د. عادل محمد عايش الأسطل سنتناول في هذا المقال – المختصر- الجذور التاريخية للحركات والأحزاب الدينية اليهودية على مر العصور، ثم نتعرض لمفهوم الأحزاب الدينية وتطورها التاريخي والمؤسسي، قبل وبعد قيام دولة(إسرائيل)، ودراسة بعضاً من جوانب الأصولية الدينية، ومراحلها التي مرًت بها، وستتوضح في السياق ذاته، العلاقة والقواسم المشتركة والاختلافات، بين مختلف الأحزاب والحركات الدينية في(إسرائيل). ومن هنا يعتبر هذا المقال – مدخلاً تاريخياً للبحث والتحري– من حيث التركيز على الأحزاب الدينية في المجتمع الإسرائيلي، بغية الوقوف على طبيعة هذه الأحزاب، والبيئة التي ساعدت على ظهورها وتطورها، وصعودها الفكري والسياسي، وعلاقتها بالصهيونية، إلى أن أصبحت مكوناً رئيسياً في النظام السياسي الإسرائيلي، باعتبارها قوة دينية وسياسية، لا يستهان بها في عملية صنع السياسة الإسرائيلية الداخلية والخارجية على حد سواء.
ولقد ضربت الأصولية الدينية جذورها، بين الطوائف اليهودية منذ القدم، وتطورت تباعاً بفعل تغيرات الزمان والمكان والظروف السياسية والاجتماعية، وتبعاً لتطور معتقدات ورؤى تلك الطوائف، خلال العصور القديمة والوسطى والحديثة وهو ما يمكن للباحث أن يشير إليها على النحو التالي:
- التيارات الدينية اليهودية في العصور القديمة
هناك ما لا يقل على 15 تياراً دينياً يهودياً متميزاً، منهم ما هو بائد ومنهم ما هو موجود. وكانت قد وجدت منذ زمن تيه بني إسرائيل، وبعدما رجع النبي موسى عليه السلام إلى قومه، فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم، حيث صبأ أكثرهم عن الدين الذي جاء به موسى، والذي أمرهم بإتباعه، فلما رأى منهم ذلك هاله الأمر وامتلأ غيظاً، وألقى ما كان بيده من الألواح الإلهية، وبا يجمعبينهم ويعيدهم إلى الجادة، فمنهم من عاد إلى دين موسى ومنهم من انسلخ عنه، ومن هنا تفرقت أغلب الجماعات وأضحت في فرق وتيارات يهودية، كأول التفرقات بين هذه الجماعات، والتي تلتها تفرقات أخرى، حسب المناخات الدينية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في البلدان والممالك، التي انتشروا فيها، ومن تلك التيارات القديمة، طائفة(الصدوقيين (Saducees وهم من أولاد هارون، وأتباع صادوق بن أخيطوب، الذين توارثوا الولاية على(الهيكل)، واعتبرت هذه الفرقة، من أهم الفرق اليهودية، التي ظهرت في فلسطين في ذلك الزمان، وكانت تتمتع بنفوذ سياسي كبير داخل جماعتها الخاصة، وذلك لتقربها من السلطة الحاكمة، بالإضافة إلى نفوذها الديني، الذي آل إليها، بسبب إشرافها على خدمة ما تعتقد به وهو(الهيكل). وكان احتفظ الصدوقيون، طوال حياتهم، بتميزهم داخل الإمبراطوريات المختلفة، ومنها: البطلمية والسلوقية والرومانية، حيث اندمجوا مع أثرياء اليهود واتبعوا الحضارة الإغريقية زمن الأسرة الحشمونية بعد الثورة المكابية التي خضعت للحكم اليهودي في الحقبة اليونانية وكانت الطائفة تعتبر جماعة وظيفية وسيطة، تعمل لصالح الإمبراطورية الحاكمة، وتساهم في عملية استغلال الجماعات اليهودية، وفي جمع الضرائب، إلى أن انتهى دورها بدمار(الهيكل الثاني) عام 70م الذي بناه الملك(هيرودوس الكبير) الذي وُلد المسيح في زمنه على يد القائد الروماني( تيطس Taitse) بأمر من المسيح.
