لست أدري لماذا تتلكأ جمهورية الصين الشعبية في تغيير اسمها إلى جماهيرية الصين الشعبية، استحضارا لذكرى حليفها الإفريقي معمر القذافي الذي قضى دون تحقيق أمنيته في أن يغزو كتابه الأخضر العالم، وملاءمة للفتوحات التي ما فتئ «الماعون» الصيني يحققها وسط الجماهير في كل بقاع العالم، فلا يوجد بيت في العالم يخلو من قصديرة أو «شرويطة» كتب عليها «صنع في الصين». عندنا، مثلا، في المغرب، لا شيء يصعب على الصينيين تقليده، من «الرابوز» و«البلغة» إلى الغربال والبردعة؛ حتى الأغاني الشعبية لم تسلم من تقليد الصين الشعبية، فلا حديث هذه الأيام وسط عشاق «الراي» إلا عن «الشاب الشينوي» الذي يؤدي بإتقان أغنية الشاب حسني «البيضة مون أمور»؛ وقد حقق «الفيديو كليب» المنشور في يوتوب وغيره من المواقع نسبة عالية من المشاهدة، وتعاليق الإعجاب والتشكيك، منها تعليق يقول: «هذا والله حتى مغربي.. غير عينيه مبجقلين بالجوانات». «الشاب الشينوي» لا يعبأ، طبعا، لمثل هذه التشكيكات، ولا يهمه، وهو يردد بخشوع: «البيضا مون أمور.. نبغيها بلا سحور»، أن يكون موضوع هذه الأغنية هو الحب، المهم هو «الحبة». لقد انتقل التقليد الصيني للمنتوجات المغربية، بعد فيديو كليب الشاب الشينوي، مما هو مادي إلى ما هو رمزي، لذلك فمن غير المستبعد أن نقرأ قريبا بين محلات «الشينوا» في درب عمر، لوحة كتب عليها: فرقة الدقة المراكشية والطائفة العيساوية برئاسة المقدم «يونغ شوطو كاي». وعلى ذكر اكتساح التقليد الصيني للمجالات الثقافية الرمزية للمغاربة، فقد راج مؤخرا أن أحد أشهر المستثمرين الصينيين في الأواني واللعب البلاستيكية في درب عمر بالدارالبيضاء ينوي شراء معهد الصحافة المجاور لمحلاته. إذا صح هذا الخبر، لا قدر الله، فسيكون من حق الصحافة المغربية أن تخشى على مستقبلها من جيل من الصحافيين سيكون أحسنهم «داير عين ميكة» على ما يحدث من حوله من أحداث وتطورات. الخطر الأصفر الذي تعممه الصين الشعبية على الشعوب، في نظري، أكثر فتكا من الخطر الأمريكي، المتمثل في عولمة ثقافة «الفاست فود» والاستعمار الجديد، لأن الشعوب، مهما بلغ خنوعها وخضوعها، لا تقبل أن يجثم على رقبتها حذاء الأجنبي ولا أن تهيمن عليها عاداته الغريبة؛ أما خطورة الصين فتكمن في أنها لا تُصِّدر ثقافتها إلى الشعوب الأخرى، بل تقليها في زيتها. هل هناك «شينوي» فتح، في درب عمر أو غيره من دروب المملكة، ناديا للكاراطي أو الجيدو أو معهدا للموسيقى الصينية أو غيرها من المسائل الرمزية، وحتى المادية، التي يمكن أن تُثاقف المغاربة مع أبناء كونفوشيوس؟ «الشينوا» لا يساهمون إلا في إقفال محلات الصناع المغاربة، وفتح رؤوسهم بسيوف الساموراي التي يصدّرون شحنات كبيرة منها إلى المغرب، والتي لا يمكن أن يشتريها إلا قطاع الطرق. عندما قرأت، قبل أيام، خبر إيقاف مجموعة من الحاويات المحملة بالسيوف الصينية في ميناء الدارالبيضاء، ثم قرأت بعده التحقيق الصحافي الذي أعدته «المساء» في عدد نهاية الأسبوع، تحت عنوان: «سلع الصين.. السرطان المستورد من الشرق»، فهمت، ولأول مرة، ما تعنيه مقولة نابوليون: «حين تستيقظ الصين سوف يهتز العالم»، فبقدر ما كشف هذا التحقيق، بالتحليل المخبري، أن السلع الصينية المقلدة تتسبب في عدد من أنواع السرطانات، أظهر أن «الشينوا» تفوقوا على المغاربة في أساليب الاحتيال والرشوة لإدخال سلعهم الفاسدة، بكل الطرق، حتى عندما تؤكد المختبرات المغربية أنها تحمل مواد مسببة للسرطان. عندما قرأت التحقيق، وتأملت هيأتي المكسوة بملابس صينية، رددت مع حسن الفد: «آش داك تمشي للصين.. أمسخوط الوالدين»، ثم تساءلت: ما هو المجال الذي لم يقو «الشينوا» على اختراقه وتقليد منتوجاته؟ ربما يبقى المجال السياسي هو الوحيد الذي سلم، حتى هذه الساعة، من التقليد؛ ولعل السبب في ذلك راجع إلى أن معظم سياسيينا هم أصلا «شينوا»، ولننظر إلى القياديين الذين أفرزتهم مؤتمرات الأحزاب مؤخرا، أغلبهم صُفر الوجوه، ومن «ميكة» قابلة للانكسار إثر هبة ريح أو للذوبان في جلسة دافئة. لعل المحاولة الوحيدة التي نجح فيها «الشينوا» في اختراق المجال السياسي وتقليده، والعهدة على حركة 20 فبراير، هي عندما حاولوا تقليد حركتهم، وأطلقوا حركة 13 يناير التي انكسرت قبل حتى أن يخرج الأمن «زراويطه».