سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
منشد: لهذه الأسباب استقلت من اللجنة الإدارية للاتحاد وهذه تفاصيل ما حدث في مؤتمر الحزب أكد أن عناصر تنتمي لأحزاب أخرى استغلت علاقاتها ببعض الاتحاديين للدفع بهم للتصويت على لشكر
في هذه الرسالة التي بعثها الطيب منشد الى «المساء» والتي ننشرها في جزئين، يكشف أسباب استقالته من اللجنة الإدارية المنبثقة عن المؤتمر الوطني التاسع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ويلقي بالضوء على كثير من الأحداث والتفاصيل التي رافقت انعقاد المؤتمر، وقرار الحزب عدم المشاركة في حكمة عبدالإله بنكيران وكيف استغلت عناصر تنتمي الى أحزاب سياسية أخرى علاقتها القوية ببعض الاتحاديين للدفع بهم للتصويت على ادريس لشكر دون بقية المرشحين.
تبعا لرسالة استقالتي من «اللجنة الإدارية» المنبثقة عن المؤتمر الوطني التاسع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولفهم أبعاد ما جرى بالمؤتمر المذكور، لابد من الرجوع إلى ما عرفه الحزب من تطورات متلاحقة سياسيا وتنظيميا، على الأقل منذ استقالة الكاتب الأول السابق الأخ محمد اليازغي، مرورا بالمؤتمر الثامن، ووصولا إلى التحضير للمؤتمر التاسع وما تلاه. لقد خلقت انتخابات 2007 زلزالا عنيفا هز الكيان الاتحادي أفقيا وعموديا وولد ردود فعل متباينة داخليا وسال حولها مداد غزير على المستوى الخارجي (خارج المغرب)، ونتيجة لردود الفعل المباشرة، شكل المجلس الوطني للحزب لجنة لتقييم النتائج وتشخيص الأسباب والمسببات، وقد أسفرت أشغال هذه اللجنة عن وثيقة تعتبر من حيث الجرأة في السطح والعمق في التحليل واستشراق الآفاق، من أهم الوثائق التي أنجزت داخل الحزب في العقد الأخير. • ففي الجانب السياسي، أكدت الوثيقة أنه من بين أسباب تراجع الاتحاد انخراطه في حكومة سنة 2002، بعد التراجع عن المنهجية الديمقراطية، ثم التماهي المفرط مع العمل الحكومي، وغياب كل ما هو اجتماعي عن خطابات الاتحاد والعداء البين لدى بعض الناطقين باسم الحزب للنضالات الاجتماعية والاحتجاجات الجماهيرية، التي أصبح يرى فيها هذا البعض الاتحادي أنها جهة للحزب، بالإضافة إلى غياب النفحة الإيديولوجية عن الخطاب الاتحادي، مما جعله جزءا من خطابات كل المكونات الحكومية وغيرها، ماعدا ما يتعلق بمواجهة المد الظلامي على اختلاف تلاوينه. • على المستوى التنظيمي، فقد اعتبرت الوثيقة أن من بين عوامل النكسة، انحلال التنظيمات على المستوى المحلي، الإقليمي والجهوي، والتخلي المتعمد عن تنظيم القطاعات المهنية وإضعاف الشبيبة الاتحادية نتيجة الوصاية، التي فرضت على القطاع، وإفراغ القطاع النسائي من كل فعالية حقيقية. • إشاعة ظاهرة الإنزالات كلما تعلق الأمر باستحقاقات داخلية لإفراغ الديمقراطية الداخلية من كل مضمون. • الابتعاد الكلي عن ثقافة المؤسسات، وبروز الأشخاص النافذين وما نجم عن الظاهرة من تشجيع للحلقية والزبونية وتنصيب «الباشوات» في بعض الجهات والأقاليم. • نفور العديد من الأطر والمناضلين