في السابع والعشرين من شهر يونيو 2012، يومين فقط قبل موعد مؤتمره الوطني، الذي كان حزب الاستقلال يستعد لعقده، سيتلقى الدكتور عبد الواحد الفهري مكالمة هاتفية من محمد الوفا، وزير التربية الوطنية في حكومة عبد الإله بنكيران، الذي قال لمخاطبه إنه يحمل له رسالة.. وفي الساعة الحادية عشر ليلا، سينزل الوفا ضيفا على نجل الزعيم الاستقلالي علال الفاسي. وفي رحاب بيته الكبير في حي «الرياض» في العاصمة الرباط، ستكون رسالة الوفا «صادمة».. كيف ذلك? المساء ترصد خبايا اختيار حميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال. قال الوفا للدكتور عبد الواحد الفاسي، حسب مصدر تتبع مجريات الأحداث التي سبقت مؤتمر الاستقلال، إن السلطات العليا ترى أنه ليس من مصلحتك أن تترشح إلى منصب الأمانة العامة لحزب الاستقلال ليس لأنك غير كفء ولا مؤهل سياسيا لهذه المهمة، ولكن لأن هؤلاء الكبار يرون أن اسم «الفاسي»، الذي شغل هذه المهمة لسنوات -والأمر يعني عباس الفاسي- لا يجب أن يتكرر من جديد، كي لا يقال إن حزب الاستقلال هو «حزب آل الفاسي»، في الوقت الذي يعتبر الاخير حزبَ كل المغاربة.. كانت رسالة الوفا صدمة قوية تلقاها عبد الواحد الفاسي، خصوصا أنه سبق للرجل أن قاد حملته الانتخابية وأقنع رجال الحزب بجدوى ترشيحه. غير أن المفاجأة ستذوب حينما سيقول الوفا لمخاطبه إن رسالته تعني حميد شباط أيضا، الذي يجب ألا يقدم نفسه مرشحا لحزب الاستقلال، كما نصحه الذين نصحوا الفاسي. تحدث محمد الوفا بالكثير من الثقة في النفس لأنّ رسائله التي كان يحملها تم إبلاغها من طرف أحد مستشاري الملك حسب قوله، والوفا هو وزير في الحكومة. وجد الفاسي وشباط، وهما المتنافسان حول منصب الأمانة العامة لحزب الاستقلال نفسَيهما في وضع لا يُحسَدان عليه، وقررا أن يأخذا ما يكفي من الوقت لإعداد قواعد الحزب لهذا المستجدّ، الذي يعني أنهما لن يكونا مُرشَّحين لمنصب الأمانة العامة. غير أن قبولهما لا يجب أن يعني أن «الحل الثالث»، كما ستقول بعد ذلك لجنة المساعي الحميدة، هو محمد الوفا، الذي أراد أن يلعب ورقة الاستشارة مع الملك باعتباره وزيرا في الحكومة، ولذلك يفترض أخلاقيا أن يخبره بقرار دخوله المنافسة حول منصب الأمانة العامة.، قبل أن يكتشف وزير التربية الوطنية في حكومة بنكيران أن قانون الحزب يحرمه من الترشح، على اعتبار أنه لم يكن من قبلُ عضوا في اللجنة التنفيذية للحزب.. الفاسي وشباط خارج المنافسة تقول مصادر تابعت كل كواليس مؤتمر حزب الاستقلال إن عبد الواحد الفاسي وحميد شباط دخلا قاعة المؤتمر الوطنيّ وهما على اتفاق أنهما خارج التنافس.. لكن المفاجئة هي أن شباط سينقلب ليلا على قراره ويقول إنه لن ينسحب.. بل إن حماس شباط سيزيد في حماسه حينما قال لأتباعه ألا ينادوه «مرشح» الأمانة العامة لحزب الاستقلال، ولكن باسم «الأمين العام للحزب»، خصوصا أن شباط لم يعد يُخفي في كل خرجاته الإعلامية حكاية أنه سيفجّر في قاعة المؤتمر قنبلة مدويّة.. انتظر الجميع ما الذي يخفيه شباط في هذه «القنبلة»، خصوصا أن منافسه عبد الواحد سيعود، هو الآخر، ليؤكد أنه لن ينسحب وأنه يملك دعما لا مشروطا من كبار الحزب وعائلاته العريقة، من أمثال أل حجيرة وبوعمر تيغوان والأنصاري وغلاب وقيوح وياسمينة بادو. في ليلة انتخاب الأمين العام البديل لعباس الفاسي، ستنكشف «قنبلة» شباط حينما رنّ هاتف عبد الواحد الفاسي الفهري أكثر من مرة ليخبره كبار حزب الاستقلال أنهم مُجبَرون على تغيير أصواتهم وأنهم سيختارون حميد شباط أمينا عامّا للحزب، رغم أنهم ليسوا مقتنعين به. لقد تدارك