تكرس ألمانيا منذ قرون اهتماماً بالغاً بالعلم والثقافة والمعرفة. فمفكروها وفلاسفتها وموسيقيوها أغنوا المكتبات العالمية وباتت أسماء مثل تشير غوتة، وشيلر، وبريشت، وبيتهوفن، وكانط، وهيغل، علامات فارقة في التاريخ الإنساني. ويكفي أن نعرف أن في ألمانيا 5000 متحف منها 500 مخصص للفنون، و300 مسرح، وأكثر من 100 مسرح موسيقي ودار أوبرا، و130 أوركسترا محترفة، و7500 مكتبة و95000 إصدار جديد في السنة.وتعتبر الدراسة في المانيا شبه مجانية للطالب المحلي والأجنبي على السواء, هذا إذا استثنيت سبع ولايات اتحادية فرضت رسوماً «رمزية» على الطلاب الجدد لا تتخطى 500 يورو للفصل الدراسي. ويقول الدكتور ميشائيل هارمس – مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة الألمانية للتبادل الأكاديمي DAAD: «يصعب على كثيرين التصديق بأن التعليم العالي في ألمانيا مجاني على رغم جودته والاعتراف العالمي به». ويضيف: «التعليم لدينا هو من مهمات الدولة وذلك لبناء الجيل الألماني للمستقبل. أما التعليم المجاني للأجانب الذين يشكلون 12 في المئة من مجموع الطلاب، فيهدف الى تهيئة فرص التعاون المستقبلي بين ألمانيا والدول الأخرى». "" ولا يقل مستوى التعليم في ألمانيا التي حازت في مختلف المجالات العلمية والفكرية أكثر من 80 جائزة نوبل عما هو عليه في الدول الغربية الأخرى التي تكلف الطالب مبالغ باهظة. وتدخل 6 جامعات ألمانية في عداد أفضل مئة جامعة في العالم بحسب تصنيف شنغهاي 2008 و35 جامعة ألمانية تدخل في عداد أفضل خمسمئة جامعة في العالم. تلك السمعة والتكاليف المقبولة دفعت طالبي هندسة الكهرباء في جامعة بون، منصف العابد من المغرب ومحمد بن أحمد من تونس للدراسة في ألمانيا خصوصاً من الناحية التقنية التطبيقية. ويقارب عدد الطلاب في ألمانيا المليونين منهم 947000 من الإناث أي بنسبة 48 في المئة، كما تضم الجامعات والمعاهد الألمانية 246000 طالب أجنبي ما يجعلها تحتل المرتبة الثالثة في العالم بعد الولاياتالمتحدة وبريطانيا لجهة عدد الطلاب الأجانب. لكن الفارق أن المانيا لا تعتبر التعليم سلعة تختلف جودتها بحسب كلفتها المادية وإنما هو «واجب وطني» لذا فإن الثقل الفعلي هو للجامعات والمعاهد الحكومية المجانية، مع دعم مادي حكومي للقطاع الخاص وذلك بهدف الحفاظ على المستوى الأكاديمي. ولعل أولى الصعوبات التي يواجهها الطالب الأجنبي هي مسألة لغة الدراسة أي الألمانية. فمن بين حوالى 11 ألف برنامج تعليمي 800 فقط تدرس باللغة الانكليزية. ويؤكد هارمس أن اللغة الألمانية ستبقى لغة العلم في ألمانيا وهناك عدد هائل من المدارس لتعليم اللغة الألمانية داخل ألمانيا وخارجها ومناهجها مخصصة لغايات أكاديمية. وبعد أحداث 11 شتنبر حافظت ألمانيا على حسن علاقاتها الثقافية والتبادل الأكاديمي مع العالم الإسلامي. ونتيجة ظهور صعوبات كثيرة أمام الطلاب العرب للحصول على تأشيرة دراسية إلى عدد من البلدان الغربية أولها أميركا، بدأ هؤلاء البحث عن وجهات أخرى للدراسة في الخارج وكانت ألمانيا بديلاً جيداً. ويقول هارمس: «لاحظنا ارتفاع عدد الطلاب العرب في ألمانيا بنسبة 67 في المئة فعدلنا أسلوب العمل ليتوافق مع المعطيات الجديدة ورفعنا عدد المختصين للإشراف على المنطقة العربية وإيران للحفاظ على توازن العلاقات الأكاديمية بينهم وبين ألمانيا وشجعنا علاقات التعاون والشراكة بين عدد كبير من أساتذة الجامعات الألمانية من جهة والعربية والإيرانية من جهة أخرى». ويشتكي عدد كبير من الطلاب من سوء معاملة السفارات الألمانية في بلدانهم وصعوبة الحصول على التأشيرة الألمانية والتعقيدات والعراقيل الموضوعة أمام الشاب الراغب في الدراسة في ألمانيا. فأول الشروط التي تفرض على الطالب، هي تعلم اللغة الألمانية في بلده وفي حال عدم توافر مدرسة لغة ألمانية في المدينة التي يقطن فيها عليه السفر إلى مدينة أخرى والبقاء فيها طيلة مدة تعلم اللغة الألمانية والتي تصل إلى السنة. ناهيك بصعوبة الحصول على القبول الجامعي وتأمين كفيل صاحب دخل عال يعيش في ألمانيا أو تجميد كفالة مصرفية بقيمة 7500 يورو في مصرف داخل ألمانيا، علماً أن غالبية المصارف الألمانية ترفض فتح حساب من هذا النوع من دون حضور صاحب الحساب شخصياً. ويشير هارمس إلى أن المشكلة تكمن «باختلاف وجهات النظر بين الأكاديميين والسفارات الألمانية التي تنظر إلى مسألة التأشيرات من منظار أمني فقط. لكن في المقابل فإن الطلاب الذين حصلوا على منحة دراسية من طريق ال DAAD لا يواجهون أية صعوبات في التأشيرة». ويقول الطالب منصف أنه لم تعترضه أية صعوبة في الحصول على الفيزا لأنه تعلم اللغة الألمانية في المغرب وتمكن من فتح حساب مصرفي ليودع الكفالة. أما محمد فأوضح أن المركز الثقافي الألماني في تونس ساعده في تقديم طلبات القبول للجامعات الألمانية. وعن المنح الدراسية التي تعتبر مهمة جداً للطالب الذي 091414B.jpg لا يستطيع تمويل فترة دراسته بنفسه من تكاليف سكن ومصاريف خاصة، هناك نوعان من المنح: المنح الحكومية المشتركة بين الدولة الألمانية ودولة الطالب، وفي هذه الحال يكون التمويل مشتركاً ويكون الطالب مرشح بلده للحصول على هذه المنحة. أما النوع الآخر فيتم تمويله من الحكومة الألمانية وحدها وهنا يمكن لأي طالب تقديم طلب وتقوم لجنة أساتذة باختيار الطلاب بحسب المعطيات الأكاديمية. وتقدم مراكز عدة معلومات حول الدراسة في ألمانيا للطالب الأجنبي كصفحة ال DAAD الالكترونية على العنوان التالي: www.daad.de أو صفحة الدويتشه فيلله www.study-in-germany.de وبعد إنهاء الدراسة ينوي كل من منصف ومحمد العمل لبضع سنوات في ألمانيا لاكتساب الخبرة العملية ثم العودة إلى الوطن بين الأهل والأصدقاء أو التوجه إلى دول الخليج لتوفر فرص عمل جيدة. ( الحياة) اللندنية