الاتحاديين من كل مشاركة في العمل الحزبي، في مقابل ظهور بعض الكيانات الغريبة عن الحزب، التي أقحمت في صفوفه بمناسبة الانتخابات. هذه الوثيقة كان مأمولا أن تكون أرضية المكتب السياسي لتحضير المؤتمر الوطني الثامن للحزب. الحدث الثاني، الذي ميز هذه المرحلة، هو دعوة المكتب السياسي لعقد دورة المجلس الوطني قصد تحديد الموقف من المشاركة في حكومة الأستاذ عباس الفاسي، وكان القرار هو إعطاء الصلاحية للمكتب السياسي قصد تدبير هذه المشاركة. وهنا برز في المكتب السياسي رأيان، رأي الأغلبية الساحقة يفسر القرار بالمشاركة في الحكومة، ورأي الأغلبية يفسر القرار بضرورة العودة للمجلس الوطني لعرض نتائج المفاوضات. وبدون الدخول في تفاصيل المفاوضات وما جرى خلالها، أقول إنه بعدما بدأت أسماء الوزراء في التداول، تغير الوضع داخل المكتب السياسي وأصبحت تقريبا الأغلبية المطلقة غير راضية على نتائج المفاوضات في مواجهة الكاتب الأول، وهو ما كانت نتيجته الاستقالة الشهيرة للأخ محمد اليازغي من الكتابة الأولى، وهنا يمكن أن أقول إن الحزب دخل مرحلة جديدة، ذلك أنني شخصيا وقد انخرطت في القرار، كنت أعتقد أن الحزب قد يعرف تنافسا إيجابيا على الكتابة الأولى لتدشين دورة جديدة، تحكمها وتؤطرها خلاصات تقرير لجنة التقييم، وذلك بتنشيط الحزب على مستوى الأقاليم والجهات، تشارك فيها كل كفاءات الحزب، وهو ما سيجعل المنافسة على الكتابة الأولى لا تقتصر على أعضاء المكتب السياسي، بل هي فرصة لكل الأطر الحزبية في الجنسين، لإظهار قدرتها على التأطير والتنظيم، وبالتالي القدرة على القيادة، واقترحت في هذا السياق ظروف انتخاب منسق أو ناطق رسمي باسم الحزب قبل التوجه إلى المجلس الوطني، الذي سيحدد تاريخ المؤتمر الثامن، مع تأكيدي على مبدأ القيادة الجماعية الذي رفع خلال تلك المرحلة. لكن خلافا لما كنت أعتقده، أي الدخول في مرحلة المنافسة الايجابية، بدأت ملامح التنافس السلبي تظهر بين المتنافسين المحتملين من داخل المكتب السياسي، حيث إن كل واحد منهم كان يستعمل «الفيتو» على الآخر، والدفع في اتجاه قيادة جماعية بدون منسق، وهنا أذكر أنه في أحد اللقاءات وأمام إلحاحي على انتخاب المنسق، جاء اقتراح من الأخ فتح الله ولعلو، يؤكد على أنني الوحيد الذي يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية، كان ذلك بالنسبة لي مفاجئا وغريبا، حيث تصديت للاقتراح قبل أن أسمع رأي الآخرين، مؤكدا أن الاتحاد الاشتراكي ليس كباقي الأحزاب، وأن المجتمع المغربي لن يتفهم أن يقدم له الحزب مخاطبا مكفوفا، في الوقت الذي يزخر فيه الحزب بالكفاءات التي تتوفر على القدرة والمصداقية داخل وخارج المكتب السياسي،. ومع ذلك، فقد ترأست أول اجتماع لكتاب الجهات والأقاليم دعى إليه المكتب السياسي في وضعه الجديد، لخصت خلاله صبغة المرحلة والمهام المطروحة. كان التنافس واضحا بين ثلاثة أسماء، فتح الله ولعلو، الحبيب المالكي، ادريس لشكر، لكنه تدافع سلبي، أجهض الآمال التي تولدت بعد الرجة وبعد تقرير لجنة التقييم، وهو