وظهرت جماعة أخرى، في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ضمت عدداً من العلماء ورجال الدين والأتباع، عرفت باسم(جماعة الفريسيين Pharisees)، الذين تلقّوا العلم بطرق ذاتية، وكانت شرعيتهم تستند إلى عملهم وتقواهم، لا إلى مكانة يتوارثونها، وهي فرقة مناوئة للصدوقيين، وكانوا يلقبون أيضا بلقب(حفيريم חברים)، أي(الرفاق أو الزملاء). وكان قسم منهم، من أتباع )شماي שמיי( من بني إسرائيل الذين أشار إليهم المسيح عليه السلام.
والفريسيون، فرقة دينية لها أبعادها السياسية، وقد ظهرت نتيجة الهبوط التدريجي لمكانه الكهنوت اليهودي، بتأثير الحضارة الهيلينية، التي تعلي من شأن الحكيم على حساب الكاهن. ويُرجع التراث اليهودي جذورهم، إلي القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد. ويعد الفكر الفريسي، أهم تطور في اليهودية بعد تبني عبادة (يهوه יהוה)، حيث كان جوهر برنامجهم يتلخص في إيمانهم، بأنه يمكن عبادة الخالق في أي زمان وفي أي مكان، وليس بالضرورة في حرم (الهيكل) المختلف على مكان وجوده.
وفي القرن الثاني قبل الميلاد ظهرت فرقة(الأسينيين Essences)، وهي جناح متطرف انشق عن جماعة الفريسيين، وقد عاش أفرادها حياةً اشتراكية، في الطعام والعمل والمسكن والأموال، وكانوا نباتيين، لا يأكلون اللحوم، ويكرهون الزواج، وقد اهتموا بالاتصال الصوفي بالله عن طريق الصلاة والتأمل، وآمنوا بالحياة بعد الموت، والملائكة والشياطين، وبشّروا بقدوم المسيح ليقيم مملكة اشتراكية سماوية علي الأرض. وكان الفكر الأسيني متأثراً بالفكر الهيليني وأفكار فيثاغورث، وبآراء البراهمة والبوذيين، التي وصلت إلى فلسطين بطرق متعددة كالتجارة والغزو وغير ذلك. وهناك جماعات وتيّارات دينية أخرى منها: عصبة(الخناجر Sicaei)، وهي عصبة دينية متطرفة، وتركزت نشاطاتها في محاربة اليهود المتراخين في تطبيق الشريعة اليهودية. وهناك عصبة الفقراء)الإبيونيين Ebionites)، وهي فرقة متصوفة تسعى إلى النفع العام مع ما يتميزون به من مسالمة، آمنوا بعيسى عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله، عاشوا حياة الزهد والقناعة، ردحاً من الزمن. إلى أن دخل الإمبراطور الروماني(تيطس) في المسيحية وأدخل معه الطقوس الوثنية، ووقعوا بين عدوين ضاريين، اليهودية على تعاليم التلمود، والنصرانية على تحريف(بولس) فكان في ذلك نهايتهم.
وهناك فرق أخرى قليلة العدد مثل، الطائفة السامرية، نسبة إلى مدينة السامرة (نابلس)، وهي تعد أصغر طائفة دينية في العالم. دخلوا فلسطين قبل حوالي 3600 عاماً قادمين من صحراء سيناء، حيث أسسوا مملكة، ما لبثت أن انقسمت إلى مملكتين، واحدة يهودية في الجنوب وأخرى سامرية في الشمال. ويُشار إلى السامريين في التلمود ب(الغرباء) وهم يُطلقون على أنفسهم(بنو إسرائيل أو بنو يوسيف)، على اعتبار أنهم من نسل يُوسف، وأحفاد موسى عليهما السلام. وهم ليسوا صهاينة، ويعتبرون جبل صهيون قاعدة الكفر. ويعتبرون نابلس هي مدينتهم المقدسة وخاصةً جبل(جيرزيم) المشرف على المدينة. واتسم كهنتها بحفظة الشرعية، باعتبارهم من سلالة السامرة الذين ولدوا في فلسطين. -التيارات الدينية اليهودية في العصور الوسطى
انتشرت خلال العصور الوسطى، بين الجماعات اليهودية إلى جانب (اليهودية التلمودية)، فلسفة )القابالاة( - علم التأويلات الباطنية في اليهودية - والتي كانت بمفهومها الواسع، تعني مجموع المذاهب الباطنية، التي ظهرت بين الجماعات اليهودية منذ ظهور العهد المسيحي، أمّا من حيث مفهومها الشائع، فيعني كل العقائد الصوفية، التي ظهرت بين الجماعات اليهودية في أوروبا، منذ بداية القرن الثاني عشر. ويعتبر(إسحق الأعمى( أول من استخدم لفظة) القابالاة) منذ العام 1200، التي انتشرت وتطورت فيما بعد، ووصلت إلى ذروتها في القرن السادس عشر، حين حلّت معتقداتها، محل الكتابات الدينية التقليدية، وعلى رأسها التلمود.
