في هذا الحوار، يشرح عثمان كاير، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، كيف أن المقاربة الميزانياتية هي التي تحكمت في مشروع إصلاح صندوق المقاصة الذي قدمت الحكومة مؤخرا خطوطه العريضة، عوض الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الاجتماعية بالدرجة الأولى، والانعكاسات المحتملة لتطبيق هذا المشروع سواء كانت إيجابية أو سلبية. كما يتطرق الحوار إلى نظام الدعم المرتقب أن تخصصه الحكومة لدعم الأسر الفقيرة وتعويضها عن فرق الأثمنة في السلع الأساسية، التي سيرفع عنها دعم الدولة، ومصير الطبقة المتوسطة التي ينتظر أن تكون أكبر متضرر من عملية إصلاح هذا الصندوق، ومدى تأثير نتائج هذا الإصلاح على نسبة نمو الاقتصاد المغربي وخلق فرص جديدة للشغل. - ما هو تقييمك الأولي للخطوط العريضة لمشروع إصلاح صندوق المقاصة الذي أعلنت عنه الحكومة مؤخرا؟ يجب التأكيد بداية على أن الحكومة لم تكشف، لحدود الساعة، عن مشروعها لإصلاح صندوق المقاصة، لكن ما تم تداوله خلال اليوم الدراسي الذي نظمته فرق الأغلبية يبين عزم الحكومة رفع أسعار المواد الأساسية المدعمة من طرف الدولة تدريجيا، موازاة مع إرساء نظام للمساعدة للأسر الفقيرة، سيمس حوالي 3،5 ملايين أسرة مغربية. إن إصلاحا من هذا القبيل يثبت للوهلة الأولى أن المقاربة الميزانياتية فقط هي التي تحكمت في إعداده، في غياب تصور شمولي لإصلاح من هذا الحجم، يفرض استحضار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية كذلك، وهو ما يفتح الباب أمام مخاطر المس بتنافسية المقاولة المغربية وضرب التماسك الاجتماعي للبلاد. إشكالية صندوق المقاصة ليست مرتبطة حصرا بحجم الغلاف المالي المرصود لدعم الأسعار، بل هي تخص أساسا مضمون السياسات العمومية الاجتماعية، والأهداف المنتظرة منها، في علاقة بسياسة المنافسة التي تعتمدها الدولة. - ما هي الانعكاسات المحتملة إذا ما طبق هذا الإصلاح، سواء منها الانعكاسات الإيجابية أو السلبية؟ إصلاح صندوق المقاصة ستكون له انعكاسات إيجابية على مستوى الميزانية العامة، حيث إن تحرير أسعار جميع المواد المدعمة لن يكلف الأسر المغربية أكثر من 600 درهم شهريا، وهو ما سيخفف لا محالة من عبء الدعم العمومي الموجه لصندوق لم يعد يؤدي أدواره الأصلية في دعم القدرة الشرائية، وحماية تنافسية المقاولة، خصوصا إذا علمنا أن مخصصات المقاصة لسنة 2012 قد تجاوزت لأول مرة الغلاف المرصود للاستثمارات، حيث بلغت 55،5 مليار درهم، أي ما يعادل %6،6 من الناتج الداخلي الخام. في المقابل، فإن خطوة تحرير الأسعار ستكون لها انعكاسات سلبية، أولا على الطبقة المتوسطة التي ستتدهور قدرتها الشرائية، على اعتبار أنها لن تصنف في جميع الأحوال ضمن الفئات الفقيرة، وهو ما سيجعلها حتما خارج نطاق أي دعم. النسيج الاقتصادي سوف يتضرر بدوره، خصوصا قطاعات المطاحن والنقل العمومي والطاقة، وهو ما ينذر بانتقال عدوى ارتفاع الأسعار إلى قطاعات اقتصادية واسعة، بالنظر إلى الترابط الوثيق فيما بينها، بينما إرساء الدعم المباشر للأسر قد يحمل في طياته مخاطر كثيرة، لعل أهمها تحويله إلى «ريع جديد»، لن يضمن استقرار حجمه أو تقلص حجم الطلب الاجتماعي. - هل يمكن أن يحد نظام الدعم للأسر الفقيرة من الانعكاسات السلبية لرفع الدعم عن المواد الأساسية؟ لا شيء يضمن أن نظام دعم الأسر الفقيرة سيجعلها بمنأى عن التأثيرات السلبية لتحرير الأسعار التي لن تكون للدولة سلطة عليها، و حتى الأرقام المقدمة حول احتمالات الآثار الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا تلك المتعلقة بارتفاع الدخل والطلب والاستثمار، تبقى جد نظرية بسبب التعقيدات المرتبطة بتنظيم الأسواق وتشابك سلسلة التوزيع، وضعف آليات الدولة في هذا الإطار. - كيف تتوقع أن يكون رد فعل الطبقة المتوسطة التي ستكون أكبر متضرر من عملية الإصلاح المرتقبة؟ الحكومة من خلال هذا التصور الأولي تتجه نحو قتل ممنهج للطبقة المتوسطة، عبر تحميلها لوحدها تكلفة الإصلاح. الطبقة المتوسطة هي أولا ضحية للنظام الضريبي غير المنصف الذي يحملها الجزء الأكبر من المداخيل الضريبية، عبر الاقتطاعات من المنبع، في حين أن الدولة لا تزال عاجزة عن تعبئة موارد إضافية نتيجة التهرب الضريبي، وغيره من الممارسات الاحتيالية. من جهة أخرى، وطوال السنوات الأخيرة، تم الإجهاز على القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة بسبب الارتفاع المتواصل لكلفة المعيشة، وهو ما يعني أن تحرير أسعار المواد الأساسية سيطلق رصاصة الرحمة على فئة اجتماعية تلعب أدوارا أساسية في حفظ التماسك الاجتماعي، وتحريك عجلة الاستهلاك. إصلاح صندوق المقاصة ليس شأن الفئات الفقيرة فقط، بل هو شأن وطني يتعلق بمنظور الدولة لأدوارها والأهداف المنتظرة من آليات تدخلها في المجال الاجتماعي، مع كل ما يعنيه ذلك من ضرورة تعريف وتحديد أولويات الدولة في المرحلة المقبلة، في انسجام تام مع الإمكانيات المتاحة، ومكامن العجز الاقتصادي والاجتماعي. - هل يمكن تحويل مخصصات صندوق المقاصة إلى ميزانية للاستثمار وخلق الثروة للرفع من نسبة النمو؟ أعتقد أن النقاش اختزل بشكل تعسفي في غلاف مالي مخصص للدعم وجب تقليصه، والحال أن النقاش الدائر حاليا حول صندوق المقاصة يبرز إشكالية أعمق، ترتبط بضرورة إصلاح المالية العمومية ككل، مع كل ما يعنيه ذلك من إعادة للنظر في النظام الضريبي وتركيبته، على اعتبار أنه يشكل المدخل الأساسي لتطوير مداخيل الدولة. وبالعودة لسؤالكم، يمكن القول إن تخفيض مخصصات صندوق المقاصة سيمكن الدولة من الرفع من إمكانياتها الاستثمارية، ومن ثم خلق فرص شغل جديدة نتيجة ارتفاع نسبة النمو، غير أن هذا التحليل تجاهل من هم في حالة شغل، حيث سيتحملون عبء الرفع من الأسعار دون الاستفادة من هذه الدينامية التي تخص بالأساس العاطلين عن العمل. - ما رأيك فيمن يعتبر أن إصلاح صندوق المقاصة جاء استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، دون مراعاة لمصلحة الشعب المغربي؟ إصلاح صندوق المقاصة هو أولا ضرورة وطنية واقتصادية، تتعلق بترشيد نفقات الدولة وتمكينها من تحقيق الأهداف التنموية المنتظرة منها. لكن بالمقابل، تطرح أسئلة عميقة حول نوعية وهوية الاختيارات التي تروج لها الحكومة في هذا الإطار، و التي تنطلق من منظور محاسباتي صرف، في تجاهل تام للاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وهو التوجه الذي ينسجم مع ما كان خبراء صندوق النقد الدولي قد ضمنوه في التقرير الذي مكن المغرب من الخط الائتماني بقيمة 6.3 مليارات دولار، والذي كشف في الصفحة 13 منه أن الحكومة قد ألغت دعم بعض المواد المدعمة، وتلتزم بإلغاء دعم مواد أخرى.