ما جعلني وبعد مرور أسبوعين على استقالة محمد اليازغي، أصرح في اجتماع المكتب السياسي وأمام الجميع، أنني لم أندم في حياتي على قرار سياسي ساهمت في صياغته، بقدر ندمي على مشاركتكم في الدفع في اتخاذ هذا القرار، حيث بدا واضحا أن خلفية البعض كانت محصورة في إفراغ مؤسسة الكاتب الأول دون التفكير في حاضر ومستقبل الحزب. وفي أول اجتماع للمكتب السياسي بحضور الأخ عبد الواحد الراضي، تساءل هذا الأخير عن الأسباب التي جعلت البعض يقرن اسمه بالأزمة التي عرفها الحزب، لم يجبه أحد على السؤال، وسبب سؤال الأخ عبد الواحد الراضي يعود إلى أحد الاجتماعات السابقة بحضور حوالي 14 عضوا وعضوة من المكتب السياسي في غياب الكاتب الأول ونائبه، حيث إن أحد المتدخلين أقحم الأخ عبد الواحد الراضي في الأزمة وطالب بإقالته، وبعد أن جاء دوري في النقاش، قلت شخصيا لا أتوفر على معطيات تفيد بأن نائب الكاتب الأول جزء من الأزمة ولا أريد أن نظلم أحدا، لكن إذا كانت هناك معطيات تفيد عكس ذلك، فلتطرح للنقاش، كان الجواب هو الصمت، وبذلك أبعد الأخ الراضي من هذه الأزمة. وخلال هذه الفترة، وقبل الاجتماع المخصص للمجلس الوطني، وفي إطار المنافسة السلبية التي أشرت إليها سابقا، فإن اجتماعات المكتب السياسي كانت تسير من طرف بعض الأخوات، ومع قرب انعقاد المجلس الوطني، كان التفكير في من سيترأس هذا المجلس. اقتُرح الأخ عبد الواحد الراضي من طرف أحدهم، وفي تقديري أن ذلك تم باعتباره غير وارد في المنافسة، وبعد انتهاء أشغال المجلس الوطني، تولى الراضي مهمة رئاسة اجتماعات المكتب السياسي، وبدون شك بدأت فكرة دخوله المنافسة تتضح بالتدريج، وكنت من بين الذين ناقشوه في المبدأ، وكنت أميل لترشيحه للأسباب التالية: • كانت تقديراتي أنه إذا فاز إدريس لشكر بالكتابة الأولى، فإن العديد من الاتحاديين مناضلين وأطرا سيلجئون إلى المغادرة الطوعية على امتداد التراب الوطني، وأن مرحلته ستشكل قطيعة مع ماضي الاتحاد وتراثه. سياسيا وإيدولوجيا وتنظيميا. • إذا فاز أحد المرشحين، فتح الله ولعلو، أو الحبيب المالكي، مع وجود إدريس لشكر في الجهاز، فسيكون هذا الأخير هو الكاتب الأول الفعلي، لعدم قدرة الأخيرين على مقاومته والحد من طموحاته اللامشروعة.. هذه هي، إذن، الأجواء التي تم فيها التحضير للمؤتمر الثامن داخل المكتب السياسي. وبدون الدخول في تفاصيل وأجواء التحضير للمؤتمر الثامن، أود أن أتوقف عند أسباب تأجيل جولته الأولى، فمن بين الوثائق المصادق عليها باللجنة التحضيرية والمجلس الوطني، كانت هناك الوثيقة التنظيمية التي تنص على أن المرشحين للكتابة الأولى يتقدم كل واحد منهم بلائحة للمرشحين، والمرشحات للمكتب السياسي في حدود 23 اسما من الجنسين مرتبة، وكان المفروض أن هذه الوثيقة تعرض على المؤتمر قصد المصادقة أو التعديل أو الرفض، وأشير هنا إلى أنني كنت منذ البداية أعتبر أن هذا المقترح مستحيل التطبيق من الناحية العملية،لأن أيا من المرشحين لن يستطيع التقدم بلائحة مرتبة ومحددة في 23 عضوا، لكن اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني تبنيا هذا المقترح. وداخل المؤتمر اجتمع «الأربعة» وبدل أن يدفعوا بالمؤتمر لرفض الوثيقة، قرروا تأجيل الجولة الأولى، تاركين لأحدهم خلق أجواء ومناخ التأجيل، أي باستعمال سلوك البلطجية وتجنيد المجموعات لتطويق الرئاسة ومنعها من إتمام عملية التصويت على الوثيقة. وهنا أذكر أن رئاسة المؤتمر في شخص رئيسها الأخ محمد لخصاصي، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حاولت إضفاء الشرعية التنظيمية على التأجيل، بعقدها لقاء داخل المؤتمر مع كتاب الجهات، حتى يظهر أن المؤتمر لم يؤجل تحت ضغط أعمال الشغب، وإنما جاء نتيجة تشاور مع مسؤولي الجهات. أما الجولة الثانية، فقد مرت في ظروف عادية من الناحية الشكلية، حيث أسفرت انتخابات الكاتب الأول عن فوز الأخ عبد الواحد الراضي بحوالي 275 صوتا، متقدما على فتح الله ولعلو ب23 صوتا. ردود الفعل المتشنجة جاءت من بعض المساندين للأخ فتح الله، كان أبرزها سحب الأخ محمد الأشعري ترشيحه لعضوية المكتب السياسي، وبدت بعض التحركات توحي وكأن المؤتمر يعيش الأزمة من جديد، فاجتمع الأربعة كما حدث في الشوط الأول، وحسب المعطيات التي تسربت لدي عن الاجتماع، فإنه تم التوافق خلاله على من لا يجب أن يلج المكتب السياسي اسميا ، لكن الخطير في ذلك ليس ما أشرت إليه، وإنما هو أن الكتابة الأولى وانطلاقا من ذلك «الاجتماع الرباعي» أصبحت له أربعة رؤوس، وهو ما سيتجسد فعلا خلال الأربع سنوات، حيث إن المكتب السياسي كان يتحكم فيه وفي قرارات هؤلاء الأربعة. إن الآمال التي علقت على المؤتمر الثامن، وخصوصا بعد أشغال لجنة التقييم، من أنه سيكون مؤتمر الأمل لإعادة تأهيل الحزب سياسيا وتنظيميا ليعود إلى احتلال المواقع التي تخلى عنها في السنوات الماضية، هذه الآمال تبددت وأصبح المطلوب من المؤتمر على الأقل أن يطوق الأزمة ويحد من نزيف الاتحاد وتدهور وضعه السياسي والتنظيمي. ومن خلال تشخيص وضعية الحزب ما بين المؤتمرين الثامن والتاسع، سنجد الوضع قد أصبح أكثر سوءا في جانبه السياسي، حيث عاش الحزب فترة اضطراب متأرجحا بين الانسحاب والبقاء في الحكومة، بالإضافة إلى التقلبات على مستوى التحالفات. أما على المستوى التنظيمي، فبدل أن يسهر الجهاز على إعادة هيكلة تنظيمات الحزب في الفروع والأقاليم والجهات والقطاعات المهنية والتنظيمات الموازية، فإن هذه المرحلة كرست التمزق والحلقية والصراعات وإنبات شبكة من الزبناء، وهو ما عبر عنه الأخ الراضي في كثير من الأحيان، «كفى من الحروب الأهلية»، وهنا نطرح السؤال لماذا ولأية أهداف تفاقمت الوضعية بهذا الحد داخل الحزب؟ في تقديري أنه بانتهاء المؤتمر الثامن، ابتدأت مباشرة المنافسة حول الكتابة الاولى من جديد في أفق المؤتمر التاسع، وبدا واضحا أن إعادة هيكلة الحزب وتأهيل تنظيماته والقيام بأنشطة تأطيرية وإشعاعية مع المواطنين، هذه الدينامية كانت ستفرز حتما أطرا حزبية وكفاءات من داخل المكتب السياسي وخارجه، قد تدخل غدا غمار المنافسة، ولذلك تم التركيز على غرس الزبناء بدل تقوية التنظيم، وعلى تغذية الخلافات بدل المصالحة. وفي مقابل هذا التوجه، ظلت العديد من الأصوات داخل المجلس الوطني تصيح حتى بحت أصواتها، والجهات والقطاعات تدق ناقوس الخطر، الذي أصبح يهدد حزب القوات الشعبية، علقت الآمال من جديد خلال هذه الفترة على ما سمي بندوة التنظيم، والتي عرفت نقاشا مركزيا وجهويا، حيث تم إنتاج ورقة جيدة لم تعرض حتى على المجلس الوطني للمصادقة لتخرج إلى حيز الوجود، بل هناك من طالب بعقد المؤتمر التاسع قبل وقته القانوني. لكن الماسكين بالمقود داخل المكتب السياسي ظلوا يصمون آذانهم عن سماع كل الأصوات المطالبة بالتصحيح، وأحيانا يهاجمونها، واصفين إياها بالتطرف والعدمية. كانت الأصوات المطالبة بعقد المؤتمر التاسع قبل الانتخابات التشريعية قد تكاثرت، وهو ما جعل المكتب السياسي، الذي عرف انفجارا خلال هذه المرحلة يرضخ لمبدأ عقد المؤتمر قبل الانتخابات، واتفق على عقد مجلس وطني للإعلان عن الشروع في التحضير له. وفي هذه الفترة جاء الحوار الوطني حول الدستور وبعده حملة مساندة الدستور، ثم أعلن بعد ذلك عن انتخابات 25 نونبر 2011 السابقة لأوانها، حيث انخرط الجهاز في التحضير لها، وطوال هذه الفترة، غابت اجتماعات المجلس الوطني خوفا من المطالبة في الشروع في التحضير للمؤتمر، خصوصا أن ذلك لا يتنافى مع الانخراط في الحوار الوطني ولا مع حملة مساندة الدستور، ولا يتنافى أيضا مع التحضير للانتخابات المبكرة، بل قد تكون القضايا مرتبطة ومكملة لبعضها البعض. ولم يدع المجلس الوطني للانعقاد إلا بعد ظهور نتائج انتخابات 25 نونبر 2011، هذا المجلس الذي انعقد في أجواء احتقان شديدة نتيجة المزيد من تدهور وضعية الحزب، خصوصا على المستوى التنظيمي، ونتيجة تغييب وتهميش المجلس الوطني لفترات طويلة ونتيجة للموقع الذي احتله الحزب خلال هذه الانتخابات، والتي عرفت تزويرا، وتحكم في نتائجها المال وأجواء الانتفاضات العربية. وأهم ما تقرر داخل هذا الاجتماع، اتخاذ موقف عدم المشاركة في حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران والاتفاق من حيث المبدأ على عقد مجلس وطني مقبل، يعلن من خلاله على الشروع في التحضير للمؤتمر الوطني التاسع، هذا المجلس الذي لم يستدع إلا بعد مرور أكثر من أربعة أشهر، والغريب والمضحك في نفس الوقت، أن المكتب السياسي الذي عطل دعوة المجلس جاء باقتراح عقد المؤتمر في غضون أربعة أشهر، أي في شهر شتنبر، علما أن هذه الفترة تتخللها العطلة الصيفية وشهر رمضان، بالإضافة إلى الأوضاع المعقدة والمتردية للحزب. قلت في بداية هذا المقال إنني سأفتح نافذة على الأوضاع داخل الحزب، حتى نستطيع فهم ما جرى خلال المؤتمر وقبله، لكن ترابط الأحداث وتداخل المعطيات حوّل القوس الذي كنت أنوي فتحه حول المراحل السابقة إلى مدخل قد أكون أطلت فيه، فمعذرة. انعقد المجلس الوطني، إذن، خلال شهر ماي 2011، بعد تأخر دام أكثر من أربعة أشهر، وقد جاء في التقرير السياسي المقدم من طرف الكاتب الأول اقتراح