تتوقع الاستطلاعات قبل الانتخابات القريبة القادمة نجاحا استثنائيا للمستوطنين: تمثيل بارز في قائمة الليكود في الكنيست وفي نفس الوقت نجاح انتخابي غير مسبوق لأحزاب الصهيونية الدينية. في أعقاب سلسلة من الخطوات الحكيمة من جانبهم، سيكون الليكود «استيطانيا» أكثر من أي وقت مضى، أما حزبهم الفئوي البيت اليهودي فيتظاهر بأنه «عموم إسرائيلي» أكثر مما كان في الماضي. المستوطنون هم القوة الإيديولوجية المتصدرة في حزب السلطة ومن يلوحون كشريك أكبر في الائتلاف (وإلا، فسيكونون الزعيم الحقيقي للمعارضة). وهكذا يجسد الجيل الثالث من غوش إيمونيم (حركة المستوطنين) حلم الآباء المؤسسين، فيصل أخيرا إلى موقع الطليعة الإسرائيلية: حماة الحمى الذين يسيرون في مقدمة المعسكر. هذه مسيرة داخلية في استبدال النخب في إسرائيل أكثر منها جدالا إيديولوجيا على مستقبل مناطق يهودا والسامرة. خروج المستوطنين من الخزانة الفئوية هو ظاهرة مطلقة من اتجاه واحد، لا ترتبط بالانسحابات أو بالتسويات السياسية: ففي السنوات الأخيرة عين في محكمة العدل العليا مستوطن لأول مرة؛ ونجحت قيادة المستوطنين في أن تعين لأول مرة يهوديا يعتمر القبعة الدينية في رئاسة جهاز الأمن العام «الشاباك»/المخابرات في ظل صدها لترشيح شخص آخر؛ ويتقدم المستوطنون في صفوف الجيش؛ وهذا الشهر أقيمت الجامعة الأولى في يهودا والسامرة؛ ومكان القناة 7 نصف السرية احتلته «أمواج إسرائيل»؛ والآن، معتمر قبعة دينية، يسكن مستوطنة، يملك أيضا لأول مرة صحيفة يومية مركزية، الصحيفة التي تحملونها في أيديكم الآن (من المهم القول إن ما أقوله هنا لا يأتي انطلاقا من الشجب، فالحكم ليس مسجلا على اسم الطبقة الوسطى العلمانية في الطابو، ولا وسائل الإعلام والمحاكم. المشكلة التي تتطلب حلا، في نظري، هي الاحتلال وليس تعزز المتدينين الوطنيين في حد ذاته). ويندرج فشل رئيس الوزراء نتنياهو في وقف نفتالي بينيت بالضبط في هذا التغيير. نتنياهو يعلن عن مشاريع جديدة في الضفة الغربية وفي شرق القدس كل صباح، ولكنه يفوت أساس قوة جذب بينيت إلى مصوتيه، فلأول مرة، لا يعرض عليهم رئيس الحركة الدينية الوطنية تلة أخرى ومقطورة أخرى، بل موقف قيادة حقيقية في دولة إسرائيل، تجر وراءها العلمانيين أيضا. الجيل السابق من السياسة المفدالية (حزب المفدال أو المتدينين الوطنيين الأصلي) تصرف في الظلام، في مكاتب الوزراء ومن تحت الطاولة. أما الجيل الجديد من الجمهور المتدين الوطني فلم يعد مستعدا لأن يكتفي بالزمبيشيين (نسبة إلى زمبيش، زعيم حركة غوش إيمونيم) ممن عرفوا كيف يعقدون صفقة في الثانية صباحا؛ وهو يطلب الاعتراف بقوته وبأهميته، تلك التي تظهر وتسمع في وضح النهار. هذا ما لن يعطيه حتى 5 آلاف وحدة سكن في E1 لنتنياهو، ولهذا فإن حملته التي تبدو وكأنها تحاول إعادة المتدينين إلى مكانة العشيقة المفهومة من تلقاء ذاتها تثير عليه المزيد من الغضب فقط. نتنياهو، ممثل النخبة الإصلاحية وصل إلى الحكم في ولايتيه على ظهر «ائتلاف المظلومين»: يهودا من الطبقة الاجتماعية الاقتصادية المتدنية، شرقيين متدينين، أصوليين ومهاجرين من رابط الشعوب. العداء لليسار والرغبة في المشاركة في الكعكة أتاحا التعاون بين هذه القوى. أما الآن فيستكمل المستوطنون دحر الإصلاحيين عن قيادة المعسكر. الانقلاب الأكثر لمعانا وقع في الانتخابات التمهيدية في الليكود، الذي صفى نهائيا أولئك من بين الأمراء الذين لم يتمكنوا من الفرار إلى كديما. في السنوات التالية أيضا، سيتجه أساس جهد المستوطنين إلى المؤسسات الإسرائيلية غرب الخط الأخضر وليس إلى تلال السامرة. كما أن هذه هي الخلفية لإعلان بينيت أنه سيكون شريكا مسؤولا في الائتلاف طالما اعترفوا بأهمية الجمهور الذي يمثله. نتنياهو نفسه قد يكون بوسعه أن يبقى في الحكم، ولكن لم يعد بوسعه حقا أن يقود. وليس حكم الكفاح في سبيل الحكم كحكم الإمساك به، والوقت وحده سيقول ما إذا كان المستوطنون سيتمكنون من الحفاظ على التعاون والتراص الداخلي لائتلاف اليمين، الذي يعاني من تناقضات داخلية جوهرية (مثلا، تلك التي بين الروس وبين شاس أو التمسك بإيديولوجيا السوق الحرة، التي تمس بشدة بالمقترعين من الطبقات الدنيا). وكما أسلفنا، فإن قبضة الوسط العلماني على المؤسسة الإسرائيلية آخذة في الوهن، وقريبا لن يعود ممكنا اتهام مباي (حزب عمال إسرائيل التاريخي) بكل المشاكل.