وحين ظهرت حركة )الهسكلاة( - حركة التنوير- في فرنسا ثم انتقلت إلى ألمانيا، فكانت بمثابة الثورة العارمة ضد الفكر الديني اليهودي المتزمت في تلك الفترة ممثلة في ترجمة التوراة إلي الألمانية علي يد(موشي مندلسون מושה מנדלסן) وشرحها، الأمر الذي قوبل بالتكفير من جهة الأصوليين اليهود.
وتوالت الأحداث بعد ذلك لتدفع باليهود قدماً في طريق التنوير، الذي سارت فيه البلدان الأوروبية، وعلى إثر تلك الأحداث، أصدر الحكام والقياصرة فرماناتهم القاضية بمساواة اليهود بسائر الأمم والشعوب، وتوالت الإصدارات العبرية ذات الأسلوب المتجدد في العديد من دول أوروبا وروسيا وغيرها، حيث سعي التنويريون(المسكيليم המסכלים) إلي المزاوجة بين اندماج اليهود في بيئاتهم التي يعيشون فيها وبين المحافظة علي الهوية اليهودية المتميزة، والتي تمثلت في الشاعر اليهودي (يهودا ليف جوردون יהודה לב גורדון):" كن يهودياً في بيتك، وإنساناً خارج بيتك' وهذه المقولة تبيّن مدى الاختلاف الكبير بين البشر وبين اليهود، وهي دلالة واضحة علي رفض اليهودي للتطبيع مع الآخرين لعدم قابليته لذلك.
وأبرز ما يميز أدب فترة (الهسكلاة) قصص المواعظ والحكايات وبعض الروايات ذات الطابع الرومانسي. التي من خلالها بادرت إلى محاربة الحركات )الحسيدية والميسيائية(، التي ظهرت بين اليهود بتأثير)القابالاة(، باعتبارها عقيدة فاسدة، ترتبط مفاهيمها بالسحر والشعوذة، والغيبيات المفرطة، إضافةً إلى أنها تعتبر الوجود اليهودي ضرورياً لاتزان الكون، بل إن الله لا يجود برحمته، إلاّ بسبب أفعال اليهود الخيّرة، وسلوكهم السوي.
وكان من أبرز دعاتها القباليين(يهودا القلعي יהודה קלעי وأبراهام كوك אבדהם קוק(، ومن أبرز دعاة الصهيونية الدينية حيث كان لهما الأثر الكبير في انتشارها بين الجماعات اليهودية في الدول الأوروبية، حتى أن الأخير كان أول حاخام صهيوني بارز يستوطن فلسطين، ويعتبر من أكبر المفكرين القباليين في العصر الحديث.
- التيارات والمؤسسات الدينية اليهودية في العصر الحديث
ظلّت(اليهودية التلمودية (Talmudik Jodaismأو(اليهودية الربانية Rabbinic Jodasim) القائمة على مبادئ فكر الفريسيين والكتبة، مسيطرةً على الحياة اليهودية بصورة عامة منذ انهيار المملكة اليهودية، ودمار(الهيكل الثاني) عام 70، وحتى ظهور ما يسمى بفكر الإصلاح والتحرر، الذي بدأ يسيطر على أوروبا منذ بداية القرن السابع عشر. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر، أصبحت(اليهودية التلمودية)، تعرف باسم(اليهودية الأرثوذكسية(Orthodox Judaism، التي ضمت تحت أجنحتها الحركة (الحسيدية (Hasidism المناوئة للصهيونية. ولكن قطاعات واسعة من اليهود تمرّدت على تعاليم اليهودية الأرثوذكسية، ونادت بالعودة إلى الاندماج مع جو التحرر والمساواة الذي ساد دول أوروبا، وتهجير الفكر الانغلاقي، الذي تجسده (اليهودية الأرثوذكسية). وهكذا ظهرت (اليهودية الإصلاحية (Reform Judasim، باعتبارها تجسيداً عملياً لهذا التيار، لكن تحرر(اليهودية الإصلاحية) الحاد، فاجأ قطاعات أخرى من اليهود، الذين رفضوا اليهودية الأرثوذكسية، ولكنهم أبوا الانجرار وراء الحركة الإصلاحية اليهودية، حيث كوّن هؤلاء تياراً جديداً في اليهودية، أطلق عليه اسم(اليهودية المحافظةConservative Judasim). وبتطور الحياة اليهودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وظهور الحركة الصهيونية في أوروبا، ظهرت(اليهودية الإنشائية أو التجديدية Reconstructionist Judasim)، محاولةً التوفيق بين وجود اليهود في المنفى وولائهم لدولة(إسرائيل) المزمع إقامتها. وتتواجد هذه التيارات اليهودية الأربع بين الجاليات اليهودية في الدول الأوروبية المختلفة، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية بصورة أكثر كثافة، ومن الملاحظ أنه يندر وجود تلك التيارات اليهودية في(إسرائيل). وبالرغم من وجود خلافات بين التيّارات اليهودية الأربعة، في بعض القضايا الدينية، مثل إجراءات الطلاق والتهويد، إلاّ أن هذه التيّارات تتفق على قضية واحدة رئيسية، وهي دعم(إسرائيل) اللامحدود.