عقد المؤتمر في غضون الأربعة أشهر المقبلة، وتحديدا في شهر شتنبر، كما قدمت خلال هذا الاجتماع ورقة تنظيمية تحدد المهام المطروحة على اللجنة التحضيرية واللجينات الفرعية المقترحة والمساطر التي يجب نهجها، وصولا إلى عقد المؤتمر، وكنت من بين المتدخلين في هذا المجلس، وسأعرض ملخص تدخلي: أولا استغربت الاستعجال في تحديد موعد المؤتمر من جهاز (المكتب السياسي) قام بتعطيل عقد المؤتمر قبل الانتخابات التشريعية، وعطّل عقد المجلس الوطني لأربعة أشهر، ويقترح اليوم عقد المؤتمر خلال أربعة أشهر ،علما، كما أسلفت، أن هذه الشهور تتخللها العطلة الصيفية ورمضان الأبرك. وأكدت أن الاتحاد يقف اليوم أمام مفترق طرق، فإما جعل المؤتمر المقبل مؤتمر الإنقاذ، وهذا يتطلب أن يحضر عبر حوار واسع بين كل مكونات الحزب عموديا وأفقيا للقيام بمصالحة داخلية شاملة وبعث الحماس لدى مكونات الحزب وتجاوز الحلقية واللوبيات، التي أصبحت تتحكم في الحزب، وهذا يتطلب إعطاء المزيد من الوقت حتى تنجز المرحلة في أجواء ملائمة، وإما سلك النهج الآخر الذي تؤشر إليه الوثيقة التأطيرية. وهنا سنكون أمام مؤتمر يسير بأداة «التحكم من بعيد»، مما يعني أننا سنكون أمام حزب جديد قطع كل صلة مع تاريخ وتراث وأسطورة الاتحاد الاشتراكي، كما طالبت بإبعاد الورقة التأطيرية واعتبرت أنه من المستحيل عقد المؤتمر في التاريخ المقترح في جميع الأحوال، وللحقيقة لم أكن المنتقد الوحيد لتوجهات المكتب السياسي حول المؤتمر، لكن يبدو أن المتحكمين في مسار الحزب النافذين في المكتب السياسي كانوا قد أجمعوا أمرهم وحددوا أقصر الطرق لتحقيق أهدافهم. وإذا كان التحضير الأدبي وإنتاج الوثائق لا يثير أية صعوبة في حزب كالاتحاد الاشتراكي، فالملاحظ هنا أن نقاشا ساخنا عرفته اللجنة السياسية، وخصوصا فيما يتعلق بمسألة التحالفات مع «الأحزاب الليبرالية الحداثية»، أما على مستوى لجنة تفعيل الأداة الحزبية، والتي حضرت جميع أشغالها ولم أتغيب إلا عن اجتماع واحد، فقد تحكمت فيها مجموعة معينة يعرف الجميع ارتباطها، مكونة من عناصر من جهة الشمال في تحالف مع بعض العناصر من الدارالبيضاء، مدعومين بآخرين من جهات متفرقة. كان هم اللجنة، برئاسة الأستاذ طبيح، الاتفاق على مسطرة انتخاب الكاتب الأول والمكتب السياسي واللجنة الإدارية داخل المؤتمر، وكأن الحياة الحزبية ستتوقف بعد ذلك، ويعلم أعضاء وعضوات اللجنة كم مرة نبهت إلى خطورة إغفال معالجة مساطر التنظيم على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والقطاعات المهنية والتنظيمات الموازية من شبيبة وقطاع نسائي وغيرها، لكن بدون جدوى، حيث استمر النقاش لأكثر من أربعة أشهر، مقتصرا على الأجهزة الوطنية فقط، مع ملاحظة أن العديد من المقترحات كانت تقحم في تقرير اللجنة أو تحذف منه دون علم اللجنة، فعلى سبيل المثال لا الحصر عدد أعضاء اللجنة الإدارية «300 عضو»، لم يناقش العدد على الإطلاق داخل اللجنة، حيث فوجئنا بعرضها في التقرير المقدم الى اللجنة التحضيرية ككل وقد نبهت إلى ذلك