11 يناير، يوم له رمزيته التي يحتفل بها عموم المغاربة كل سنة، لكنه هذه السنة يتحول إلى تاريخ سيتذكره مواطنون بسطاء في مدينة ورزازات، قُدر لهم أن يعيشوا فيه لحظات عصيبة بدأت فصولها كي لا تنتهي.. مواطنون اختاروا أن يقضوا لياليهم في العراء على مدار السنة لعل هذا يكون مبررا كافيا كي تلتفت جهة ما إلى ملفهم وتسعى إلى طيه بما يضمن حقوقا مغتصبة وكرامة تصر أكثر من جهة على تمريغها في الوحل.. في هذا اليوم، وتحديدا في الرابعة صباحا، ستتحرك سيارات التدخل السريع مدعومة بسيارات القوات المساعدة محملة بالعشرات من العناصر، مهمتها إنهاء وضع استمر لسنوات، ليشرع بعضها، في انتزاع خيام نصبت في أكثر من موضع، في حين تكفل آخرون بمحاصرة المعتصمين الذين فاجأتهم العملية كما فاجأتهم الأعداد التي استنفرت لتنفيذها.. نصف ساعة كانت كافية لعناصر «السيمي» لتفض 4 معتصمات، أقيم بعضها قبل قرابة 3 سنوات، وكانت تؤوي عشرات المطرودين من عملهم، هم عمال شركة «طوطال واركاز»، المتخصصة في تعبئة قنينات الغاز، والآخرون يتوزعون على ثلاث وحدات فندقية أغلقت أبوابها في وجوههم، كما أغلقته في وجه زبنائها من السياح، وهي على التوالي فندق «بلير»، وفندق «كرم» و»إقامة كرم».. وهؤلاء يجمعهم قاسم مشترك هو أنهم جميعا ضحايا عمليات طرد من عملهم، مثلما يجمعهم أيضا انتماؤهم لتنظيم نقابي ليس إلا «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل».. السبت 12 يناير، أفواج المناضلين والمتعاطفين تتقاطر على مقر النقابة بحي كاسطور القريب من عمالة الإقليم، منذ ساعات الصباح الأولى، اجتماعات متتوالية بين مسؤولي المكتب المحلي وممثلي القطاعات لمناقشة أسلوب الرد على ما وصف «هجوما تحت جنح الظلام وعودة للمقاربة الأمنية»، ليخرج الجميع بقرار تنظيم شكل احتجاجي بهدف لفت الانتباه إلى «خطورة ولا قانونية» ما تعرض له مناضلو النقابة الليلة السابقة.. الخامسة والنصف مساء، قرابة 30 شخصا يغادرون مقر النقابة، إلى الشارع العام، أغلبهم مستخدمون مطرودون من عملهم، يؤطرهم أعضاء المكتب النقابي، وحتى قبل أن تتضح الوجهة التي سيسلكها المحتجون سيصطدمون بعشرات العناصر من قوات التدخل السريع، التي سارعت إلى تطويقهم ومنعهم من مواصلة السير.. ودون سابق إنذار، ينفجر الوضع وينال المحتجون نصيبهم من هراوات العناصر الأمنية.. تقول فاطمة، وهي واحدة من العاملات المطرودات، «إن قوات التدخل تعاملت معهم بعنف مفرط وهمجية غير مسبوقة، رغم أن العمال لم يقوموا بأي مواجهة بل جلسوا أرضا بعد محاصرتهم، وحينها أعطيت الأوامر لضربهم دون رحمة، وحتى أولئك الذين استطاعوا الهرب من بطش السيمي تم اللحاق بهم إلى غاية الممر المؤدي إلى مقر النقابة وتم الاعتداء عليهم». لتضيف زميلتها خديجة «الأطفال بدورهم لم يسلموا من عنف، وأتذكر، مثلي مثل عدد آخر من زميلاتنا حضرن المشهد، كيف اضطرت زميلتنا حنان، إلى أن تدفع بابنتها التي لم تتجاوز سنتها الثالثة، تحت سيارة مركونة بالشارع حتى تخلصها من هراوات عناصر السيمي الذين تفننوا في رسم كدمات زرقاء على أجزاء كثيرة من جسدها المنهك، على غرار ما فعلوا بزملائها ذكورا