- الدين والجذور التاريخية للأصولية اليهودية
تعود جذور الأصولية اليهودية، إلى بعض نصوص التوراة، فقد استخدمت التوراة منذ زمن بعيد، أداة لفرض السيطرة القومية من خلال التعصب وغزو الأراضي واستخدام العنف في مرحلة الضعف، وتعتبر فرقة(السيكاريين סיכרים حملة الخناجر الرومانية) من أولى التشكيلات الأصولية القديمة، لأنهم وجهوا ضربات خناجرهم ليس إلى الجنود الرومان، بل إلى صدور اليهود الذين اتهموهم بالتراخي في تطبيق الشريعة اليهودية. وبعد اضطهاد الرومان لليهود وهدم(الهيكل) انحصرت الأصولية في أساتذة الشريعة، واستمر ذلك في العصر الحديث، حيث شعر اليهود العاديون بفشل العلاقة بين الله وشعبه المختار، الأمر الذي شجع على ظهور تيارات يهودية جديدة، لديانة الحاخامات الجافة، وتفسيرات التلمود المعقدة، ومنها(الحسيدية) التي أسسها في بولندا(إسرائيل بن أليعازر ישראל בן אלעזר 1700- 1760)، والذي أطلق عليه أتباعه لقب(بعل شيم توف פעל שם טוב ذو الاسم الطيب).
وقد توارث اليهود نزعة الأصولية، من خلال الحاخامات اليهود ورجال الدين ومنهم الحاخام الإشكنازي(أبراهام بن إسحق كوك אברהם בן יצחק קוק) رئيس حاخامي(إسرائيل) حتى وفاته عام 1935 وقد مثلت الأصولية الصهيونية في نظره، حركة عودة الجماعات اليهودية من المنافي، لاستعادة رسالتهم الإلهية وتحقيق نبوءة الخلاص. وبناءً على ذلك دعا إلى ممارسة العمل اليدوي واعتماد القوة العسكرية في فرض وجودها، مع أن ذلك يتعارض مع مبادئ التوراة. لقد امتاز(كوك) بأنه لم يبالِ بعزوف العلمانيين من الشريعة اليهودية، وعارض الحاخامات الذين أنكروا أفعال العلمانيين المخالفة للتعاليم الدينية، ففي رأيه أن هؤلاء العلمانيين، قد ضلوا عن تعاليم التوراة والإيمان الديني، وانخرطوا في تيارات العصر الجارفة، ولكن الجوهر الداخلي للقداسة اليهودية لا يزال في قلوبهم، وعلى إثر ذلك قدم الحاخام(كوك) رؤية للتعايش الطبيعي بين العلمانيين والمتدينين، على أساس أن العيش في الأرض المقدسة على حد تعبيره أمراً مقدساً وفريضة واجبة، ودعا المتدينين أن يغضوا الطرف عن العلمانيين، الذين لا يمارسون الفرائض الدينية، لأن الاحتكاك بين العلمانيين والمتدينين في الأرض المقدسة، من شأنه أن يردّ العلمانيين إلى التعاليم اليهودية. وتكرست الأصولية الدينية، على يد ابنه(تسفى يهودا كوك צבי יהודה קוק) الذي خلفه بأفكاره وتعاليمه، وكان على درجة عالية من التدين، حيث جذب إليه نخبة من جماعة متعلمي التوراة المتقدمين، منهم(موشيه ليفنغر وحاييم دروكمان وأليعازر فالدمان)، من داخل المدارس الدينية المستقلة، وخاصة مدرسة (مركاز هاراف מרכז הרבנות) التي أسسها الحاخام (كوك الابن)، والتي تخرج منها زعماء وقادة وجماهير الطوائف اليهودية الأصولية المعاصرة، والتي عززت ظاهرة سخط اليهود على سواهم من الأغيار. وكان(كوك الابن) قد رأى أن عملية الخلاص تمرّ بثلاثة مراحل: أولاها عودة اليهود من الشتات خوفاً من العقاب الجسدي في أمكنة تواجدهم، والثانية لقاء الشعب اليهودي في قلب يهودا والسامرة التوراتي، والثالثة عملية الخلاص، حيث يتجدد النشاط اليهودي بمجرد احتكاكهم ب(أرض إسرائيل الكاملة) مما سينتهي بهم إلى التوبة لله، من خلال التزام أوامره وترك نواهيه، والتقرب من المسيح للخلاص بسرعة، تتلائم مع التزام الشعب اليهودي بالفرائض الدينية.
