها وأشرب من مائها وأغنّي ألحانا من بهاء الوجود.. لأولد سيدة تتدثّر بالاختلاف في كل شيء، لي مملكتي الخاصة التي تقرع بابَها الحرية ومحبة الإنسان.. فما أكثر آلام البشرية! فكيف يضيف لها المثقّف جراحات أخرى تَنحَت، للأسف، بنار الغرابة تمثالا بئيسا للمثقّف المغربيّ.
بطاقة
-عضو اتحاد كتاب المغرب؛ -رئيسة تحرير كتاب أفروديت؛ -عضو الهيئة الإدارية لتحرير مجلة نوارس العربية؛ -عضو فخريّ في دار نعمان للثقافة في لبنان؛ -عضو رابطة الأديبات في الإمارات؛ -عضو الهيئة الاستشارية العليا لديوان ووكالة أنباء شعراء الأردن؛ فاز ديوانها «النخب الأخير» بإحدى جوائز نعمان العالمية 2006؛ -كانت من بين الكفاءات العربية التي كرّمتها الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب -2007؛