وإناثا وكأن قدرنا، تقول، «أن تتحقق المساواة فقط في العصا». يقول أحد مستخدمي فندق بلير المطرودين، «فوجئنا بتسارع الأحداث، حتى أنه لم تكن لدينا فرصة مناقشة قرار فض وقفتنا، والأدهى أن المسطرة المتبعة لفض الوقفات أو المسيرات لم تحترم، والغريب أننا كنا شاهدين كيف يتم توجيه العناصر للاعتداء بشكل مقصود على أشخاص بعينهم وهي التعليمات التي كانت تنفذها العناصر الأمنية ب «تفانٍ زائد». تتوالى المشاهد التي يتناوب العمال على سردها، ومنها مشهد الهجوم العنيف على محيط المقر، وكيف لم تسلم الدراجات الهوائية والنارية التي كانت مركونة بالمدخل من عنف أيضا، ثم كيف لجأت بعض العناصر إلى استعمال سكاكين من أجل إحداث ثقوب بإطارات سيارة الكاتب العام، وهو الأمر الذي أثار استغراب كل الذين شهدوا الواقعة.. بل أكثر من ذلك كيف اضطرت نسوة إلى اللجوء إلى منازل وكاراجات للاحتماء من هراوات الأمنيين وصفعاتهم، وهروبا من كلام ناب وعبارات ساقطة تخجلن حتى من تذكرها فبالأحرى ترديدها على مسامع الغرباء.. وعلى غرار عملية الليلة السابقة، كانت أقل من ساعة كافية لإنهاء الوقفة وتشتيت الداعين إليها بين الأزقة المتفرعة بحي كاسطور، وملاحقة من قادته إصاباته إلى المستشفى لتلقي العلاج.. ليعود المحتجون مرغمين إلى مقر نقابتهم ويشرعوا في تعداد خسائر مواجهة لم تكن متكافئة بين مناضلين عُزَّل إلا من شعاراتهم، وبين عناصر أمنية استقدمت من خارج الإقليم، كانت لها كلمة الفصل في الميدان، وهي التي، يؤكد المحتجون كما بعض سكان الحي الذين التقتهم «المساء» أنها استعملت كل أشكال الإهانات وجربت كل أشكال الضرب والصفع في أجساد المحتجين، مثلما التجأت إلى السكاكين والحجارة في هجوم عنيف لم يسلم منه حتى مواطنون وتلاميذ ساقهم القدر، في تلك الأثناء، إلى الشارع العام. لهذه الأسباب... تطرح وقائع ما حصل بورزازات تساؤلا عريضا حول الأسباب التي دفعت بالسلطات إلى إصدار قرار إخلاء المعتصمات الأربعة ليلا، علما أن هذه المعتصمات أقيمت منذ سنوات على فترات متباعدة ولم يحدث أبدا في عهد العامل القديم أن كانت هناك محاولات مماثلة لإزالتها، بل كانت السلطات تنضبط إلى الأحكام الصادرة عن محكمة ورزازات وهي أحكام نهائية قضت كلها برفض الدعاوى التي رفعها ملاك الفنادق ضد العمال المعتصمين، ما أكسبهم شرعية البقاء في هذه الأماكن على أمل أن تكون وسيلة ضغط على المشغلين لتسوية وضعياتهم؟ سؤال يطرحه أيضا حميد مجدي، نائب الكاتب العام للاتحاد المحلي إذ يقول: «أكبر دليل على أننا على صواب هو مجموع الأحكام الصادرة لصالحنا، وإذا كانت لدينا ثقة في القضاء فعلى الطرف الآخر أن يقبل بالأمر، ثم إلى أين سيذهب هؤلاء للمطالبة بحقوقهم التي اغتصبها المشغلون؟ ليضيف «الغريب أن العامل الجديد، كان سببا مباشرا في الاحتقان، والمفروض فيه أن يكون محايدا ويحتكم إلى الوقائع والقانون، لا أن يصير طرفا في القضية، ويقف في صف الباطرونا، في مواجهة عشرات العمال المطرودين ممن لا يطالبون إلا بتطبيق القانون، ومستعدون لأي قرار لو ثبت أنهم مخطئون في أي أمر». لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال يبدو من المفيد العودة قليلا إلى الوراء لمعرفة الأسباب التي دفعت العمال المنتمين إلى نقابة الكدش، إلى سلك أسلوب الاعتصام المفتوح أمام مقرات العمل التي طردوا منها. حسب المعطيات التي يبسطها مسؤولو المكتب المحلي للنقابة فالأمر يتعلق في جميع الحالات بخرق واضح للقانون وإصرار على هضم حقوق الشغيلة. ففي ما يخص شركة طوطال اركاز ورزازات فقد لجأ العمال إلى خيار الاعتصام بعد طرد 13 عاملا بسبب انخراطهم في العمل النقابي ضمن صفوف الكدش، والأمر نفسه بالنسبة إلى عمال فندق بلير، الذين طرد منهم 111 عاملة وعاملا بشكل تعسفي، وأيضا بالنسبة إلى فندق إقامة كرم الذي تم توقيف نشاطه دون ضمان حقوق المستخدمين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى فندق كرم الذي طردت إدارته 57 عاملا وعاملة بسبب انتمائهم النقابي وممارسة حقهم في الإضراب. وحسب المصدر ذاته فالأمر ينسحب على مؤسسات أخرى تضم بين صفوفها منتسبين إلى النقابة من ضمنها منجم بوازار التابع لشركة «مناجم» أحد فروع الشركة الوطنية للاستثمار، والتي تعرض المكتبان النقابيان التابعان للكنفدرالية إلى الطرد بالإضافة إلى 63 عاملا منخرطا في صفوفهما، وفندق دار الضيف التي طرد منه أيضا 6 عمال للسبب نفسه، فضلا عن فندق فرح الجنوب وفندق أزغور اللذين يعرفان عددا من الخروقات التي قد تقود إلى الوضعية نفسها.. «هذه أسباب أكثر من موضوعية تشرعن للعمال المطرودين أن يعتصموا أمام مقرات عملهم التي طردوا منها ضدا على القانون»، يقول مجدي ويضيف، «ستلاحظون من خلال النماذج السابقة أن المشاكل تبدأ بمجرد تأسيس النقابة وانضمام العمال إليها؟ فهل كل من قرر الانخراط في العمل النقابي يكون مصيره الطرد؟» الأسباب الموضوعية التي يصر العمال على أنها تعطيهم الحق في إقامة معتصماتهم أمام مقرات العمل التي أجبروا على تركها، ذريعة لا تقنع أطرافا كثيرة لها صلة بالقضية، والعمالة واحدة من هذه الجهات التي لا ترى سببا معقولا في استمرار هذه الوضعية وتقدم لذلك مبررات عديدة، حتى لو لم تفصح عنها جهارا ولم تبلغ بها الطرف المعني بها أكثر، أي المعتصمين.. لكن بعض الحقائق الثاوية نجدها لدى أكثر من مصدر. وأولها ما تسرب من اجتماع موسع عقده العامل يوم الثلاثاء الماضي، يومين بُعيد الأحداث التي شهدها حي كاسطور، وضم عددا من رؤساء المصالح الداخلية والخارجية وممثلين عن عدد من القطاعات، وهو الاجتماع الذي استمر إلى حدود السابعة والنصف مساء. ولعل المبرر الأبرز الذي استعرضه عامل الإقليم على مجالسيه هو أن «وضعية المدينة لم تعد تحتمل، بدليل تراجع نسبة ملء الفنادق المصنفة بالمدينة إلى 12 في المائة، بعدما كانت تتراوح بين 45 و50 في المائة قبل 5 سنوات فقط، ويزداد الأمر تعقيدا لأن النشاط السياحي ومعه النشاط السينمائي هما عصب اقتصاد المدينة ومحركها الأساسي، ولهذا لا يمكن بعد اليوم السماح بأي شيء يهدد هذا القطاع ويصيبه في مقتل». لكن ما علاقة الوضعية السياحية المتدهورة التي باتت تعرفها ورزازات منذ سنوات وموضوع فض المعتصمات؟ الجواب نجده أيضا في ما نقله مصدر حضر الاجتماع، وهو أن «السياح صاروا ينفرون من المدينة ويتخوفون من النزول بفنادقها بسبب احتجاجات العمال التي تكاد لا تنتهي»، وإمعانا في التدقيق فالأمر يتعلق باحتجاجات المنتسبين للكدش التي ستقود السياحة إلى السكتة القلبية، ولهذا كان من الضروري الحسم في الملف واجتثاث المعتصمات التي كانت تخدش الصورة الجميلة للمدينة، وتبعث الاشمئزاز في نفوس الزوار، بل حتى المستثمرون صاروا يتخوفون من طرق باب المدينة، بسبب الخوف من مصير مماثل يقود مشاريعهم إلى الإغلاق مثلما حدث لمستثمرين آخرين! التبريرات التي يسوقها مصدر «المساء» تبدو غير متماسكة بالنظر إلى أن تراجع القطاع السياحي بالمدينة مرتبط بمعطيات دولية تتعلق بالأزمة العالمية، واشتداد المنافسة من دول لها المميزات نفسها التي تملكها ورزازات، كما ترتبط بمشاكل بنيوية منها أساسا العزلة التي تعانيها بسبب وعورة الطريق المؤدية إليها عبر ممر تيشكا، ومشاكل الخط الجوي خاصة على مستوى المواقيت وغلاء التذاكر، ثم المشاكل المرتبطة بضعف المنتوج الذي تقدمه المدينة لزوارها، والذي لم يشهد أي تجديد منذ عقود وبقي مرتبطا بقطاع السينما على علاته أيضا، فضلا عن تدهور البنية الفندقية، ثم تردي مستوى الخدمات التي لا توازي النجمات التي تصر كثير من الوحدات الفندقية أن تزين بها جدرانها ومطبوعاتها، وهذا تحت أنظار المسؤولين عن القطاع؟ من يسعى إلى الخراب؟ «النقابة هي سبب بلاء المدينة، وهي من يتحمل وزر هروب السياح وركود القطاع السياحي»، الكلام لسائق سيارة أجرة في فورة غضب لا تتناسب وبساطة السؤال.. وهي أسطوانة يرددها أكثر من شخص التقيناه، وكلماتها تكاد لا تتغير بين كل هؤلاء حتى لو اختلفت مشاربهم.. سألنا سائقي سيارات الأجرة وأصحاب البزارات والتجار ونادلي المطاعم، والغريب أن العبارات المستعملة تكاد تكون نفسها التي استعملها مسؤول بالإدارة الترابية جالسته «المساء»، يقول: «للأسف فالمنحى الذي أخذته الاحتجاجات العمالية للمنتمين إلى الكدش حاد بشكل كبير عن غاياته ومقاصده النبيلة، والأمر انعكس على القطاع السياحي بشكل كبير وتضررت قطاعات أخرى ترتبط ارتباطا وثيقا بالقطاع السياحي والسينمائي، ولهذا كان ضروريا التدخل لوضع حد لكل هذا العبث، لأن الغيرة على المدينة تفترض ألا نبقى في موقف المتفرج ونترك المدينة تحتضر». المسؤول ذاته يثير مسألة أخرى تتعلق بتحركات النقابة، والتي يصفها «بالمشبوهة وتخدم أجندات جهات تبحث عن إثارة الفتنة، وتستعمل العمال حطبا لإذكائها، بدليل أن النقابة تصر على سلك أشكال احتجاجية متطرفة ولا يهمها أن تسلك المساطر القانونية للحصول على ترخيص»، بل الأدهى من ذلك يقول، «يصير عدد من المستثمرين تحت رحمة هذه المجموعات والنتيجة هي اضطرار العديد منهم إلى إغلاق وحداتهم الفندقية ما أصاب المدينة في مقتل». هذا كلام مردود عليه، يقول حميد مجدي، لأنه يصعب على كل من يتهمنا بهذه الاتهامات أن يثبت أننا لم نتعامل بحسن نية في كل الملفات التي دخلنا فيها في نزاعات مع المشغلين، حتى أن العمال تنازلوا في بعض الحالات عن نصف رواتبهم على أمل المساعدة في استمرار الوحدات وعدم غلق أبوابها، ولكم أن تسألوا كل المسؤولين الذين يشاركوننا