وقد أثّرث الأصولية اليهودية المسيحيانية، على غالبية المجتمع الإسرائيلي. باعتبارها التي حرّكت القوى الاستيطانية اليمينية، والتي أنبتت حركة(غوش إيمونيم גוש אימונים)، وفكر الحاخام (أبراهام كوك)، الأب الروحي لحركة الاستيطان اليهودية، وقد انعكس كل ذلك على (إسرائيل) نظاماً ودولة. وقد سعت الأصولية لإبراز القيم الدينية للأعياد والمناسبات اليهودية، بدءاً برأس السنة العبرية وانتهاءً بعيد البواكير(شفوعوت שבועות)، معتمدةً بشكل أساسي على التوراة والمصادر المفسرة لها، وعلى مجموعة من الدراسات الصادرة في(إسرائيل) حول هذه الأعياد، باعتبارها تشكل ثقافة المجتمع الإسرائيلي وتطلعاته. وأهم هذه الأعياد ثلاثة هي:(الفصح العبري والبواكير والحانوكاة)، وهي ذات صلة متميزة بالثقافة اليهودية وبالتحولات والتغيرات التي حدثت في الحياة السياسية والاجتماعية في(إسرائيل) منذ قيامها إلى الآن.
- مراحل تطور الأصولية اليهودية في دولة(إسرائيل):
لقد مرّت الأصولية اليهودية بمراحل متعددة ومنها: 1. مرحلة التبعية، والتي امتدت منذ الخمسينيات إلى منتصف الستينيات، بسبب قوة الحركة الصهيونية العلمانية ووجود قياداتها المؤسسين، وتمتاز هذه المرحلة بالاعتدال الديني، وربما يعود سبب تميز هذه المرحلة إلى الطابع العسكري لنشأة دولة(إسرائيل)، وإلى انهماك المجتمع الإسرائيلي قيادة وقاعدة بالقضايا السياسية، وبالعمل المتواصل في إطار بناء الدولة والتأسيس لبنيتها التحتية المتقدمة، وهو ما لا يمكن أن يتم على أيدي رجال الدين، مهما كانت قوتهم وقدرتهم على التأثير. 2. مرحلة الصحوة الدينية، التي جاءت في أعقاب هزيمة حرب 1967، بسبب النصر الإسرائيلي المفاجئ، ثم حاجة الحركة الصهيونية العالمية الجديدة، التي يحتاج أمنها واستقرارها، إلى جلب المزيد من المهاجرين لإحداث كثافة سكانية يهودية كبيرة داخل(إسرائيل). 3. مرحلة العمل الأصولي، والتي أعقبت هزيمة حرب أكتوبر 1973، حيث امتزجت الأصولية بالنشاط السياسي متمثلاً في حركة(غوش إيمونيم)، وكذلك العمل الشعبي متمثلاً في حركة( كاخ כך)، وغيرها من المنظمات الأخرى. ويستطيع الباحث أن يؤكّد في هذا الإطار على العلاقة الجدلية بين الخوف من المستقبل والشعور بالخطر وبين تقدم التيار الأصولي في دولة (إسرائيل). وعليه فقد اتسعت مساحات ومصادر الأصولية اليهودية في فلسطين بعد قيام(إسرائيل)، رغم أنها اعتبرت من القضايا الجدلية، التي لم يتم البت فيها، والتي أخذت في التفاعل والحضور تبعاً للتطورات والمستجدات من خلال: - إقامة المشاريع الاستيطانية، التي تدعمها التيارات والأحزاب الدينية المتطرفة. - إنشاء المدارس الدينية