عندما خرجت حكومة عبد الإله بنكيران، قبل عام، إلى حيز الوجود بعد مخاضات ولادة عسيرة، استاءت الجمعيات النسائية والمنظمات العاملة في مجال المرأة من التمثيلية الضعيفة للمرأة في هذه الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية. ووجد آخرون الذريعة كي يعتبروا ذلك مؤشرا على نوايا حكومة يقودها الإسلاميون، ودليلا على احتمال تراجع مسلسل الحريات والانفتاح ومنطوق الدستور الذي جاء ليرسي مبدأ المناصفة. اليوم، مع اكتمال «حوْل» ودخول حكومة بنكيران في «حول» جديد، ما تزال نقطة تعزيز حضور المرأة في التشكيلة الحكومية «نقطة برنامجية» في مطالب المناضلات النسائيات ودعاة التعديل. ولو اعتمدنا لغة الأرقام، لقلنا إن امرأة واحدة في شخص وزيرة الأسرة والتضامن الاجتماعي في حكومة بنكيران لا تكفي، وحضور ضئيل يبعث على الإحباط، ويسير ضد المسار الذي اختطه المغرب عموما، رسميا ودستوريا وشعبيا، حينما قرر التوجه إلى المستقبل ومنح وضعا اعتباريا أكبر للمرأة المغربية في المجال العام والإدارة ومواقع القرار، السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهو المسار الذي قوبل في المنتظم الدولي بكثير من الاحتفاء والاحتفال، إذ اعتبر المغرب دوما نقطة مضيئة في المنطقة العربية، وعنوانا كبيرا من عناوين التحديث والسير في اتجاه إرساء الديمقراطية الاجتماعية. مياه كثيرة جرت تحت الجسر بعد ذلك، وبدأت الاعترافات تتناسل هنا وهناك، وصحوة الضمير تعود إلى الزعماء السياسيين الذين قادوا المفاوضات حول التركيبة الوزارية. ومن بين هذه الاعترافات ما قاله نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، من أنه جرى التفاوض بعقلية شديدة القسوة، عقلية ذكورية بين المكونات الأربعة للأغلبية، وطفا نوع من الشوفينية، وانكشفت بعض من كواليس التفاوض، أهمها أن الأحزاب الثلاثة، عدا حزب العدالة والتنمية، لم تقدم ضمن لوائحها للاستوزار أي اسم نسائي، ضاربة في العمق مسارات النضال النسائي وخاذلة، بشكل أو بآخر، ما تقوله في برامجها وما تروجه في حملاتها الانتخابية عن المساواة والكفاءات النسائية. هل هي حادثة سير عابرة سيجري تداركها في المستقبل وفي التعديلات الحكومية المتوقعة في العمر الافتراضي لحكومة بنكيران؟ وهل سيجري التعامل مع هذا الوضع الذي يكنس المرأة من حسابات السياسيين، في حكومة «ذكورية» تريد أن توحي بطابع تقليداني عن نفسها، بمنطق يقول بالملموس إن «الشغل الحقيقي والصعب هو للرجال، وإن الضرورة تقتضي أن يتولى الرجال أمورهم بيد من حديد»؟ هذه العقلية التي روضها المغاربة زمنا طويلا، وتعاملوا معها بما يكفي من التصالح الاجتماعي ومن الوعي الثقافي العالي الذي يمجد الكفاءات وليس النوع، ويمنح المكانة للقدرات التي تبدع وليس للون ولا للجنس ولا للقبيلة أو العائلة. الأمل، طبعا، ألا يشكل استمرار هذا الوضع الحكومي انتكاسة في مسار ونضالات وعمل الحركة النسائية المغربية التي قطعت منذ مدة مع هذه المطالب، وأصبحت «عينها» على المستقبل، فلم تعد المطالب منحصرة في التمثيلية ولا في الكوطا، بل إن المقتضيات الدستورية ووعي المطالب النسائية يسير في اتجاه المطالبة بالمناصفة وإقرار المساواة بشكل فعلي وليس كخطاب للاستهلاك الإعلامي. قد يقول المتهافتون: هي «ردة» حكومة بنكيران. ولكن، ما الذي منع الأحزاب الأخرى، من قبيل الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، من تقديم مرشحاتها المتمتعات بالكفاءة العالية في مجالاتهن ضمن لوائح الاستوزار، أم إن شراسة التنافس قضت على الحلم في تحقيق وضع متقدم أفضل مما كان عليه الأمر في حكومات عبد الرحمن اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي؟ بكل تأكيد، ما تزال الثقافة التقليدانية مهيمنة في المجتمع وفي الأحزاب وعند الطبقة السياسية. وفي ظل استمرار هذا الوضع، يخسر المغرب، من حيث لا يحتسب، نقاطا في سلم ترقية المجتمع والأسرة وبناء دولة العدالة والديمقراطية. هذه الأخيرة لا تتحقق بالخطابات ولا بالنوايا ولا بالانفتاح المزيف، بل بتفويت المرور إلى المستقبل بضغطة زر واحدة شجاعة، وأما «امرأة واحدة فلا تكفي».