الشبيبة الإسلامية: العدالة والتنمية رفع تقريرا إلى الملك يحذره من عودة الشيخ مطيع - بعد أن طالت القضية، التي يبذل النظام جهدا جهيدا لحلها، ويبذل الجهد نفسَه للتعتيم على براءة الشبيبة الإسلامية المغربية من دم بنجلون، وبدأت تنكشف الحقائق بالتدريج، أخذ ممثلو النظام يعتذرون لنا بأنّ الملك مضغوط عليه من قبل اليساريين.. وأنّ "الملك لا يستطيع حاليا مخالفة اليسار لأنه محتاج إليه".. ثم لما ملّ الناس هذه الأسطوانة المشروخة، انتحل النظام مبررا آخر لعرقلة عودة الشيخ مطيع، فحواه أن حزب العدالة والتنمية بَلغته نية الملك حل هذه المشكلة فرفع إليه تقريرا مفصلا يحذره من عودة الشيخ مطيع وخطورة ذلك على النظام، ما جعل الملك يتراجع عن قراره استجابة لنصائح حزب العدالة والتنمية.. - حرصت الأجهزة الأمنية طيلة أكثر من ثلث قرن على أن تفبرك كل حين خبرا كاذبا يربطنا بالمدعو النعماني، لأنه في رأيها كلما ارتبط اسمه بنا إلا وازداد اختفاء دورها في الجريمة. بل إن الأجهزة المغربية استمرت تزوده بالتوجيه والمال منذ استقر في فرنسا، ويزوره مبعوثها المدعو بلحسن الدادسي، أحد المقربين من عبد الكريم الخطيب، ورشيد بنعيسى أحد الجزائريين المتحالفين مع النظام المغربي ضد الجزائر، واستمر بنبلة بتنسيق مع النظام المغربي يقدم المساعدات اللوجيستيكية والمادية للنعماني وبلعيرج والمعتصم، وأصحابهم، فسهل لهم اختراق النظام الإيراني بما له من نفوذ وصداقات معه، وذلك عبر بوابة لبنان أولا، ثم مباشرة عبر طهران ، وفسح لهم مجال مساعدته على إصدار مجلته في باريس، فسخروها أيضا للكذب على الشيخ مطيع والتشهير به ظلما وبهتانا وظلما. وسخرهم لتهريب الأسلحة إلى داخل الجزائر لمصلحة أعوانه.... - في الوقت الذي كان المرواني والمعتصم ويوسف لبيض في تنظيمهم، الذي ترعاه إيران من جهة، والاستخبارات المغربية من جهة أخرى (الاختيار الإسلامي) لا همّ لهم إلا توزيع المناشير في أوربا باسم تنظيمهم، تشهيرا بالشيخ مطيع لاتهامهم له بعرقلة المد الشيعيّ في المغرب، كان بلعيرج وبعض أصحابه في إيران يُحرّضون الإيرانيين على الشيخ، لأن الأجهزة المغربية كانت تخشى أن يلجأ الشيخ مطيع إليها بعد أن أخرجته السعودية من مكةالمكرمة. - بعد التغييرات التي حدثت في الأجهزة المغربية وغياب إدريس البصري، رأت الدولة أن تفكك جميع الشبكات المعقدة التي تركها العهد القديم وراءه، فكان قرار تفكيك شبكة بلعيرج والمعتصم الأمنية، لإعادة بناء شبكات أخرى جديدة ومناسبة وطبقا لمواصفات العهد الجديد، فكان ما كان من اعتقال بلعيرج وأصحابه، لأنّ لعبتهم سارت في مسار غير مرغوب فيه.. والقضية كلها مجرد تفكيك جهاز استخباراتيّ تابع لرجال إدريس البصري، المقبور، كان يُسخّره لاختراق التنظيمات المعارضة والمعادية في المغرب وخارجه. - تعرَّفَ عبد القادر بليرج، في أواخر سنة 1982، في مدينة بروكسيل على المدعو "البوصغيري"، العضو في منظمة "حركة المجاهدين في المغرب"، التي يتزعمها عبد العزيز النعماني، المتمركز في فرنسا آنذاك، حيث كان هذا الأخير يطمح إلى تغيير النظام في المملكة اعتمادا على استقطاب عناصر من داخل المملكة وأوربا وترويج مجلة "السرايا". مقتطفات من وثيقة صادرة عن الشبيبة الإسلامية
