حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - أكدت مرارا، على هامش هذا الحوار، أن جذورك العائلية ساهمت في تحديد توجهاتك السياسية والفكرية؛ كيف ذلك؟ يجب أن تعرف أن أصول عائلة الحبابي من جبال الريف، وهذا أكده لي صديقي العالم الإثنولوجي والجغرافي الفرنسي من أصل روسي، غريغوري لازاريف. أما عائلة والدتي، أم كلثوم بنكيران، فهي من أصول يهودية، لأن عائلة بنكيران من كبرى العائلات الأندلسية اليهودية التي أسلم عدد من أفرادها في وقت من الأوقات. وقد تزوجت والدتي بوالدي وأنجبت منه 16 بنتا وولدا، مات اثنان منهم في وقت مبكر وبقي 14 إخوة ماتت منهم أختي حورية، والدة فيصل العرايشي في حادثة سير قبل بضع سنوات. هؤلاء الإخوة ال14 تجد، من خلال ملاحظة فيسيولوجية لملامحهم، تنوعا فريدا؛ فمثلا أختي البكر، مفتاحة، لون شعرها أصهب مثل سكان السويد. أيضا لي أختان بشعر أشقر وعينين خضراوين، وأخي الدكتور حسن له ملامح أندلسية، أما أخي سعيد فهو فرنسي الملامح ويشبه إلى حد كبير الممثل الفرنسي جيرار فيليب. - ما علاقة هذا باختياراتك السياسية؟ لقد سقت لك هذه الأمثلة لأقول إن عائلتي، ومن خلالها الشعب المغربي، اجتمعت فيها كل الأجناس التي وُجدت أو تجاورت أو تعاملت مع المغرب المتوسطي المنفتح، من فينيقيين ورومان وبيزنطيين وقرطاجيين ووِندال وعرب وأفارقة ويهود، وغيرهم من الإثنيات والثقافات. لقد كان المغرب دوما، وبحكم موقعه الاستراتيجي، ملتقى لكل القوميات والحضارات التي عبرت حوض البحر الأبيض المتوسط، لذلك فإن قوة وعمق المغرب في تنوعه وتسامحه وتثاقفه مع الآخر.. هذا التنوع هو الذي لعب دورا في اختياراتي السياسية والفكرية الديمقراطية والمنفتحة على الآخر. من ناحية أخرى، استطاع والداي تعليم كل هؤلاء الأبناء، وهم يحتلون اليوم أحسن المواقع العلمية والاجتماعية. مرة، عدت من فرنسا، عندما كنت طالبا، فوجدت أن أمي قد ازدان فراشها بطفل رابع عشر، هو أخي مامون، فقلت لها: أمي كفاك أطفالا، فأجابتني ضاحكة: «أممم مكتعرفشي بّاك». لقد أصبح أخي مامون هذا أستاذا للاقتصاد بكلية الحقوق بالدار البيضاء، وله أزيد من عشرة مؤلفات في مجال الاقتصاد والمجتمع والأدب. لقد كان والدي ووالدتي يبذلان قصارى جهودهما لتربية كل هؤلاء الأبناء وتعليمهم وتحمل مشاكلهم، فبالرغم من أن أبي كان تاجرا للأثواب في فاس ثم أصبح له «هري» لبيع الحبوب، فقد كان أحيانا يكتفي بأكل بيضة في الزيت، ليوفر لإخوتي ظروفا جيدة للعيش والدراسة وتهذيب الذوق. كان والدي يحب أغاني أم كلثوم، وقد اشترى غرامفون، حين كان عمري سبع سنوات، فجمعنا: أمي وأختي مفتاحة وأخي حسن وأنا، وشغّل أغنية «مالي فتنتُ بلحظك الفتَّانِ»، ومن يومها وأنا أعشق أم كلثوم إلى الآن. - كيف كانت علاقتك بأمك؟ أمي أنجبت 16 ابنا وبنتا توفيت منهم بنتان، الأولى بعد ولادتها بخمسة أيام، والثانية اسمها أمينة، وقد كانت، وهي ابنة أربع أو خمس سنوات، تنهض فجرا وتذهب قرب صهريج مائي بوسط منزلنا في فاس تم تُؤذن وتشرع في الصلاة، وكان «باسيدي» يحبها كثيرا وعندما ماتت تألم كثيرا. لكن أمي لم تحزن في حياتها مثلما حزنت إثر موت أختي حورية (أم فيصل العرايش، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة) في حادثة سير، بحيث كان كلما ذكر أحدهم اسم حورية في حضورها إلا وتنتابها حالة بكاء. يوم وفاة أمي كانت في بيت أخي عمر، فذهبت لزيارتها، وقد كنت أحاول أن أطمئنها على صحتها عندما أمسكت بطرف سترتي وقبلته، وهي تقول لي: الله يرضي عليك يا وليدي، وبعد حوالي ربع ساعة توفيت. أنا أحببت امرأتين في حياتي: أمي وزوجتي. لكني أحببت أمي أكثر. - ما قصة زواجك من زوجتك الفرنسية أندري رولي André RAULAIS؟ عندما كان عمري عشر سنوات تقريبا، ازدادت لعمي أحمد، الذي كان متزوجا من أخت ادريس السلاوي (مستشار الحسن الثاني)، ابنة اختير لها من الأسماء ثريا، وكانت في صحة جيدة، فدخل جدي لأبي «با سيدي» إلى «الدخشوشة»، وهي المكان الذي تلد فيه المرأة، وطلب أن يؤتى له بالميزان، وعندما وزن الطفلة حديثة الولادة ووجد أن وزنها جيد، قال: ثريا لسيدي محمد. كبرت أنا وكبرت ثريا حتى بلغت 18 سنة وبدأ الخطاب يطلبون يدها ولاسيما ابن خالها عزوز السلاوي، فرفض والدها ووالدي تزويجه منها بدعوى أنها متزوجة مني منذ اليوم الذي رأت فيه النور. اتصل بي أبي في الموضوع، وكنت حينها طالبا في فرنسا، فقلت له اتركوا ثريا تتزوج، أما أنا فسوف أقترن بامرأة فرنسية، وهكذا تزوجت ثريا من عزوز السلاوي وتزوجت أنا من André RAULAIS وكان عمرها 18 سنة. - كيف وقع اختيارك على زوجتك الحالية؟ عندما وصلت إلى باريس سنة 1948، تعرفت على شابتين الأولى كانت تقطن في شارع فوش قرب الشونزيليزيه، وهو من أكبر شوارع باريس، وكان لأسرتها قصر على ضفاف نهر لالوار (أطول نهر في فرنسا)؛ والثانية هي زوجتي الحالية André RAULAIS التي تعرفت عليها في شارع سان ميشيل في باريس، وقررت أن ارتبط بها لأن والدها كان موظفا بسيطا في بنك فرنسا ومناضلا بالحزب الاشتراكي الفرنسي، وأمها كانت تشتغل حارسة عمارات في فترة اعتقال والدها من طرف القوات النازية أثناء احتلال فرنسا من طرف هتلر. وقد وجدت أن هذه الأسرة تتحدث لغتي السياسية، وكان والدها يصحبني معه إلى المظاهرات.