سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لماذا تراجع موقع فرنسا الجامعيّ إلى المرتبة الثالثة أوربيا? بعض الطلبة المغاربة أصبحوا ينفرون من جامعاتها بسبب التعقيدات الإدارية التي يعتبرونها «الأكثر إجحافا في العالم»
تشهد الساحة الطلابية الفرنسية نفورا كبيرا من لدن الطلبة المغاربة الذين دفعتهم تعقيدات التأشيرة وإجراءات الإقامة «الأكثر إجحافا في العالم» إلى التوجه لبلدان أكثر «مرونة» وأقرب إلى المتناول، مثل ألمانيا وكندا وبريطانيا، التي تضع تحفيزات هامة من أجل استقبال أكبر عدد من الطلاب. وشهدت عملية التسجيل برسم الموسم الجامعي 2012 2013- تراجعا بنسبة %22. كما عرفت التأشيرات الممنوحة للطلاب المغاربة ف فرنسا تراجعا بنسبة %55 في العقد الأخير (-2000 2010) حسب أرقام وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، التي لم تعد تخفي قلقها من عزوف العديد من الطلبة المغاربيين وطلبة إفريقيا وآسيا على المعاهد والجامعات الفرنسية. وبفعل هذا العزوف، تراجع موقع فرنسا الجامعيّ إلى المرتبة الثالثة أوربيا، بعد بريطانيا وألمانيا، على سلم الدول المفضلة للدراسة من قبل الطلبة الأجانب، بعد أن كانت تحتلّ الصدارة في أواسط التسعينيات بما يفوق 280 ألف طالب أجنبيّ، من بينهم نحو 40 ألف طالب مغربي يشكّلون أكبر كتلة طلابية أجنبية في المدارس والجامعات الفرنسية. وبلغ مجموع الطلاب في فرنسا برسم الموسم الجامعي 2011 -2012، نحو ثلاثة ملايين طالب وطالبة ينتمون إلى أكثر من 3500 مؤسسة تعليمية حكومية وخاصة، وموزعين على 90 جامعة و285 مدرسة عليا. وتستقبل الجامعات والمدارس العليا الفرنسية كل سنة ما يزيد على 1.6 مليون طالب، من بينهم نحو 12 في المائة من الطلاب الأجانب من جنسياتٍ مختلفة. وإذا كان نظام التعليم في الجامعات الفرنسية يتسم بالانفتاح والفاعلية والجودة، حيث تقدَّر ميزانية التعليم العالي بنحو 120 مليار أورو (20 في المئة من ميزانية الدولة) وحيث تعتمد الجامعات مبدأ المساواة في التعامل بين الطلبة الفرنسيين والأجانب، فإن القيود والإجراءات المعقدة التي تفرضها العمالات على الطلبة الأجانب من أجل الحصول على بطاقة الإقامة تساهم بشكل كبير في نقص عدد الطلبة الأجانب الذين تعوّل عليهم فرنسا للمحافظة على القوة التنافسية العالمية لبرامج الأبحاث في جامعاتها. ورغم ن الحملات الإعلامية التي تقوم بها الجامعات والمعاهد العليا بين الفينة والأخرى لجذب الطلبة والباحثين المبدعين الشباب من مختلف أنحاء العالم، ورغم النداءات المتكررة التي توجهها وزارة الخارجية لمصالح وزارة الداخلية من أجل تبسيط شروط الإقامة للطلبة، فإن نسبة العزوف آخذة في الارتفاع بسبب الإجراءات التمييزية لبعض العمالات تجاه الطلبة الأجانب، وخاصة الأفارقة والمغاربيين. وأفاد المعهد الفرنسي للبحث العلمي، في دراسة ميدانية نشرت نتائجها مؤخرا، أن مستوى الجامعات وقيمتها العلمية يتحددان بعدد ما تستقطبه من طلبة وباحثين من مختلف أنحاء العالم، ولذلك -تورد الدراسة- «تعمل دول مثل بريطانيا وألمانيا على تخصيص منح دراسية تحفيزية لآلاف الطلبة من مختلف القارات وعلى توفير كل وسائل الإقامة، من مأكل ومسكن ومصاريف يومية مختلفة للمتميزين، كما تشجعهم على البقاء بعد تخرجهم لبناء خبراتهم في مجالات علمية مختلفة قد تساعدهم في نقل المعرفة التكنولوجية الغربية إلى بلدانهم». وفيما لم يتجاوز عدد الطلبة الأجانب المسجلين سنة 2012 في 90 جامعة فرنسية و285 مدرسة عليا للمهندسين في القطاعين العام والخاص، نسبة 12 في المائة من مجموع الطلاب الجامعيين، فإن هذا العدد حقق نسبة 16.5 في المائة في ألمانيا و19.2 في المائة في بريطانيا.. أما معدل الإنفاق على الطالب الأجنبي فقد بلغ 6220 أورو سنويا (حوالي 7 ملايين سنتيم) ف فرنسا مقابل 7400 أورو (8 ملايين سنتيم) في ريطانيا، مثلا. ويرى المعهد الفرنسي للبحث العلمي أن عودة الطلبة الأجانب إلى بلدانهم أو هجرتهم من فرنسا إلى بلد آخر بعد قضائهم سنوات صعبة في فرنسا، تمثل ضياعا وإسرافا للطاقات البشرية نظرا إلى حاجة فرنسا إلى الخبراء والمختصين، خاصة أنها توفر لهم شروطا ومقوِّمات مميزة من أجل دمجهم في سوق العمل الفرنسية. ويقارن المعهد المنافسة الجامعية اليوم بالمنافسة بين مصانع الأجهزة واللوازم المنزلية قبل 40 سنة. فحينها كانت المؤسسات الصناعية الفرنسية أقوى من مثيلاتها الألمانية والبريطانية.. أما اليوم فقد تفوقت الاثنتان في الصناعة نفسها وكذا في مجال التعليم الجامعي، حيث تعتبر بريطانيا حاليا «مركزا عالميا» للتعليم العالي، وزاد عدد الطلاب الأجانب في جامعاتها بثلاثة أضعاف مقارنة بما كان عليه قبل عقدين.. وتستثمر ملايين الجنيهات في جامعاتها المختصة في تكنولوجيا المعرفة والبحث العلمي.. وتبقى الجامعات الفرنسية، مع ذلك، وبشهادة الجميع، نموذجا في مجال التأهيل النظريّ والتقنيّ. أما بعض معاهدها ومدارسها العليا فتمثل خصوصيةً فرنسية قريبة من الخصوصية الأمريكية، على اعتبار أنها مؤسساتٌ ذاتُ شهرة عالمية واسعة لا تقبل إلا المتميزين من الطلبة في العالم.