لقاءات المصالحة التي نعقدها هل ثبت لأي واحد منهم أننا أخطأنا في أي ملف من الملفات التي نناضل من أجلها، بل الأجمل في كل هذا هو أننا نتوفر على تقارير رسمية موقعة من مسؤولين يقرون فيها أن كل النزاعات القائمة ترجع بالأساس إلى عدم احترام المشغلين لمقتضيات قانون الشغل». وهذا الأمر ، يضيف، «يستدعي طرح سؤال عريض، ما موقف من يفترض أنهم يسهرون على تطبيق القانون مما يحصل، ولماذا لا يتدخل العامل، بموجب السلطة المخولة له، ليفرض على مالكي هذه الوحدات أن يلتزموا بالقانون، ولماذا لا يتدخل مسؤولو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لإلزام المشغل بالتصريح بالمستخدمين وفق ما تنص عليه اللوائح؟ أو يتدخل وزير التشغيل ليفرض احترام قانون الشغل؟ أما أن يتم اتهامنا باطلا فهذا تحوير للنقاش والابتعاد عن صلب المشكل وهو استقواء بعض المشغلين وتحديهم للقانون وتحميل المستخدمين، وهم الحلقة الأضعف، كل بلاء ابتليت به المدينة، والكل يشهد أننا في كل النزاعات التي أجبرنا على دخولها لم يثبت أن قدمنا ملفات مطلبية، بل كنا دائما نطالب فقط بتطبيق القانون». ما يشبه الخلاصة.. ما معنى أن يمتنع المشغلون عن تطبيق أبسط المقتضيات التي تحددها مدونة الشغل، وكيف يمكن أن يقبل عاقل ألا يتقاضى عامل أجره لشهور تتجاوز في بعض الحالات السنة، أو يفرض عليه قبول الاشتغال أكثر من ساعات العمل القانونية دون أي تعويض، أو يحرم من مستحقاته لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو التغطية الصحية، ولا يكون له الحق في العطلة أو الأعياد، ثم ما معنى أن يتم استغلالهم بعقود عمل لا تتجاوز 3 أشهر ما يعني ضياع أقدميتهم، والحال أن بعضهم قضى في عمله قرابة 3 عقود؟ أو يتم تشغيل العمال بأربع شركات يمتلكها رب الفندق في تحايل واضح على القانون؟ هذه كلها أمور تثبتها الوثائق والمحاضر الموقعة بحضور ممثلين عن جميع المؤسسات المعنية بالموضوع، والتي اطلعت عليها «المساء» ولهذا سيكون من الصعب تصديق أن نقابة تستميت في دفاعها عن المطرودين من عملهم تقود المدينة إلى حتفها. والأدهى من كل هذا أن الخروقات التي يثيرها العمال تتكرر في كل النزاعات، سواء في ملف منجم بوازار أو ملف شركة «طوطال واركاز» أو ملفات الفنادق التي اختار أصحابها إغلاقها هروبا من تحمل مسؤولياتهم». ثم ماذا عن الملفات التي صدرت فيها أحكام قضائية نهائية لفائدة العمال دون أن تجد طريقها للتنفيذ بما فيها أحكام تكتسي صبغة النفاذ المعجل، ومن ضمنها الحكم النهائي الصادر في ملف فندق بلير والذي قضى بأداء المشغل تعويضا عن طرد العمال يقارب مليارا و300 مليون سنتيم، وهو الحكم الذي يراوح مكانه منذ 3 سنوات؟ الأمر واضح ولا مجال للتأويلات، يقول مجدي «تأكد لنا أننا مزعجون لأكثر من جهة بحكم أننا حريصون على إجبار المشغلين على الانضباط للقانون، الذي لم يحترم أبدا طيلة عقود، والمؤسف أن عددا من المشغلين كانوا يمعنون في تمريغ كرامة مستخدميهم من دون أن يكون لهؤلاء الحق في الاحتجاج، وإلا ما معنى أن يحرموا من كل ما ينص عليه القانون دون أن يكون بمقدورهم أن يصرخوا ملء أفواههم «اللهم إن هذا منكر»؟ وكيف تقف مؤسسات رسمية في موقف المتفرج والمفروض أنها وجدت لتحرص على تطبيق القانون؟ أليس هذا قمة التواطؤ مع مشغلين استفادوا من قروض مؤسسات عمومية وتسهيلات لبناء وحداتهم الفندقية؟ ثم لماذا لم تتحرك الأطراف الأخرى لمطالبة بحقوقها العالقة لدى الشركات المسيرة، والحال أن الأمر يتعلق بملايير السنتيمات الضائعة والتي لم يتم استردادها، وهي في النهاية أموال المغاربة، وتكفي الإشارة إلى نموذج فندق بلير، حيث حكمت المحكمة على مالكيه بأداء مبلغ 12 مليارا و500 مليون سنتيم للقرض العقاري والسياحي نظير القروض التي لم يتم سدادها، وحكمت أيضا لصالح صندوق الضمان الاجتماعي بمبالغ تصل إلى مليارين و200 مليون سنتيم، فضلا عن مليار و180 مليون سنتيم كمستحقات ضريبية؟ الواضح أنها ملفات أكبر تحتاج إلى من ينفض الغبار عنها، أما أن تلصق تهمة التسبب في احتضار مدينة ورزازات وركود نشاطها السياحي والسينمائي ب «كمشة» من فقراء يناضلون لأجل كسرة خبز يغطسونها في كوب ماء بدل الحليب لعل الحيلة تنطلي على أبنائهم، فالأمر يحتاج إلى إعادة النظر.. وربما سيكون منطقيا ما أثاره مصدر قريب من الملف حين تحدث عن غضب جهات عليا من وضع غير مشرف تعيشه مدينة اختيرت لتحتضن أبرز مشروع يراهن عليه المغرب وهو مشروع الطاقة الشمسية، ما جعل الأنظار تتجه إليها، ولا مجال لأي اختلال قد يعيق نجاح هذا المشروع الثوري، وربما كان ما حدث ليلة الجمعة مجرد سوء تأويل لتعليمات عجل بنسف معتقلات العمال إلى غير رجعة! سؤال أخير أثاره مصدر خبِر بعض تفاصيل القضية لا بأس من إثارته، هو هل الصدفة وحدها التي جعلت من يوم الجمعة 11 يناير موعدا لتنفيذ عملية تحرير المدينة ممن يشوهون صورتها؟ أم أنه موعد مقصود وكان لزاما أن تحسم الأمور يومين قبل تاريخ 13 يناير الذي أعلنت فيه «ثورة» تعم ربوع المملكة سرعان ما اتضح أنها أكذوبة انطلت على الكثيرين؟ سؤال ربما نجد له جوابا عند أولئك اللذين يصرون على تذكير أهل ورزازات، كلما سنحت الفرصة، بأن النقابة ومن يدورون في فلكها ليسوا سوى واجهة لجهات تخدم أجندات لا يروقها أن تنعم المدينة في سلامها.
حصيلة يوم دامٍ قدر تقرير أصدره المكتب المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل عقب أحداث يومي الجمعة والسبت عدد المصابين من مناضليها وبعض المواطنين، بالعشرات، وأغلبهم اختار البحث عن علاج للإصابات التي لحقته بوسائله الخاصة هربا من ملاحقات عناصر الأمن بمستشفى سيدي حساين، في حين حصرت عدد المصابين بإصابات خطيرة في 6 ضحايا يضاف إليهم الكاتب العام عمر أوبوهو، الذي اقتيد إلى دائرة الأمن وبعدها إلى المستشفى حيث قضى ليلة بسبب خطورة الإصابات التي أصيب بها على مستوى الكليتين والأضلاع، وإلى جانب أوبوهو اعتقل 4 أشخاص آخرين هم عبد المجيد بومليك والحسن أقرقاب، ومحمد جميلي وعماد عبد الله ووجهت إليهم تهم ثقيلة تتراوح بين التجمهر غير المرخص وإهانة موظفين عموميين وإهانة رجال السلطة والهجوم على سكن الغير، ثم تهمة إهانة هيئة منظمة وهي التهم التي حددت لها جلسة للبت فيها يوم 21 يناير المقبل، مع رفض ملتمس المتابعة في حالة سراح.