الكبار موقفهم ووجدوا أن شباط أنسبُ للمرحة من الفاسي ومن غيره.. يتذكر مصدرنا كيف أن اختيار امحمد بوستة أمينا عاما لحزب الاستقلال، بعد وفاة علال الفاسي، كان من قِبل الحسن الثاني، رغم أن الاتجاه العامّ كان مع محمد الديوري.. وحينما توفي عبد الرحيم بوعبيد، في 1992، قال الحسن الثاني للاتحاديين: «اتركوا لي أن أختار لكم الكاتب الأول للحزب، حيث كانت رغبته هي أن يتولى هذه المهمة وقتها عبد الواحد الراضي. لكن الاتحاد الإشتراكي فهم رسالة الملك الراحل، وقرر أن يختار كاتبه الأول من داخل مقبرة الشهداء في العاصمة الرباط، حيث كُلِّف عبد الرحمان اليوسفي، وقتها، بتلاوة رسالة التأبين. اليوم، انتخب حميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال. وفي الوقت الذي يقول إن «الأيادي الربانية هي التي قادتني إلى هذا المنصب»، يدري ما يقصده بتلك الأيادي الربانية، التي يعتبرها خصمُه عبد الواحد الفاسي أياديَّ بشرية من عيار ثقيل جدا.. أصل الحكاية لم تنجح قيادة حزب علال الفاسي في نزع فتيل الأزمة التي ضربت في العمق حول السباق من أجل منصب الأمانة العامة، الذي غادره عباس الفاسي. وكل ما انتهى إليه اجتماع القيادة هو تأجيل موعد انعقاد أشغال المجلس الوطنيّ، بعد أن تم الحسم في لائحة أعضاء هذا «البرلمان»، الذي كان عليه أن يختار بين عبد الواحد الفاسي وحميد شباط. غير أن دخول امحمد الخليفة، الاستقلالي الذي وقف في المؤتمر قبل الأخير في وجه عباس الفاسي، على الخط حينما عقد ندوة صحافية دعا فيها إلى انسحاب المرشحين معا إلى منصب الأمانة العامة وتأجيل موعد عقد المجلس الوطني إلى ال11 من يناير، لما ترمز إليه هذه الذكرى (تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال) لم يزد طين حزب الاستقلال وقتها إلا بلّة.. ففي الوقت الذي اعتقد أنه سيساهم في نزع الفتيل، زاد في إشعاله حينما استغلّ الفرصة ليرد دَينا قديما وهو ينتقد الفترة التي قضاها عباس الفاسي أمينا عاما للحزب، ثم وزيرا أول.. وفهم الكثيرون أن الرجل عقد ندوة صحافية ليقدّم حلا ثالثا، ليس غير الاستعداد للدخول إلى حلبة الصراع من أجل منصب طالما تمناه. غير أنه لم يقو على الإعلان عن ذلك صراحة، وهي الندوة التي ستفتح عليه النار، وتدفع عباس الفاسي إلى أن يُعدّد أخطاء الخليفة إلى درجة سيتهمه بالسعي وراء المناصب ليس إلا.. لم تُثنِ خرجة الخليفة، وبعده عباس، المتنافسين حول مقعد الأمانة العامة لحزب «الميزان» عن مواصلة سعيهما نحو الهدف، لذلك ستأتي التعليقات مباشرة بعد الندوة كي تؤكد أن ما قاله وزير الوظيفة العمومية الأسبق هو «مجرّدُ كلام ندوات».. أما الحسم فلن تحمله غير صناديق الاقتراع. هدأت عاصفة امحمد الخليفة، وانتهت ندوته الصحافية إلى الباب المسدود، ولم يكسب منها المتنافسان على منصب الأمانة العامة للحزب غير المزيد من الإصرار، وإن اعتبر البعض أن عبد الواحد الفاسي كان أكبرَ المستفيدين من خرجة الخليفة بالنظر إلى ما عدّده الرجل في حق والده «سيدي علال»، كما يسميه الاستقلاليون، من مناقب. في حين كان الخليفة يوجه في ندوته، بين الفينة والأخرى، بعض الضربات «تحت الحزام» لحميد شباط. الشبيبة الاستقلالية تفقد استقلاليتها هدأت عاصفة الخليفة لتنطلق عاصفة الكيحل، الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية، الذي سيضمن في بلاغ لاجتماع اللجنة المركزية لهذه المنظمة مساندة مطلقة لحميد شباط من أجل مقعد الأمانة العامة للحزب. لم يكن القرار ليمرّ عاديا، فخصوم شباط، الموالون للفاسي، سيجدون في ذلك الفرصة الذهبية للاحتجاج