التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الروسي «مدفيديف» أثارت بعض الحيرة وعلامات الاستفهام حول الموقف الروسي الحقيقي مما يجري في سورية. وعلى الرغم من ذلك، يبدو واضحا أن تصريحات مدفيديف لم يكن الغرض منها الإيحاء بأن تغيرا جوهريا سيحدث في سورية، بل كان الغرض منها ألا يبدو موقف روسيا غير متناغم مع الموقف الدولي في وضع لم يعد مقبولا، لا عربيا ولا دوليا، ذلك ما يجعلنا نتوقف عند بعض الآراء المهمة في هذا الصدد ومنها المقالة الجيدة التي كتبها بريموز مانفرد حول طبيعة العلاقة التي تربط روسيا بسوريا. يقول بريموز: إن عاملين يحكمان العلاقة بين سورية وروسيا، الأول هو أن سورية تعتبر سوقا كبيرا للأسلحة الروسية؛ والثاني هو أن رجال الأعمال الروس طوروا علاقات تجارية كبيرة مع سورية. وعلى الرغم من اقتناع الروس بأن بشار الأسد لم يحسن التعامل مع الأزمة في بلاده، فإنهم لا يتخذون من ذلك ذريعة لتغيير علاقاتهم بنظام الأسد. ويقول بريموز إن ما يقوي العلاقات بين روسيا وسورية هو أن سورية ظلت على علاقة سيئة بالعالم الغربي منذ عام ألف وتسعمائة وستة وأربعين، وقد عمق سوء العلاقات بين الطرفين التأييد غير المحدود الذي تقدمه الدول الغربية لدولة إسرائيل، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل سورية تتجه منذ مرحلة مبكرة في استقلالها إلى الاتحاد السوفاتي، وظلت هذه العلاقة مستمرة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ويرى بريموز، في ضوء ذلك، أن روسيا تحرص في علاقتها بسوريا على ثلاثة أشياء: - أولا: الحفاظ على تجارة الأسلحة، وقد صدرت روسيا خلال عام ألفين وأحد عشر أسلحة إلى سورية تقدر بمليار دولار أمريكي مع وجود تعاقدات تنتظر التنفيذ قيمتها أربعة مليارات دولار؛ - ثانيا: الحفاظ على المصالح التجارية، إذ بلغت الصادرات الروسية إلى سورية نحو ملياري دولار، وهي تتركز حول المنتجات البترولية والحبوب والمعدات الكهربائية؛ - ثالثا: الحفاظ على قاعدتها العسكرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط في «طرطوس» التي تحولت في عام ألفين وثمانية إلى قاعدة روسية دائمة في هذه المنطقة. وفي ضوء هذا الواقع يتساءل الروس هل بإمكانهم المحافظة على كل تلك المصالح عندما يسقط نظام بشار الأسد ليتسلم السلطةَ نظامٌ يكون مواليا للعالم الغربي؟ وهنا يتساءل الروس هل يمكنهم أن يقفوا صامتين إذا ما تعرضت سورية إلى تدخل خارجي يشبه ما حدث في ليبيا؟ يلمح بريموز إلى أن ذلك قد لا يكون هو الموقف الروسي الحقيقي، ذلك أن مثل هذا التدخل إذا حدث سيكون بغير قرار من مجلس الأمن بكون روسيا لن تؤيد في جميع الأحوال مثل هذا القرار. ويرى بريموز أن روسيا قد تكون مستعدة في آخر الأمر للاتفاق مع العالم الغربي على سيناريو يكون قريبا من السيناريو اليمني، حيث يبتعد بشار الأسد عن السلطة مع تكوين قيادة جديدة يكون له فيها ممثلون وتعمل القيادة على بدء عملية التحول الديمقراطي في البلاد.. وإلى أن توافق روسيا على مثل هذا