سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشكراوي: عدم استقرار حدود موريتانيا والجزائر مع مالي سينعكس على أمن المغرب قال إن فتح الأجواء المغربية أمام الطيران الفرنسي مؤطر بالشرعية الدولية لمجلس الأمن
في هذا الحوار يحلل خالد الشكراوي، الأستاذ الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية في الرباط، موقف المغرب بفتح أجوائه أمام الطائرات العسكرية الفرنسية في إطار التدخل العسكري لفرنسا في الصراع الدائر بدولة مالي. ويوضح الشكراوي أن المغرب لم يكن بإمكانه أن يتخذ موقفا معارضا للإجماع الدولي، أو أن يتعارض مع الموقف الإيجابي الذي عبرت عنه الجزائر بفتح أجوائها أثناء الحملة الثانية من بداية القصف الجوي، وهي الدولة الأساس في معارضة أي تدخل أجنبي في أزمة مالي. - باعتبارك خبيرا في الشؤون الإفريقية، ما هي قراءتك لفتح المغرب أجواءه أمام الطائرات الفرنسية، في الوقت الذي تعالت فيه بعض الأصوات الرافضة لهذه الخطوة؟ الموقف المغربي في هذا النطاق يتماشى مع منطق تعامله مع وضع شمال مالي مند بداية الأزمة، كما يتماشى مع موقفه المعبر عنه من خلال اللقاءات المتكررة مع المسؤولين الماليين، وما عبر عنه من خلال تمثيليته في مجلس الأمن. كما أن هذا الموقف يتفق مع القرار الذي اتخذته المجموعة الاقتصادية الإفريقية والتي يشارك ضمنها المغرب كعضو ملاحظ. هذا القرار الذي وافق على تدخل القوات الإفريقية بمساعدة غربية أساسا فرنسية. وفوق كل هذا لا يمكن للمغرب أن يتخذ موقفا مغايرا ومعارضا للإجماع الدولي، بل لا يمكنه أن يتعارض مع الموقف الإيجابي الأخير الذي عبرت عنه الجزائر بفتح أجوائها أثناء الحملة الثانية من بداية القصف الجوي، وهي الدولة الأساس في معارضة أي تدخل أجنبي في أزمة مالي. كما أن تلبية هذا المطلب من لدن الرباط يوافق المطلب المالي الرسمي للمساعدة من الرباط والمطلب الرسمي لباماكو من أجل التدخل الفرنسي، وعليه فإن التدخل الفرنسي وفتح الأجواء المغربية مؤطران بالشرعية الدولية لمجلس الأمن والشرعية الوطنية المالية بحكم الطلب الرئاسي لباماكو. - هل تعتقد أن المغرب لم يكن بإمكانه الخروج عن مواقف عدد من الدول الداعمة للتدخل الفرنسي، أم أن هذا التعاون جاء في ظل المخاوف من التهديدات المتنامية في منطقة الساحل والصحراء؟ لا أعتقد ذلك. فالموقف المغربي، وبعيدا عن الرسميات وأيضا بعيدا عن كل تخوف علما أنه غير حاضر، يجد نفسه وراء سياق المقتضيات الجيوستراتيجية والقانون الدولي والركائز الأساسية لقيام الدول، وعلى رأسها الوحدة الوطنية لكل قطر. كما أن المجال المالي شريك تاريخي واجتماعي وثقافي للمغرب منذ ما قبل الدول الوطنية، أضف إلى ذلك تزامن الأحداث بشمال مالي مع عضوية المغرب في مجلس الأمن. وفوق كل هذا فمجال الصحراء والساحل مجال استراتيجي وحيوي بالنسبة للسياسة الإفريقية المغربية، على الأقل لارتباطه بالجارتين موريتانيا والجزائر، وما يؤثر على هاتين الدولتين يؤثر حتما على المغرب. وبالنسبة لهذه الفكرة الأخيرة فعدم استقرار المجال الحدودي الموريتاني المالي ونفس الوضع بالنسبة للحدود الجزائرية المالية قد ينعكس سلبا على أمن المغرب، خاصة عبر حدوده مع موريتانيا حيث بإمكان الجماعات الجهادية التغلغل في هذا النطاق واستغلال طرق التهريب المتعددة للتسلل إلى التراب المغربي إما لقصد التهديد المباشر أو للتأثير على المصالح الفرنسية. والدعوة حاليا ملحة لتكثيف المراقبة على حدود الصحراء، سواء من الجانب الجزائري أو الموريتاني، ولئن كان الخطر أقوى في هذا الجانب الأخير. - كيف تقرأ تعاطي الدبلوماسية المغربية مع ملف الصراع المالي؟ وهل في هذه المواقف مكاسب بالنسبة للملف المغربي الخاص بالصحراء، خاصة في ظل الأخبار التي تتحدث عن أن جبهة «البوليساريو» توفر الملجأ للمتمردين؟ لهذا السؤال شقان، الشق الأول حول الدبلوماسية المغربية تجاه المسألة المالية وعموما القضايا الإفريقية، ففي هذا الشأن ما زالت هذه الدبلوماسية لم تصل إلى المستوى المطلوب رغم بعض الإنجازات، حيث تنقصها الاحترافية والخبرة العلمية والإجرائية للمساعدة على اتخاذ القرار، كما أن هناك نقصا أو غيابا في التعامل مع الخبرات الاستراتيجية والعلمية في إطار تداخل وتعدد الاختصاصات، وعدم انفتاح حقيقي على الجامعة الوطنية العمومية، والعناصر ذات التجربة والقادرة عبر الكفاءة على تشكيل مراكز للتفكير والدراسات الرصينة للعمل في صمت وليس للبهرجة، بالإضافة طبعا إلى العمل الإداري الذي تنحصر فيه مع محدودية المجال ومحدودية اتخاذ القرار، على أساس أيضا تطوير كفاءات التواصل وتقنياته. أما في ما يخص مالي أظن أن الدبلوماسية المغربية، رغم ما يعتقد، فقد تعاملت بحذر شديد مع القضية وهذا مطلوب ومحمود، لأن المسألة تتحكم فيها عدة أجندات ولا بد من معرفة واحترام التوازنات الدولية والإقليمية في المنطقة، والتي تتميز بصفة المتحول أكثر من الثابت. - ماذا عن قضية الصحراء في ارتباطها بالصراع المالي؟ بالنسبة لمسألة الصحراء، من جهة لا يمكن للمغرب أن يتناقض مع دعمه للوحدة الوطنية لمالي، كما أن ما يمس شمال مالي يؤثر بالضرورة على مصالح المغرب الاستراتيجية، ولا أعتقد في أي ربح يرجى من المسألة بالنسبة للصحراء، بحكم منطق الأزمة الذي يتحكم في المجال، وبحكم أن مسألة الصحراء في المتخيل الإفريقي والدولي هي على غير ما تعتقد الدبلوماسية المغربية، أما قضية البوليساريو والجهاديين فيجب تنزيل المسألة إلى حدودها. أولا من المؤكد أن هناك تداخلا بين بعض عناصر الانفصاليين وهذه الجماعات على أساس التعامل مع تجارة التهريب بالمنطقة وهي متعددة، لكن لا أعتقد أن الأمر يتخذ شكلا رسميا بل هو يهدد سلطة الزعامات ورئاسات البوليساريو، كما أن هناك تداخلات أسرية بين الطرفين وهنا تدخل للجانب الموريتاني بالأساس، خاصة أن العديد من الموريتانيين انضموا في ظروف معينة للبوليساريو، وهو ما يؤكده الرئيس السابق لموريتانيا محمد خونه ولد هيداله في مذكراته الصادرة أخيرا: «من القصر إلى الأسر». وللعلم فقد كان هيداله هو من رسم العلاقات مع البوليساريو واعترف به. وفوق كل ذاك، نحن في مجال تلعب فيه المصالح المادية دورا كبيرا، فمن الطبيعي أن يجد الجهاديون بعض التعاون مع بعض العناصر الصحراوية في المخيمات، في إطار نوع من التهريب ونفس الشيء كائن بالنسبة للمساعدات الإنسانية الدولية في المنطقة وقضية المساعدات الدولية للاجئين في تندوف كما هو الشأن بالنسبة للاجئين الطوارق ومن انضم إليهم للمصلحة في موريتانيا. بينما المشكل أن الدولة المغربية لا تطرب بهذه المسألة إلا حيها، في حين أن العمل يجب أن يقوم على الصعيد الدولي، في الصحافة القوية دوليا وعبر لوبيات إعلامية وسياسية مؤكد من قيمتها ومصداقيتها في حال تبنيها للمسألة عبر الإقناع وضبط آليات التواصل واستغلال شبكات الاتصال، وغير ذلك مما هو متعارف عليه في هذا الشأن. - هل تعتقد أن الوضع في مالي أخذ بعدا دوليا ولم يبق مجرد صراع محلي أو إقليمي؟ منذ البداية اتخذ المشكل صفة الدولية على المستوى الإفريقي، بتدخل دول الجوار عبر عدة أجندات، فالجزائر ومحاولة تحكمها في المجال وموريتانيا بموقف تابع للجزائر، وبوركينا فاسو وساحل العاج لأجل الزعامة الجهوية، ولذلك كانت وكادوكو شريكا في الوساطة والمفاوضات، ونيجيريا الأخ الأكبر وصاحب القوة العسكرية وتجربة التدخل في سيراليون وليبيريا وفرض المنطق الجنوب إفريقي التابع للأمريكي، والنيجر المتخوفة من انتقام الإسلاميين، وتشاد ومطلب المقابل من أجل ترك قضاياها الداخلية بعيدا عن النقاش الدولي، وبالضرورة فرنسا الشريك الأساس في المنطقة والمتحكمة في مناجم اليورانيوم في النيجر، والولاياتالمتحدة بأجندتها المعروفة حول الساحل والصحراء وقواعدها السرية، وعموم أوربا ومطلبها ضمان استمرار تدفق غاز الجزائر. ولذلك لم يكن الدافع أمام التدخل الفرنسي إلا مسألة تغير التوقيت بعد عملية أنصار الدين نحو مدينتي كونا وسيفاري في اتجاه موبتي، في تدخل غير مفهوم أو ربما لتأكيد قوة ما أثناء المفاوضات أو للضغط على الأفارقة أو بإيعاز من بعض المصالح المحلية للإسلاميين، مما سيغير الخارطة ويغير المواقف بما فيها موقف الجزائر ولو أن هذا التغيير لحظي، عدا ذلك فالأمر كان فقط مسألة وقت وترتيب خطط وتأهيل القوى. - لكن هل جاء التدخل الفرنسي في الصراع الدائر فقط لاستتباب الأمن في المنطقة، أم له علاقة بحماية المصالح الفرنسية في موقع يعتبر تقليديا منطقة نفوذ فرنسية؟ شيء طبيعي أن تتدخل فرنسا للدفاع عن مصالحها التاريخية والاقتصادية وبمباركة الولاياتالمتحدة والمنتظم الدولي وبطلب من حكومة مالي ورجاء كل الأفارقة عدا الجزائر، وعليه لنتجاوز عقدة التاريخ والذاكرة فالكل بارك التدخل الفرنسي على الأقل، لأن الأفارقة ما وراء الصحراء غير قادرين على عمل شيء وأفارقة الشمال منشغلون بصراعات وعقد الذاكرة. - كيف ستكون تداعيات الموقف الفرنسي على شعبية الرئيس هولاند، خاصة فيما يتعلق بمصير عدد من المواطنين المحتجزين لدى الجماعات المسلحة؟ الثقافة السياسية الشعبية الفرنسية لاتينية وبالتالي فهي مزاجية، فكل شيء ممكن أن يتغير إذا ما تغيرت الأجندات، لحد الآن هناك اتفاق ودعم عام لقرار الرئيس الفرنسي على أساس إشراك الجميع وإعلامهم بالقرار، ومن ذلك التواصل مع مختلف الأحزاب ومناقشة المسألة في البرلمان ومجلس الشيوخ بدون تصويت. المشكل يبقى متعلقا بالرهائن والمس بالمصالح الفرنسية، حيث تبقى هذه المسألة على رأس الانشغالات بقصر الإليزيه. والخطر يبقى مطروحا إذا ما كان ثمن التدخل مرتبطا بمستوى الأرواح والرهائن، فآنذاك سيستغل اليمين وأيضا اليسار المتطرف المسألة لتغيير الوضع. أما على المستوى الشعبي فالفرنسيون قد يسترجعون نوعا من الأنفة عبر الذاكرة لنسيان ولو للحظة أزمة السياسة والاقتصاد والفكر وغياب الزعامة الكاريزمية التي ألفوها عند ديكول وميتران وربما شيراك. لكن بالنسبة لي استمرار هولاند أو سقوطه لن يغير بتاتا قرار الخارجية الفرنسية وخاصة من وراءها من قبيل الخلية الهلامية فرنسا / إفريقيا المجانبة للإليزيه – مقر الرئاسة- وللكيدورسي – مقر الخارجية-، لأن من يتحكم فيها ليس أهواء الرئيس بل مصالح فرنسا الدائمة أمام متغيرات الأشخاص.