من المؤكد أن الرئيس بشار الأسد، الذي تتوالى الضربات على رأس نظامه منذ ما يقرب العامين تقريبا، يشعر بحرج كبير هذه الأيام بعد توارد الأنباء عن الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت «مركز أبحاث» في جنوب العاصمة دمشق دون أن تكتشفها الرادارات، أو تتصدى لها الطائرات السورية. ولكن ما يعزي الرئيس السوري أن هذه الغارة تحرج المعارضة السورية أيضا التي تريد إسقاط نظامه، من حيث نسف نظريتها التي تقول إن إسرائيل حريصة على بقائه واستمراره في السلطة لأنه يحافظ على أمن حدودها. منتقدو النظام السوري، وما أكثرهم هذه الأيام، يقولون إنه لم يتردد لحظة في إسقاط طائرة استطلاع تركية اخترقت الأجواء السورية، بينما لم يطلق أي قذيفة على طائرات إسرائيلية اخترقت الأجواء السورية أكثر من مرة ودمرت أهدافا استراتيجية، من بينها مفاعل دير الزور النووي المزعوم. للإنصاف، وليس دفاعا عن النظام، فإن الطائرة التركية كانت قديمة متهالكة أمريكية من نوع «إف 5» تنتمي إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تماما مثل طائرات «ميغ 21» التي يتكون منها معظم سلاح الجو السوري، بينما الطائرات الإسرائيلية هي من أحدث ما أنتجته المؤسسة الحربية الصناعية الأمريكية التي تتحدى الرادارات الروسية الصدئة. لا عذر للنظام السوري في عدم امتلاكه طائرات ورادارات حربية حديثة لوقف مسلسل الانتهاكات الإسرائيلية المهينة لأجوائه، وتدمير أهداف في العمق السوري، خاصة أنه يشكل حلقة استراتيجية في تحالف يضم روسيا والصين وإيران. كما أن استخدام عذر الرد بكل الوسائل الممكنة، صار تكرارا للعبارة المشؤومة التي استخدمها السفير السوري في لبنان حول الرد «المفاجئ» في الزمان والمكان المناسبين. كنا نعتقد أن حلف الناتو يخشى التدخل عسكريا في سورية، على غرار ما حدث في ليبيا، لأن النظام السوري يملك أسلحة حديثة متطورة مثل صواريخ «إس 300» المضادة للطائرات قادرة على إيقاع خسائر كبيرة في الطائرات المهاجمة، ولكن هذا الاختراق الإسرائيلي، الذي كان بمثابة اختبار للقدرات العسكرية السورية وترسانتها من الأسلحة الروسية الحديثة، إذا ما وجدت، جعلنا نشعر بخيبة أمل كبرى في هذا المضمار. من الواضح أن القيادة السياسية الإسرائيلية تحسب حسابا أكبر لحزب الله، بدليل أنها فضلت ضرب قافلة الأسلحة المزعومة هذه في الأراضي السورية، وقبل عبورها الحدود السورية إلى لبنان لأن احتمالات ردّ الحزب اللبناني على هذه الغارة أكبر بكثير من احتمالات ردّ النظام السوري. النظام السوري كان يجب أن يتصدى لهذه البلطجة الإسرائيلية، أو يرد عليها، وفي هذا الوقت بالذات، ليثبت لكل معارضيه، والمطالبين برأسه، والعرب والسوريين منهم بالذات، أنه مستهدف فعلا من إسرائيل، وأن هناك مؤامرة للإطاحة به لأنه يشكل خطرا وجوديا عليها بتبنيه سياسات المقاومة والممانعة. أصبحنا نشعر بالعار كعرب ومسلمين، ونحن نشاهد الطائرات الإسرائيلية تقصف قوافل ومخازن أسلحة في السودان، وتغرق سفنا في البحر الأحمر، وقوافل أخرى في الصحراء الليبية في طريقها إلى سيناء ثم غزة، وتدمر مفاعلات نووية وليدة في أقصى الشمال الشرقي السوري، دون أن يتصدى لها أحد. عندما تعتدي إسرائيل على قطاع غزة الجائع المحاصر، وترسل طائراتها الحديثة والمتقدمة نفسها، يتصدى لها رجال المقاومة ويردّون على العدوان بما هو أكثر منه، ويطلقون العنان لصواريخهم لتدكّ قلب تل أبيب والقدس، ويرسلون أربعة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ كالفئران المذعورة، فلماذا لا تردّ سورية بالمثل وهي التي تملك ترسانة تطفح بالصواريخ من كل الأنواع والأحجام؟ إسرائيل اعتدت على سورية وسيادتها وكرامتها، وهذا الاعتداء يجب ألا يمرّ مرور الكرام حتى لو ردت إسرائيل بإشعال فتيل حرب إقليمية في المنطقة بأسرها، فماذا ستفعل إسرائيل أكثر مما فعلته أمريكا في أفغانستان والعراق، ألم تحتل البلدين.. ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ بقية القصة معروفة ولا نريد تكرارها. هل يخشى النظام في سورية من احتلال إسرائيل لسورية، أهلا وسهلا، فقد احتلت قبل ذلك قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته على 150 ميلا مربعا، فماذا حدث، ألم تنسحب منه مهزومة ذليلة ومن جانب واحد تماما مثلما حدث لها في جنوب لبنان بفعل المقاومة البطولية عام 2000؟ إسرائيل تعيش حالة رعب وارتباك، لأن قيادتها السياسية قبل العسكرية، تدرك أنها ستكون الخاسر الأكبر في المدى المتوسط، وتخشى من الحروب أكثر من العرب، لأنها لا تستطيع تحمل سقوط الصواريخ التقليدية على مدنها، ناهيك عن الصواريخ المحمّلة برؤوس غير تقليدية. ألم يهرع بنيامين نتنياهو إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرتين لإنقاذه من مأزقه، في المرة الأولى عندما طالبه بالتدخل لوقف اقتحام الطابق العلوي من السفارة الإسرائيلية في القاهرة، بعد أن حاصر المتظاهرون مجموعة من موظفيها، وكانوا بصدد حرقهم، وفي الثانية عندما توسل إليه للتوسط لدى الرئيس المصري محمد مرسي لوقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة كردّ على العدوان الإسرائيلي عليه؟ الرئيس الأمريكي باراك أوباما وصف نتنياهو بكونه جبانا رعديدا في تصريحات لمراسل صحافي أمريكي يهودي بقصد إيصالها إليه، ولكن المشكلة أننا نحن العرب أكثر جبنا منه للأسف، وأصبحنا متخصصين في ابتلاع الإهانات. لا نريد حربا إسرائيلية تستهدف سورية وهي تمر في هذا الظرف الحرج من تاريخها.. ولكن من حقنا أن نسأل عما سيكون رد فعل الإسرائيليين على أي انتقام سوري أو لبناني؟ هل سيدمرون سورية؟ لقد دمرت بالفعل.. هل سيقتلون الآلاف من الشعب السوري؟... هناك ستون ألف شهيد سقطوا حتى الآن من جراء الحرب الأهلية الدموية، هل سيضعفون الجيش السوري والمؤسسة العسكرية؟.. لقد أنهكت على مدى عامين من الحرب. نختم بالقول والتذكير بأن شعبية الرئيس الأسد ارتفعت بمجرد أن اعتدت عليه إسرائيل، ومن المؤكد أنها سترتفع أضعافا إذا كان هو الذي رد على هذا العدوان.