سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المقابر المنسية.. حكايات مؤلمة من تاريخ الاختطاف في سنوات الرصاص مناضلون وأناس عاديون اختطفوا وتمت تصفيتهم بدم بارد في العديد من مواقع اللاعتقال السري عبر تراب المملكة
في 7 يناير 2004 اعتقدت كثير من عائلات ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب أنّ الدولة بتنصيبها هيئة الإنصاف والمصالحة قد قررت الطيَّ النهائي لهذا الملف الثقيل، الذي ظل يؤرّق العائلات ويمثل إحراجا حقيقيا للدولة في الخارج، غير أن القرار السياسي الشجاع الذي اتخذه الملك محمد السادس بتصفية الإرث الحقوقيّ الثقيل الذي وجده بعد تسلمه السلطة اصطدم بمقاومة قويّة من فاعلين أساسيين في «سنوات الرصاص» كانوا ما يزالون داخل مربع السلطة ويخشون أن تطالهم المحاسبة إذا تم الكشف عن الحقيقة، خاصة أن قناعة راسخة تكوّنت لديهم بأنهم ارتكبوا تلك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من أجل الحفاظ على النظام وضمان استمرارية الدولة.. لقد كُتِب لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة، كمبادرة جريئة طالما طالب بها الفاعلون في المجال الحقوقي لمعرفة حقيقة ما جرى خلال «سنوات الجمر»، أن تحقق بعض النجاح في الكشف عن حقيقة بعض الملفات وتعويض الضحايا الذين كانوا ما يزالون على قيد الحياة وعائلات الضحايا الذين قتلوا بدم بارد تحت التعذيب داخل أقبية المعتقلات السرية والمراكز الأمنية، لكنْ دون أن تتمكن من كشف الحقيقة حول ما تعرَّضَ له كثير من الضحايا الذين تنتظر عائلات بعضهم منذ أزيد من 40 سنة لمعرفة قبورهم لتزورهم وتترحّم عليهم وهي مطمئنة إلى أنّ رفات أبنائها يرقد في سلام تحت تلك الكومة من التراب التي حدّدتها تحريات الهيئة. أنهت هيئة الإنصاف والمصالحة عملها وأصدرت تقريرها النهائيّ، دون أن تتمكن من كشف الحقيقة ولملمة جراح كثير من العائلات التي ترفض أيَّ تعويض مادي من الدولة وتطالب فقط بالحقيقة في ملابسات اختطاف وقتل أبنائها وحول المكان الذي تم فيه إخفاء الرفات ذاتَ مغرب كان يمكن فيه الانتماء إلى جمعية أو حزب سياسيّ أو تنظيم نقابي أن يُوديَّ بحياة صاحبه دون يعلم أحد الجهة التي قتلتْه أو الطريقة التي قُتل بها، ورغم أن الهيئة لم تكشف عن الحقيقة كاملة فإنها، في المقابل، أقرّت بشكل كامل بمسؤولية الدولة عما وقع من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال «سنوات الرصاص»، التي عرفتها البلاد. ورغم أن الهيئة تلقت آلاف الطلبات من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من أجل جبر الضّرر المادي أو الكشف عن الحقيقة، فإن كثيرا من العائلات ظلت متوجسة من المبادرة ولم تستطع أن تتقدم من أجل المطالبة بالحقيقة في ملف ابن أو أب أو قريب، مخافة أن يأخذوا بجريرته.. ولم يصدق كثيرون أن الأمر يتعلق بمبادرة من أعلى سلطة في البلاد من أجل طيّ ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي خيّمت على مغرب الستينيات والسبعينيات والثمينيات، في سياق سياسيّ عرف كثيرا من المدّ والجزر بين مختلف فاعليه. وتبقى الانتهاكات الأكثرُ إيلاما التي تحتاج إلى كشف حقيقتها هي المتعلقة بالانتهاكات التي ارتكبتها بعض أجهزة الدولة خلال الاحتجاجات الاجتماعية، من خلال استهداف سكان داخل منازلهم، وإطلاق الرصاص الحي عليهم، وكل ذنبهم أنهم تركوا نافذة مفتوحة أو شمعة موقدة أثارت حنق شباب كانوا ينفذون أوامر رؤسائهم بشطط ظاهر.. والأكيد أن البلاد قد اجتازت مراحلَ مهمة في مجال التخلص من ملفات الماضي، إلا أن هناك ملفات مازالت عالقة كحجر في الحذاء، تمنعنا من السير بصفة عادية وتشوّش علينا من حين إلى آخر، لذلك فالأمر يتطلب قرارا سياسيا جديدا لحلّ جميع الملفات التي ظلت عالقة، من خلال الكشف عن الأرشيفات الحقيقية لمختلف المعتقلات السرية وإظهار الحقيقة للعائلات من أجل مصالحة وطنية حقيقية، يعقبها طيٌّ هادئ وكامل لصفحة الماضي بعد قراءتها برَويّة.