السيناريو، فإن بشار الأسد سيكون صامدا في تقتيل شعبه دون أن يطرف له رمش. ومن وجهة نظر أمريكية، يكتب جون دوبنس، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، قائلا إن الوضع في سورية في الوقت الحاضر يشبه الوضع الذي كان سائدا في ليبيا، حيث الجوهر هو انتفاضة الشعب من أجل إسقاط نظام دكتاتوري، وذلك وضع يتطلب من وجهة نظره تدخلا خارجيا من أجل أن تتحقق الأهداف التي يسعى إليها الشعب السوري. ويرى دوبنس أن مصالح الولاياتالمتحدة ستتحقق بسقوط النظام في سورية بأكثر مما كان عليه الوضع في ليبيا. ولكن المسألة قد لا تكون سهلة لأن سقوط النظام قد يتبعه صراع طائفي أكثر عنفا، وقد تجد الطائفة الشيعية دعما من إيران، إلى جانب الدعم الدبلوماسي من كل من روسيا والصين؛ وما يعقد الموقف أكثر مجاورة سورية لإسرائيل، وهي مجاورة تعيق أي محاولة تدخل من الجانب الأمريكي. وحتى لو حدث ذلك، فإن الأسد سيصور الموقف على أنه حرب إسرائيلية أمريكية ضد بلاده. وعلى الرغم مما ذهب إليه هؤلاء، فإن المعارضة السورية تطلب المساعدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويرى دوبنس أن المسؤولية كلها تقع على تركيا بوصفها عضوا في حلف «الناتو»، ويمكن أن تقوم بدورها في التدخل إذا وجدت دعما بقرار من مجلس الأمن، أما الولاياتالمتحدة فسيكون دورها من الخلف، إذ تقدم الدعم للتدخل دون أن تظهر هي على المسرح، وسيكون ذلك أفضل خيار من وجهة نظره. أما دانيل غالنغتون فيحدد نقاطا مختلفة يعتقد أنها قد تكون مناسبة في الوضع السوري: - أولا: تسليح جميع فصائل المعارضة ودعمها بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة؛ - ثانيا: تحفيز بعض الدول على المشاركة العسكرية الإيجابية، على أن يكون دور الولاياتالمتحدة من الخلف؛ - ثالثا: تقديم دعم إعلامي يساعد على كشف النظام وتقريب نهايته؛ - رابعا: تحفيز بعض الدول من أجل تقديم الدعم المادي للمعارضة الذي يساعد في تحقيق الديمقراطية وعمليات إعادة البناء بعد سقوط نظام الأسد. وأما بالنسبة إلى جامي فلاي، فإن دواعي التدخل في سورية أكبر مما كانت عليه في ليبيا، وذلك بسبب ارتفاع عدد الضحايا إلى أرقام مهولة، ولكن جامي فلاي يربط أهدافه بما يمكن أن يكون سلاحا دفاعيا في يد الأسد، وذلك حين يقول إن الأسد يملك أسلحة كيميائية حاولت إسرائيل تدميرها في عام ألفين وثمانية، ويسعى الأسد إلى امتلاك سلاح نووي، وهو يساعد الأسد أيضا عندما يقول إن الولاياتالمتحدة ليست شرطي العالم وإنها عملت على قتل الكثيرين مع بقية دول العالم الغربي، وهدفها في كل الأحوال هو السيطرة على ما يمتلكه الآخرون. والتساؤل الذي ينشأ من كل ذلك هو: لماذا يقف العالم الخارجي عاجزا أمام النظام السوري الذي يدمر شعبه؟ والإجابة هي أن العجز سببه المصالح، من جهة، والخوف من أن تتحول المواجهة إلى ما يهدد المصالح الاستراتيجية لبعض الدول في المنطقة، من جهة أخرى؛ ولكن إلى متى سيستمر بشار في ارتكاب هذه الجرائم ضد شعبه؟ سؤال ينتظر تطور الأحداث في سورية.