يبدو أن إعلان المغرب عن رفع تحفظاته على الاتفاقية الدولية لمحاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة قد أربك علماء المملكة، إثر الجدل الحاد الذي خلفه القرار، والذي تضمنته الرسالة الملكية التي تلاها المستشار الملكي محمد معتصم أمام أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في الأسبوع الماضي، بمناسبة الذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فقد عقد المجلس العلمي الأعلى، وهو هيئة علمية يرأسها الملك، اجتماعا طارئا أول أمس لمناقشة الموضوع، أصدر على إثره بلاغا قصيرا ومركزا بهدف إزالة اللبس الذي نتج عن إعلان رفع التحفظ عن الاتفاقية من قبل المغرب. وقال البلاغ: «إن المجلس العلمي الأعلى، بعد الاطلاع على مختلف الآراء التي راجت حول رفع المملكة المغربية لتحفظات بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، يؤكد أن هذا الإجراء الواضح لم يثر لدى العلماء ولا يجوز أن يثير لدى المجتمع أي تساؤل حول تمسك المغرب بثوابته الدينية وأحكام الشرع الواردة في القرآن الكريم، والتي لا مجال للاجتهاد فيها مثل أحكام الإرث وغيرها من الأحكام القطعية»، وأضاف البلاغ أن أمير المؤمنين هو «ضمانة المغاربة في التمسك بهذه الثوابت». وأوضح المجلس في نفس البلاغ أنه «يعتز بالتطور الاجتهادي الذي شارك فيه العلماء وعدد من الفاعلين الاجتماعيين على مستوى مدونة الأسرة، هذه المدونة التي اقتضت المصادقة على قانونها ملاءمة مضمونها مع قوانين دولية في الموضوع، وهذه الملاءمة، ولا شيء آخر، هي التي استدعت ما تم الإعلان عنه من سحب تحفظات في الموضوع». ولكي يزيل الغموض حول هذه القضية، قال المجلس في البلاغ الذي حمل توقيع كاتبه العام محمد يسف: «إن المغاربة يحمدون الله تعالى على أن ثوابتهم الدينية وأحكامهم الشرعية مكفولة بحراسة الإمامة العظمى الحريصة على موافقة مقاصد الشرع لكل ما هو مفيد لحفظ كرامة الإنسان في هذا العصر والملتزمة بشرع الله الذي هو فوق كل التزام». وجاء بلاغ المجلس إثر التصريحات والتصريحات المقابلة التي صدرت عن إسلاميين وناشطين في الجمعيات الحقوقية والنسائية، أعادت أجواء ما قبل «معركة المدونة» عام 2000 حينما انقسمت مكونات المجتمع المغربي حول الموضوع، مما أدى إلى تنظيم مسيرتين متعارضتين بكل من الرباط والدار البيضاء، قبل أن يحسم التدخل الملكي في الأمر ويتم تشكيل لجنة خاصة بالمدونة ترأسها الأمين العام السابق لحزب الاستقلال امحمد بوستة. وكشف مصدر ل«المساء» أن النقاش حول ملاءمة قوانين المغرب مع المواثيق الدولية، الذي توج برفع التحفظ عن باقي مواد اتفاقية محاربة التمييز ضد المرأة، لم يكن «طفرة مفاجئة» بل انطلق من وزارة العدل قبل عامين عندما تم تشكيل لجنة تقنية مكونة من ممثلي مختلف الوزارات في 26 يناير 2006 لدراسة مسألة الملاءمة، وأن تشكيل تلك اللجنة سبقه توجيه رسالة من الوزير الأول آنذاك إدريس جطو إلى وزير العدل في دجنبر 2005، يدعوه فيها إلى الشروع في دراسة قضية ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية. وفي تصريحات ل»المساء»، قال عبد العزيز النويضي، المحامي والناشط الحقوقي، إن قرار أي دولة برفع التحفظات عن اتفاقية معينة يتم من خلال مراسلة الأممالمتحدة في الموضوع، حيث يمكن لتلك الدولة أن ترفق قرارها بتفسير معين لبنود محددة رفعت عنها التحفظ، وفقا لاختياراتها، وقال إن هناك نوعين من الاتفاقيات الدولية، النوع الأول يقبل تحفظات الدول عليها، والنوع الثاني لا يقبل أي تحفظ مثل اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية. وفي تعليق على بلاغ المجلس العلمي الأعلى، الذي كان مفاجئا بعد حوالي أسبوع على قرار رفع التحفظ من قبل المغرب، قال العربي المودن عضو المجلس ل»المساء» إن البلاغ «جاء بعدما شعر المجلس بأن الموضوع أثار القلاقل، لذا أراد إزالة تلك القلاقل وطمأنة الرأي العام المغربي». وسبق لأحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء وعضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن صرح عشية تلاوة الرسالة الملكية للقناة التلفزية الأولى بأنه لا تناقض بين قرار المغرب رفع التحفظ وتطبيقه لمواد اتفاقية محاربة التمييز في ملاءمة مع خصوصياته، ما اعتبره المراقبون بمثابة حسم للنقاش حول القضية من قبل علماء المملكة. أما عبد الباري الزمزمي، رئيس «الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل»، فقد اعتبر، في تصريحات ل»المساء»، أن الأمر حسم منذ البداية بحديث الرسالة الملكية عن «المواد المتجاوزة» في الاتفاقية، مضيفا أن حق التحفظ يبقى محفوظا لأي دولة وأن «البنود يفسرها كل مجتمع حسب أعرافه».