لم تكن سنوات 1965 و1981 و1984 و1990 محطات عادية بالنسبة إلى التاريخ السياسي للمغرب الحديث، لكونها عرفت أكبر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، نتجت عنها مقابرُ جماعية ما يزال البحث في هويات الجثث التي دُفنت فيها إلى اليوم، دون التوصل إلى الحقيقة بخصوصها.. ورغم أن أحمد حرزني، الذي تسلم مشعل هيئة الإنصاف والمصالحة بعد وفاة إدريس بنزكري، قد أعلن أن سنة 2008 ستكون آخرَ سنة لتطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وطيّ الملفات المستعصية التي عرفتها "سنوات الرصاص" فإن التاريخ أظهر أنْ لا أحد يستطيع أن يقدّم سقفا زمنيا لحل تلك الملفات غير الفاعلين الذين ساهموا في تلك الأحداث الذين لا يزالون يتحكمون في دواليب السلطة. وما زالت كثير من عائلات المعتقلين تتوق إلى معرفة حقيقة دفن أبنائها، رغم مرور أزيدَ من أربعة عقود على مقتلهم من خلال إجراء تحاليل الحمض النووي على الرفات، لكن الجهات المسؤولة عن متابعة حلّ الملف أصبحت تقترح على العائلات التحريات الأنثربولوجية عوض التحليلات الجينية من أجل معرفة الحقيقة. ورغم معرفة الجميع لمكان المقابر الجماعية في كل من الدارالبيضاء وفاس والناظور والسمارة وقلعة مكونة، فإن هذا الملف ما يزال يحتاج إلى قرار سياسيّ من أجل عملية شاملة لإخراج الرفات وتحديد هوية كل قبر على حدة من أجل الطيّ النهائي لهذه الصفحة المؤلمة من تاريخ المغرب. المقبرة الجماعية لأحداث 65 في الدارالبيضاء عرفت مدينة الدارالبيضاء، أيام 22 و23 و24 مارس 1965، حوادثَ خطيرة نتيجة ما عرف بانتفاضة التلاميذ، الذي خرجوا إلى الشارع احتجاجا على قرار وزير التعليم آنذاك يوسف بلعباس، القاضي بطرد التلاميذ الذين لم يلتحقوا بصفوف الدراسة في السن القانونية من المدارس والثانويات وحرمانهم من اجتياز امتحان شهادة الباكالوريا. وقد خرج التلاميذ إلى الشوارع من ثانويتي محمد الخامس والخوارزمي، اللتين كانتا تضمان نواة الحركة التلاميذية آنذاك، احتجاجا على القرار الحكوميّ، لكن قوات الأمن واجهتهم بكثير من البطش والقوة، ما أدى إلى دخول عائلاتهم على خط الاحتجاجات في محاولة لحماية أبنائهم، فنتجت عن تلك الأحداث -التي دامت لمدة ثلاثة أيام- حصيلة ثقيلة لم يتمّ الإعلان عن حقيقتها في حينها، وأظهرت التحريات التي قامت بها هيئة الإنصاف والمصالحة أنه قد تم دفن50 جثة بطريقة سرية في مقبرة الشهداء ليلا من طرف السلطات المحلية دون تحديد هوية أصحابها.. واستمرت تلك الأحداث، التي كان يتابع عملية التعامل معها كلٌّ من قوات الأمن والجيش الجنرال أوفقير من على متن مروحيته، التي كانت تحلق على علو منخفض فوق جميع أحياء الدارالبيضاء، ليتأكد أن قواته تنفذ التعليمات التي صدرت لها بإطلاق الرصاص على المواطنين، الذين كانت تسود بينهم حالة من الغضب الشديد تفجّرت في شكل أعمالِ عنف استهدفت ممتلكات عمومية. وقد دفعت تلك الأحداث التي عرفتها البلاد الملكَ الراحل الحسن الثاني إلى الاتصال بالزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد من أجل تشكيل حكومة لإنقاذ الوضع، لكن تلك المفاوضات لم تنجح بين الطرفين، ما دفع الملك الراحل -شهرين بعد الأحداث الأليمة التي عرفتها البلاد- إلى إعلان حالة الاستثناء، التي علق بمقتضاها العملَ بالدستور وتم حل البرلمان في 7 يونيو 1965، واستمر ذلك الوضع لمدة خمس سنوات.. وكان من النتائج المباشرة لهذا الوضع السياسي الاستثنائي، الذي ركّز جميع الصلاحيات في يد الملك بعد تجميد المؤسسات الدستورية محاولة الانقلاب الفاشلة الأولى التي جرت في 10 يوليوز 1971. المقبرة الجماعية لأحداث 81 في الدارالبيضاء لم تحدد التحريات التي قامت بها هيئة الإنصاف والمصالحة حول المقبرة الجماعية التي اكتشفت في ثكنة المطافئ، القريبة من مقبرة الشهداء، هوية 77 ضحية الذين توفوا يوم 20 يونيو 1981 خلال الأحداث الأليمة التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء، ولم تتمكن اللجنة الثلاثية التي أشرفت على عملية التحليل الجينيّ، والتي تكونت من وزارة العدل، ممثلة في مديرية الشؤون الجنائية، ووزارة الداخلية، ممثلة في المختبر الوطني للشرطة العلمية، والقيادة العليا للدرك الملكي، من خلال المختبر الجيني للدرك الملكي، من الوصول إلى هوية الضحايا، رغم أنها أخذت عيّنات من رفات الضحايا وعينات جينية من العائلات التي ما زالت تبحث عن الحقيقة إلى اليوم. وقد اندلعت الأحداث الأليمة ليونيو 1981 إثر اتخاذ الحكومة -في ظرفية دولية ومحلية صعبة- قرارا غيرَ مدروس بالزيادة في أثمنة المواد الغذائية الأساسية، ما دفع الطبقات الاجتماعية الفقيرة إلى الخروج للاحتجاج إثر الإضراب العامّ الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل يوم 20 يونيو، بعد يومين فقط من إضرابٍ مماثل دعت إليه نقابة الاتحاد المغربي للشغل، لتندلع احتجاجات اجتماعية عنيفة غير مسبوقة في تاريخ المغرب.. ولم ينجح قرار الحكومة بالتراجع عن بعض الزيادات التي تم إقرارها في التخفيف من احتقان الشارع، الذي خرج إليه المواطنون للاحتجاج، فواجهتهم قوات الأمن بعنف كبير وغير مسبوق، من خلال إنزال الدبابات إلى الشارع واستعمال الرصاص الحيّ ضد المتظاهرين، الذين قدّرت المعارضة عددهم آنذاك بالمئات، فيما أعلن وزير الداخلية القويّ آنذاك أن عدد القتلى خلال تلك الاضطرابات الاجتماعية وصل فقط إلى 66، نافيا أمام الصحافة الأجنبية أن يكون بينهم من توفوا بالرصاص الحيّ. دُفن الضحايا، الذين وصل عددهم إلى 77، بشكل جماعيّ يومين بعد الأحداث الأليمة، بقرارات من السلطات المحلية في سرية تامة داخل ثكنة الوقاية المدنية في الحي المحمدي، قبل أن يتم اكتشاف الرفات من خلال تحريات هيئة الإنصاف والمصالحة استنادا إلى محاضر الشرطة وسجلات المستشفيات ومستودع الأموات الذي نقل إليه الضحايا، وما زال المدفونون في هذه المقبرة الجماعية مجهولي الهوية إلى اليوم.