خلقت صراعات كبيرة مع أسرة العدالة. كما أن أسلوبها الصارم في العمل لقي مقاومة كبيرة فغالبية أعضاء ديوانها تم تغييرهم أكثر من مرة بما في ذلك مدير الديوان، ومن اشتغلوا معها وصفوا طريقتها بأنها أكثر من سلطوية. كشفت مجلة «لوبوان» الفرنسية الأسبوعية في مقال صدر أول أمس الخميس، أن وزيرة العدل الفرنسية من أصل مغربي، رشيدة داتي، ستعلن قريبا عن هوية والد جنينها الذي أثار موجة كبيرة من التساؤلات والتخمينات والفرضيات في أوساط الرأي العام الفرنسي والصحفي وحتى السياسي. وأضافت المجلة في مقال مطول أن مقربين من رشيدة داتي أكدوا على لسان هذه الأخيرة أنها تعتزم الكشف عن هوية والد جنينها بعد وضع مولودتها الأنثى شهر يناير القادم، وأن «حياة جديدة في انتظارها بعد ذلك». وحسب ذات المعطيات، فقد كشفت رشيدة داتي لمقربين منها أن «حياة جديدة سوف تُهدى إلي، وسأكشف عن هوية والد طفلتي، وسننتقل نحن الثلاثة للعيش خارج فرنسا». من جهتها، أوردت مجلة «فواسي» أول أمس الخميس، أن التصريحات الأخيرة لرشيدة داتي التي نقلتها مجلة «لوبوان» هي تعبير صريح عن قرب نهاية داتي السياسية، وأن الوزيرة المقربة والمفضلة لدى ساركوزي، لم تعد تحظى برضا الرئيس الفرنسي. هذا، وقالت «فواسي» إن الأسبوع الذي من المنتظر أن تقضيه داتي في إجازة الأمومة، قد يتحول إلى تقاعد سياسي مبكر، قد يطال العمر كله، في وقت أفادت فيه مجلة «لوبوان» بأن رشيدة داتي مستعدة لتعيش حياتها الأسرية الجديدة بعيدا عن الأضواء بعد أن تكون قد وضعت مولودتها وغادرت فرنسا. إلى ذلك، تضيف مجلة «لوبوان» أن رشيدة داتي خلقت عداوات مجانية مع محيط الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ومن ذلك مستشاره الدبلوماسي في الشؤون الخارجية، حيث تفيد تقارير بأن وزيرة العدل الفرنسية تزور بشكل مستمر دولة قطر في إطار زيارات خاصة، وفي كل مرة ترغم السفير الفرنسي بالدوحة على استقبالها في مدرج المطار ولو حطت طائرتها في الثانية صباحا. وزادت ذات المعطيات أن داتي خلقت صراعات كبيرة مع أسرة العدالة خاصة مع القضاة والمحامين، وأن أسلوبها الصارم في العمل لقي مقاومة كبيرة في عقليات الاشتغال، و»أن غالبية أعضاء ديوانها تم تغييرهم أكثر من مرة بما في ذلك مدير الديوان، وأن من اشتغلوا معها وصفوا طريقتها في العمل بأنها أكثر من سلطوية، وأنها تستعمل كلمات نابية في حديثها مع مرؤوسيها»، بتعبير مجلة «لوبوان». رشيدة داتي على وشك الرحيل تتعرض رشيدة داتي اليوم إلى حملة غير مسبوقة من قبل الهيئات السياسية والقضائية والإعلامية بفرنسا التي تطالب دفعة واحدة برأسها، بعد أن كانت منذ عام ونصف العام من وصولها إلى مبنى وزارة العدل بساحة فاندوم تحظى بتقدير الجميع بسبب قربها من الرئيس نيكولا ساركوزي الذي غمرها بحماية سياسية خاصة. وتواجه داتي التي تعد إحدى الشخصيات المثيرة بفرنسا، ليس بسبب انحدارها من أصل مغربي فحسب بل لأنها تتبوأ واحدة من أهم الوزارات داخل الحكومة الفرنسية، أهم اختبار في حياتها السياسية على الإطلاق، وربما بات مصيرها داخل حكومة ساركوزي مسألة شبه محسومة قبل بضعة أسابيع من التعديل الحكومي الذي قد يتم على خلفية الانتخابات البرلمانية الأوربية. ومن النادر جدا أن تخلو جريدة فرنسية اليوم من مقالات أو تبويبات بعضها متحامل على وزيرة العدل وإصلاحاتها الهيكلية، والبعض الآخر فيه الكثير من التضخيم للحركات الاحتجاجية ضد سياستها. وتتشعب التهم الموجهة إليها وتتلاقى حاليا في افتقارها إلى رؤية ونهج واضح ومحدد في التعامل مع القضاء، وتغيير مواقفها من حالة إلى أخرى وفق المعطيات السياسية التي تخدم الرئيس الفرنسي بالدرجة الأولى ورغباته السياسية. وفي هذا الإطار يعاب عليها تعاملها بمهنية محدودة مع الجانب الخاص بإعادة النظر في الأحكام الصادرة ضد مرتكبي جنح محدودة وغير خطيرة، وتأييدها تارة للإفراج المبكر عن السجناء لتخفيف الوطء على المعتقلات، وتارة التشدد ضد القاصرين مما أفقد تحركها المصداقية الضرورية. ووسط تخمينات حثيثة بقرب رحيلها إما خلال التعديل الحكومي الجزئي المرتقب في بداية شهر يناير، وقد يشمل ثلاث إلى أربع حقائب وزارية، أو على أبعد تقدير، في حركة التغيير الواسعة التي ستشهدها الحكومة في فصل الصيف القادم، تواصل داتي بإصرار وعناد كبيرين مسيرتها «المجهولة» بين الدائرة السابعة التي نصبتها عمدة لها في انتخابات مارس الماضي، تسهر مع أعضاء المجلس على تدبير الشأن المحلي، وبين جدران المحاكم والسجون تتلمس الإصلاحات المحتملة في قطاع ظل حبيس الإهمال منذ عدة عقود. وهي تبدو اليوم من شدة المضايقات كمن يسير بدون دليل إداري أو سياسي في وزارة كانت إلى حدود منتصف القرن العشرين تنتقي من بين الوافدين عليها من قضاة ومدعين عامين ومحامين، أولئك المحسوبين على طبقة النبلاء أو الفئات جد الميسورة. ولا تجد داتي من مؤازر سوى رئيس الحكومة الأسبق، جان بيرر رافران، الذي دعا خصومها إلى التوقف عن مطاردتها: «دعوا داتي تقوم بعملها، فمن غير المنصف أن نوجهها إلى جحيم الإصلاحات وننتقدها في نفس الوقت لأنها تقوم بذلك».