في حينه... أما ما يتعلق بعملية انتخاب المؤتمرين المؤطرة بمذكرة المكتب السياسي، والتي تؤكد على أن كل من عبأ الاستمارة المعدة لذلك، سواء تعلق الأمر باستمارة تجديد العضوية أو استمارة طلب الانخراط، يحق له أن يشارك في عملية انتخاب المؤتمرين ناخبا أو منتخبا، وهي دعوة صريحة لإضفاء الشرعية على الإنزالات وإغراق الهيئة الناخبة، وهو الشيء الذي عانى منه الاتحاد خلال كل الاستحقاقات الداخلية، التي عرفها الحزب، مما أدى إلى تعويم تنظيماته، وقد حدد سقف 50 درهما كاشتراك لكل عضو، مع وضع آجال لإنهاء هذه المهمة. ثم مددت الآجال مرة ثانية، وقد لوحظ عزوف الاتحاديين والاتحاديات على الانخراط في تعبئة المطبوع، وأعطي مثلا بمدينة الرباط، حيث إن عددا كبيرا من المناضلين والمناضلات لم يعبئوا هذه الاستمارة، بل إن فرع يعقوب المنصور والذي كان في مراحل سابقة قلعة اتحادية بامتياز، لم يشارك في هذه العملية بالقطع، مما جعل جماعة قروية مع تقديري للاتحاديين هناك، وصل عدد أفرادها أكثر من حجم الاتحاديين بالدارالبيضاء الكبرى مثلا... كما لوحظ امتناع العديد من الاتحاديين عن دفع الخمسين درهما، وهنا أتذكر حديثا دار بيني وبين الأخ عبد الكريم مادون، الكاتب الجهوي لسوس ماسة درعه، حيث أخبرني أن العديد من المناضلين يرفضون دفع الاشتراك، فأجبته بأن للاتحاديين والاتحاديات أكثر من مبرر لهذا الامتناع، وفي رأيي ليس المهم هو دفع هذا الاشتراك، لكن الأهم هو أن تكون اللوائح نظيفة من الإنزالات. أما فيما يتعلق بالأداء، فقد حددت له هو الآخر آجال ثم مددت، ومع ذلك فالعديد من المناضلين لم يؤدوا، وفي النهاية إما أدى عنهم أولم يشاركوا في عملية انتخاب المؤتمرين. بعد انتهاء آجال الإحصاء والأداء، جاء دور الإدارة الحزبية أو بعض أعضاء هذه الإدارة، الذين كان لهم تعامل انتقائي في قبول أو رفض الاشتراكات والاستمارات، بعد انتهاء الآجال، وذلك حسب الولاءات، ففي الرباط دائما، الكاتب الجهوي الأخ أحمد الريح قام بمبادرة لإحصاء بعض الاتحاديين والاتحاديات بيعقوب المنصور، وقدمها للمركز باشتراكاتها (حوالي 50 استمارة) خارج الآجال، حيث تم رفضها من طرف موظف بالمركز. أما انتخابات المؤتمرات والمؤتمرين، فقد مرت في ظروف مختلفة، حيث التوافق والمصادقة على القوائم المقترحة في بعض المناطق، وفي مناطق أخرى كانت الغلبة لمن أمعن في تسجيل العناصر الجديدة، حيث مررت أسماء وأقصيت أخرى، وفي بعض الأماكن أعلن عن موعد ومكان التجمعات وأجريت العملية في أماكن أخرى. أما عن عملية انتخاب الدور الأول، فقد مرت داخليا في أجواء تكاد تكون عادية، لتوفر كل المرشحين على ممثلين لهم داخل مكاتب التصويت، لكن الجو العام كان يطبعه القلق جراء المعطيات التي توفرت حول تدخلات خارجية كانت توجه التصويت لصالح مرشح معين، وهذه الجهات هي بعض مسؤولي الإدارة الترابية في بعض المناطق، بالإضافة إلى عناصر تنتمي إلى الأحزاب الأخرى، والذين استغلوا علاقاتهم ببعض الاتحاديين للدفع بهم للتصويت على ذات الشخص (ادريس لشكر).