المستقلة(الياشيفوت)، لتعليم الطلاب العلوم التوراتية، وتخريج الرابيين والحاخامات ورجال الدين. - أحياء التقاليد والطقوس الدينية القديمة. وهكذا برز عدد من مظاهر الأصولية اليهودية في فلسطين ومنها: - الالتزام العملي بالشريعة اليهودية، وإلزام غير اليهود باحترامها. - احترام وتقديس حرمة يوم السبت، والعمل على إلزام الحكومة على تنفيذ ذلك. - الدعوة إلى بناء الهيكل الثالث، وممارسة النشاط العدواني لخدمته، من خلال أعمال متفرقة، سواء كان ذلك، من قبل الأفراد أو الجماعات الدينية المختلفة. - تغطية الرأس ب(الكيباة כיפה) قطعة صغيرة من القماش مستديرة الشكل يتم تثبيتها على الرأس وخاصة في الجيش، والطبقة المتعلمة في المجتمع الإسرائيلي. - الدعوة إلى إقامة المؤسسات التربوية والإعلامية، والجمعيات الدينية، بهدف دعم الأسر اليهودية، مادياً وتثقيفياً، وإقامتهم في أحياء متجانسة. - رفض عملية السلام، أو الانسحاب من الأراضي المحتلة، والتطلع إلى حدود(إسرائيل الكبرى). ونظراً للتطورات الدينية والسياسية تشكّلت مواقف الأصوليين اليهود، من القضايا السياسية والاجتماعية، وخاصة علاقتهم بالسلطة السياسية القائمة في الدولة، في ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول: الأصولية التي تعترف بالدولة، باعتبارها دولة مقدسة، فالحاخام(تسفي يهودا كوك) اعتقد أنها(مقدسة ولا خلل فيها)، وأنها شكل من أشكال التجلي السماوي العلوي، وأنها قاعدة العرش الإلهي. الاتجاه الثاني: الأصولية التي ترى أن الدولة علمانية منحرفة، ولكنها وسيلة لسيطرة الحاخامات على الحكومات القادمة، والتي تسبق مجيء المخلص، ولهذا حافظ أصوليو هذا الاتجاه على علاقة تبادلية بينهم وبين الدولة، وسعوا إلى إقناع الحكومة بضرورة تنظيم المجتمع الإسرائيلي على أرضه بإتباع الوصايا الدينية. الاتجاه الثالث: الأصولية التي تكفِّر الدولة، وتعتبرها خارجة عن إرادة الله، وأبرز روّاد هذا الاتجاه عن هؤلاء حركة( ناطوري كارتا נטורי קרטא) الأصولية المعروفة، والطائفة السامرية، وبعض الطوائف الأخرى.
- الأصولية وعملية التأثير في السياسة الصهيونية وبناءً على ما تقدم يمكن القول إن الأصولية اليهودية، استطاعت ولازالت تستطيع التأثير في السياسة الإسرائيلية، على وجه العموم، وبخاصة أنها تنطلق من أربعة مبادئ، متفق عليها، وهذه المبادئ هي: - أن الشعب اليهودي( شعب الله المختار)، الذي جاء باختيار الرب، لقيادة الأمم إلى يوم الدين. - أن الوعد الإلهي، يتمثل في العودة إلى فلسطين(أرض إسرائيل). - ارتقاب المسيح(المخلِّص المنتظر)، والعمل على تعجيل مجيئه والتبشير به، من خلال جلب يهود العالم وإقامة الدين على تعاليم التوراة. - معاداة الآخرين(الأغيار)، باعتبارها عاملاً من الأعمال التي يثاب عليها اليهود. وكان من نتائج هذه الأصوليات، أن أوغل الكثير من اليهود في تعميق ارتباطهم بقوانين التوراة، والتفسيرات الأصولية، والتي عبّر عنها الحاخامات اليهود، ومنهم الحاخام(ميئير كاهانا