النكاوي: الاستخبارات المغربية أشرفت على اغتيال النعماني في أول خروج إعلامي قال ل«المساء» إنّ حركتنا شاركت في عمليات عسكريّة مع فصائل المقاومة اللبنانية - لم تتحدث في الرسالة التي كتبتها من سجن القنيطرة قبل سنوات قليلة بشكل أكثر تفصيلا عن ملابسات اغتيال عبد العزيز النعماني؟ من عرف الشيخ عبد العزيز النعماني، رحمه الله، عن قرب يدرك أن أمثاله لا يمكن أن يكونوا من المعمّرين، للقتل خلقوا.. إن الدعوة تقدم الدم في سبيل مبادئها، ولن تموت وإنْ انحسرت.. إن طريق الأحرار مفروشة بالأشواك، محفوفة بالمكاره، ممزوجة بدفق الدماء والآلام والتحديّات والأعباء.. ان مقتل النعماني هو الوجه الآخر لتجربة اغتيال سياسيّ لم تزل تريق بحورا من المداد ولم تفَكَّ سائر طلاسمها وأسرارها، أعني بذلك اغتيال المهدي بنبركة، فكلاهما كانت نهايته في فرنسا، كلاهما كان التواطؤ الفرنسيّ حاضرا في مقتله، كلاهما كان معارضا شرِسا للنظام، كلاهما تُطرَح بخصوص مقتله ألْفُ علامة استفهام، مع الفارق في عقد المقارنة.. لقد أشرفت الاستخبارات المغربية، عبر ضابط الاتصال المدعو الإدريسي، المتحدّر من المنطقة الشرقية، الذي كان مكلفا بملف الحركة وعلى اتصال وثيق بالسفارة المغربية في فرنسا، وكانت الأدوات هي بعض «المتساقطين» في طريق الدعوة، استُعملوا كوسيلة لتحديد مكانه وتصفيته والمشاركة في ذلك.. ولأن النعماني، رحمه الله، كان دائمَ الحركة كالنحلة، فلم يكن يكترث لأمنه الشخصيّ وحراسته، فقد كانت كل حركاته مرصودة من المخابرات المغربية والفرنسية.. وعند تحديد «ساعة الصفر» كان التوقيت محددا بعناية فائقة، إذ كانت المجموعة الأشدّ قربا من الشيخ، وهم القاعدة الصلبة للحركة، وقتذاك في مهمة جهادية في لبنان. هكذا رُصِد الشيخ وهو في ضاحية مدينة أفينيون، التي كان في طريقه إليها، وبتواطؤ مع الاستخبارات الفرنسية أغلقت الطرقات المؤيدة إلى مكان تواجده وتمّت تصفيته.. وترك لساعات وهو ينزف إلى إنْ مات، رحمه الله، وبعد عودتنا من لبنان شنّت السلطات الفرنسية حملة اعتقالات في صفوف الحركة طالت حتى زوجات الإخوة، تلتها مضايقات ومحاولات اغتيال طالتني شخصيا، واستهدفت -في مرحلة أخرى- الشيخ علي البوصغيري، رحمه الله. - متى التقيت بالنعماني؟ الحديث عن الشيخ القائد عبد العزيز النعماني، رحمه الله انه ذو شجون.. لقد شرّفني المولى، تبارك وتعالى، بلقائه في فرنسا، وصحبته لسنوات، كان أيامَها ينشط رفقة الرعيل الأول ممن كانوا معه وأسسوا هذه الجماعة ووضعوا الخطوط العريضة لتجربة ثورية في العمل الإسلاميّ، كان اللقاء والانتماء عام 1980، ومن نافلة القول إن الشيخ النعماني أسس حركة المجاهدين في المغرب عام 1978، رفقة الشيخ علي البوصغيري، رحمه الله، ذلك الرجل المبتلى، الذي لازم النعماني كظله في كافة مراحل العمل والدعوة والبناء والخروج بالجماعة من السرية إلى علنية الدعوة وإظهار مبادئها ومنهاجها.. وليس سرّا إنْ قلتُ إن مجلة الجماعة، التي كان يصدرها الشيخ عبد السلام ياسين، نشرت بيانات للحركة، ما يُظهر مدى حضورها وكونها رقما مُهمّا في تلك المرحلة من العمل الإسلامي، حتى إنّ الشبيبة الإسلامية، في كتابها «المؤامرة الكبرى»، أوردت أحد بيانات الحركة في وفاة احد أبنائها داخل السجون مضربا عن الطعام. في تلك الفترة العصيبة من التاريخ المغربي، قمنا للعمل، حيث كانت الشدة والحصار والاعتقالات في ذروتها.. لقد استطاع النعماني، في ظرف وجيز، أن يخرج بجماعته من مجرد مجموعة أفراد إلى جماعة تستقطب المئات من خيرة الشباب المغربي المهاجر، وأن تضع بصمتها في العمل الدعويّ وسط الجالية المغربية في عدة بلدان أوريية، وأن تحشد الجموع تحت راية واضحة، بلغ إيمانهم بها درجة تقديم التضحيات بالأموال والأوقات والطاقات والأعمار. لقد كان النعماني، رحمه الله، القائد المؤسس، يمتلك قدرات القيادة، ما أهّله إلى أن يكون علامة فارقة في هذه الطريق.. ولأنه كان يمتلك مواصفات ربانية، فقد كان اغتياله مطلبا وهدفا وغاية.. في مرحلة معقدة من تاريخنا المعاصر، كانت فيها عناصر الجماعات الإسلامية ما بين طريد ومعتقل، شأنها في ذلك شأن كافة التيارات اليسارية. - ما هي العمليات التي نفذتها حركة «المجاهدين المغاربة» مع فصائل المقاومة اللبنانية؟ إنها صفحة مجيدة من ملحمة الحركة الإسلامية وأوراق غائبة اندسّت مع تعاقب الزمن، وقد آن الأوان لإماطة اللثام عنها حتى نُسمع للناس روايتنا من رؤيتنا وواقع معايشتنا للأحداث، وليس من خلال ما يستنتجه عنا غيرنا ويُحوّره لصالح أجندات معادية.. عندما وصلنا في مجموعات متعددة إلى طرابلس -الشام في ثمانينيات القرن الماضي، بعد لأي وجهد وعناء، كانت الحرب الأهلية في أوجها، كان هدفنا المركزيّ التدريب والإعداد العسكريّ، بعد الانتهاء من تلك المرحلة انخرطنا في القتال جنبا إلى جنب مع حركة التوحيد، بقيادة الشيخ سعيد شعبان رحمه الله.. فقد كانت مناطق أهل السنة تحت الحصار، والمجازر في ذروتها، وهو قتال دفاع عن إخواننا المسلمين المستضعَفين، في مواجهة النظام الناصري البعثي في سوريا، الضالع في سفك الدماء وهتك الأعراض.. وبعد انسحاب الفصائل اللبنانية المقاتلة في تلك المرحلة العصيبة، انسحبنا، ثم غادرنا الشمال، عائدين إلى مواقعنا. وبعد العودة إلى فرنسا، كان في انتظارنا النبأ الصادم: اغتيال القائد المؤسِّس في إطار مخطط مؤامرة شاملة لتصفية كل عناصر وقيادات الجماعة.. وذلك فصل آخر من هذه السيرة الحركية لحركة المجاهدين وأميرها النعماني، رحمه الله. - ما نوع العلاقات التي جمعتكم بمطيع؟ الحقيقة أننا، في حركة المجاهدين بالمغرب، لم تكن لنا علاقة تذكر بالشيخ عبد الكريم مطيع، ذلك أن الشيخ النعماني -بما له من رصيد وقيمة حركية وعبقرية تنظيمية- عندما أسّس الحركة عام 1978، انطلق في خط حركيّ وخيار إستراتيجي في التربية والإعداد والزحف، بشكل لا يلتقي مع خيارات الشبيبة الإسلامية آنذاك.. هذه هي الحقيقة التاريخية الكبرى التي غابت عن كثير من الراصدين للحالة الإسلامية في المغرب، لقد شكلنا داخل النسق الحركيّ طليعة بتجربتنا المنفصلة عن باقي التجارب في المساقات والسياقات، بعيدا عن مطيع وخياراته. أما النعماني، رحمه الله، وارتباطه بمطيع و«الشييبة الإسلامية» في مرحلة ما من تجربته الحركية فذلك أمر معروف، وإنْ حاول البعض أن يطمسوا معالمها أو يشوّهوا سيرتها ويقلبزا حقائقها، فسيظل النعماني قامة كبرى في هذه الدعوة المباركة، ولو تقوَّلَ الشانئون. لقد انقطعت كافة صلات النعماني بمطيع قبيل إعلانه مشروع تأسيس الحركة.. إننا في حاجة إلى كتابة تاريخنا من خلال رؤيتنا، وليس من خلال ما يقال أو يُكتب ويُفبرَك عنا، وهذا شان له أوانه في تقديراتنا، إن شاء الله، إن من حق أمتنا علينا أن ننقل إلى الأجيال القادمة تجربتنا ورؤيتنا لتلك الأحداث الكبرى التي عاصرناها وعايشناها عن كثب. ولا تزال كافة تفاصيل نشأة الحركة وقائدها ومقتله تحتاج إلى أسفار عديدة للإلمام بكافة تفاصيلها وجوانبها. - أين تربى وترعرع النعماني قبل التحاقه بالعمل الإسلامي الثوري؟ يتحدر النعماني رحمه الله، من الدارالبيضاء، إنه واحد من ذلك الجيل الفريد من الحركة الإسلامية المغربية وبدايات صحوتها المباركة، نشأ ديِّناَ، خيِّرا، مُحبّاً لهذا الدّين. وكان لمحنة سيد قطب رحمه الله وكتاباته الأثرُ البعيد في وجدانه، أهّله لأن يسلك هذا الدرب ويمضي فيه إلى الغاية، بإذن الله، إلى آخر الشوط.. كان من تدابير القدَر وهو في فتوته، وهو الطالب في الجامعة آنذاك، أن يلتحق بصفوف الشبيبة الإسلامية، ويمضيّ في طريقها من خلال سرية مرحلية، إلى أن دخلت الحركة ككل في منعطف الابتلاء.. لقد كانت تلك البدايات الحركية منطلقا لصقل تجربته ومواهبه وخبراته الحركية والتنظيمية التي راكمها مع الزمن وبالعمل الدؤوب المتواصل، حتى بعد أن غادر الحركة الأم في ظروف قهرية، معقدة، تحوطها الكثير من الأعباء والمعاناة والضراء.. ولأنّ الشيخ عبد العزيز النعماني كان يمتلك قلبا كبيرا، فقد حافظ على حبال الود مع مطيع ولم يطعن في سابقته وفضله حتى عندما شنّت عليه الشبيبة «حرب البيانات»، التي ما تزال متواصلة إلى الآن، كانت توصيات الشيخ بعدم الرد أو الانسياق وراء حرب البيانات، أقول وأكرر، إنه في منعطف حاسم أرسى النعماني قواعد مدرسة حركية من خلال جماعة المجاهدين، التي لاقت ما لاقت من المكاره وظلت قائمة في صمت وإصرار، فقد ظلت علامة فارقة في طريق الدعوات، وسيأتي يوم تبرز فيه كبرى معالم تلك التجربة في بُعدها التاريخيّ، من خلال دراسة من الداخل شهادة لله والناس والتاريخ..