وسيعلون مقاضاة الكاتب العامّ للشبيبة، لأنه خرق القانون الداخليّ للمنظمة، دون أن ينسوا، في بيان لهم، الحديث عن اختلالات مالية كبيرة عرفتها المنظمة على عهد كاتبها العام. لقد عرف اجتماع اللجنة المركزية للشبيبة الاستقلالية وقتها جملة من الانسحابات شملت ممثلين لجهات الدارالبيضاء الكبرى، عبدة دكالة، الشاوية ورديغة، مراكش تانسيفت، تادلة أزيلال، ووادي الذهب لكويرة، التي كان الكثيرون يعتبرونها جهة موالية لشباط ضد الفاسي، وأقاليم طنجة، تطوان، العرائش، بولمان، الناظور، تاونات،وإفران، جرادة، سلاوالرباط.. وهي انسحابات كانت تعني أنها أصوات ستتجه نحو عبد الواحد الفاسي، غير أن تطورات آخر ساعة ستقلب كل هذه «الحسبة» لصالح شباط، ويعود الغاضبون إلى مواقعهم. وعلق المتتبعون أنّ الكاتب العامّ للشبيبة الاستقلالية خسر المعركة في ظل الحرب المشتعلة من أجل مقعد الأمانة العامة للحزب. ففي الوقت الذي راهن على كسب خيار مساندة شباط ضد الفاسي، خسر «الاستقلالية»، التي وجدها الطرف الثاني في المعادلة طريقا لفضح كل المستور، الذي لا يعني سوى أن شباط عرف كيف يكسب ود الشبيبة، كما كسب ود النقابة التي يترأسها، وهو ما يعني، أيضا، أن عبد الواحد الفاسي هو الذي ربح كل الرهان لأنّ مُناصريه يطالبون بالاستقلالية والديمقراطية، اللتين يجب أن يُحتكَم إليهما حفدة علال الفاسي لانتخاب أمينهم العامّ المقبل. وزاد تذمر الغاضبين من الكيحل من «الانحرافات» التي عرفتها دورة اللجنة المركزية للشبيبة الاستقلالية، حيث اتهموه، في بيان لهم، ب»تزوير الدورة والقيام بإنزال كبير عبر الإتيان بأشخاص لا علاقة لهم بالشبيبة، من أجل تدبيج البيان الختاميّ بعبارة دعم شباط في سباق الأمانة العامة». وزاد البيان في التوضيح أنه «تم تهريب الاجتماع خارج المركز العامّ للحزب، ولم يتمّ تبليغ الدعوة عن طريق البريد، كما كان معمولا به سابقا، وأن الدعوة المُوجَّهة عبر جريدة «العلم» يومين قبل انعقاد الدورة، أي بدون احترام الآجال القانونية، لم تتضمن جدول الأعمال، وكان فيها فقط إيحاء على نية مبطّنة لاستصدار قرار تأييد أحد مرشحي الأمانة العامة من اللجنة المركزية». تتويج بتداعيات لم يُخْفِ المتتبعون لما كان قد وصل إليه حزب الاستقلال من احتقان، في إطار السباق نحو الأمانة العامة للحزب، أن النتائج ستكون وخيمة عليه، بعد الثالث والعشرين من شتنبر. وفي الوقت الذي استطاع شباط، وقتها، أن يكسب ود الجناح النقابي وفصيل من الشبيبة الاستقلالية، كان عبد الواحد الفاسي لا يزال يضمّ إليه مثقفي الحزب ومناضليه القدماء، الذين يعتبرون حزب الاستقلال «الدارَ الكبيرة» التي تحتاج لولي أمر له ما يكفي من النضج والرزانة والهدوء والتوصيف لمصدر استقلالي. فالأمين العام للحزب هو مشروع رئيس حكومة إذا فاز الحزب في الاستحقاقات المقبلة بالصف الأول، لذلك ظل كثيرون يعتقدون أن عبد الواحد الفاسي سيكون الأنسبَ لهذا المنصب وليس حميد شباط.. غير أن صناديق الاقتراع في ال23 من شتنبر كان لها رأي آخر وحملت شباط إلى منصب الأمانة العامة. إلا أن هذا « التتويج» لم يمر هادئا.. ولا تزال تداعيات الأيادي «الربانية» والأيادي «البشرية» تتفاعل، بميلاد معارضة داخلية تحمل اسم «حركة ببببلا هوادة للدفاع عن ثوابت حزب الاستقلال»، التي لا يريد أصحابها أن تكون تيارا انفصاليا، وإنما حركة ستشتغل من داخل البيت الاستقلاليّ، رغم أن حميد شباط، الذي ظل يردد إنه جاء لمحاربة عائلة «آل فاس»، سرعان ما صنع حوله أكثر من «عائلة»، منهم آل قيوح وآل الرشيد، وفق كلام أحد مؤسّسي تيار «بببببلا هوادة».