قلما تحدث مرشد جماعة العدل والإحسان عن نفسه، وقلما انفردت طيلة العقدين الماضيين وسيلة إعلام بحوار مع عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان باستثناء قناة «الحوار» عندما استضاف عزام التميمي، أحد وجوه الحركة الإسلامية بلندن، الشيخ ياسين قبل بضع سنوات في لقاء مطول أذيع يومها وتحدث فيه عبد السلام ياسين عن وقفات من حياته كشفها لأول مرة . كانت أهم فقرات ذلك الحوار عندما هاجم عبد السلام ياسين طقوس البيعة ووصفها ب«الصلاة للملك»، شرح ياسين بعضا من أسباب رفض لقاء الحسن الثاني لأن «الحديث إلى الملك يقتضي منك أن تقبل اليد والرجل والكتف وأن تسجد وتركع... وأنا غير مستعد لهذا». وأكد عبد السلام ياسين أنه لم يكن مستعدا لأداء طقوس البيعة التي قال عنها: «كيف يصلي الناس للملك... هناك صلاة خاصة في الحفلات فيها ست ركعات... يركعون أمام الملك.. وأنا لم أكن مستعدا لهذا... «الله يبارك في عمر سيدي» ويركعون... والناس في لباس أبيض.. وعلية القوم الحكام والمفوضون والجيش كل الناس يلبسون اللباس المخزني.. كلهم يركعون للملك وكأنهم في محراب». تحدث عبد السلام ياسين عن حضوره الاحتفالات الشعبية التي شهدها المغرب بعد عودة محمد الخامس من المنفى، وتحدث نقلا عن من أسماهم بالمطلعين على الدخائر أن محمد الخامس «كان رجلا شعبيا، مؤمنا، يصلي وهذا عنوان للصلاح والخير، أما الآخرون فالله أعلم». وأوضح أنه في هذه الفترة لم يكن له اهتمام بالسياسة، ثم تحدث عما أسماها «اليقظة القلبية»، وبحثه في كتب الصوفية، وعن التحول الذي أحدثه كتاب صغير طرح لديه سؤال «القرب من الله، ابحث عن رجل يدلك على الله، فبدأت في العزم، كنت يومئذ عولت وعزمت على الانتقال والبحث عن هذا الرجل أينما كان في العالم، في الهند أو أندنوسيا أو المالاوي... أينما كان...» وأضاف ياسين موجها اللوم إلى كثير من الدعاة الذين يفتقرون إلى «النفحة الصوفية» التي تؤكد أن «الحياة لا تساوي شيئا إذا لم أعرف طريقا إلى الله»، وذكر ما تعرض له رجالات الصوفية الحقيقية من قبل البعض من تكفير، وقال إن محمد المختار السوسي تحدث عمن تضيق حويصلتهم عن الأمر، ووصف من يتحدث عنه بسخرية في طلبه «القرب من الله» بما تقوله العرب «ويل للخلي من الشجي». وتحدث عبد السلام ياسين عن كيفية التقائه بشيخه العباس «والد شيخ الزاوية البوتشيشية الحالي حمزة البوتشيشي» أول مرة بعد عودته من مهمة تربوية بالجزائر كلف فيها بتأطير مفتشين من الجزائر، كخبير في تكوين المفتشين، وعن مكوثه مع الشيخ العباس ثلاثة أيام بلياليها بوجدة، ووصف عبد السلام ياسين الشيخ العباس بكونه «رجل فقير مسكين لا تظهر عليه أبهة ولا استعلاء، متواضع غاية التواضع». وتحدث عن علاقته بالزاوية البوتشيشية، وعن صلته بالشيخ حمزة الشيخ الحالي للزاوية، ووصفها ب«الصلة الحميمة» وتحدث عن فقراء الزاوية الذين يندفعون «مع الحال والجذبة... حيث كانوا يتعبون في الجذبة وينامون عن صلاة الصبح، وكنت ألومهم... فسموني عبد السلام الشريعة، فكانوا يكرهونني»، وتحدث عن السبب الثاني في الاختلاف بينه وبين الزاوية البودشيشية الذي سماه «الميل للسلطان». وتحدث ياسين عن قصة كتابته لرسالة «الإسلام أو الطوفان» بعد عزمه توجيه «كلمة حق عند سلطان جائر» وعن خشيته من أن ينال الزاوية بطش المخزن نتيجة رسالته، وعن توجيهه رسالة إلى الشيخ العباس ملخصها توديع الزاوية خوفا عليها، وتحدث عن صديقيه محمد العلوي وأحمد الملاخ، وعن طريقة كتابته للرسالة في فقرات عكس الكتب الأخرى التي يكتبها باسترسال دون توقف، وتحدث عبد السلام ياسين عن اقتنائهم مطبعة صغيرة يصففون فيها الحروف حرفا حرفا، ثم الطبع بعد ذلك». وتحدث ياسين كذلك عن طريقة توزيع الرسالة عبر البريد من البيضاء وسطات ومدن أخرى، وعن انتقائهم عناوين مثقفين من دليل الهاتف. ثم بعد ذلك توجيه الرسالة للملك «عبر البريد عن طريق عامل مراكش آنذاك». وذكر ياسين برد الفعل الأول للسلطة، إذ تم إدخاله إلى مستشفى مرض السل، وتحدث عبد السلام ياسين بتأفف عن الأوضاع المزرية والقذرة لمستشفى الأمراض الصدرية حيث تعمد المسؤولون إسكانه رفقة مرضى السل حتى تنتقل إليه العدوى، وبعد أن قضى فيه سنة ونصف تم بعد ذلك نقل إلى مستشفى الأمراض العقلية حيث أقام لمدة سنتين حسب تعبير «ياسين» معزولا في «دخشوشة» حيث كان يرى عند ذهابه للاستحمام مرة في الأسبوع الكثير من «المجانين، كنت أرى من المشاهد ما تقشعر له الجلود، برد وإهمال وأوساخ». وتحدث ياسين عن ردود الأفعال من الرسالة «بعض الناس قرؤوا الرسالة، وبعض الناس ردوها إلي في البريد، وكثير من الرسالة وقع في أيدي البوليس بعد أن خرجت من السجن ذهبت عند القوم- يقصد الأمن- وطلبت منهم استرجاع بعض النسخ لكنهم رفضوا إعطائي أي نسخة، وهذه النسخ لها قيمة تاريخية نظرا لطريقة طبعها». وأثناء دخوله مستشفى الأمراض الصدرية الذي أمضى فيه سنة ونصف كشف عبد السلام ياسين أن الملك الراحل الحسن الثاني طلب لقاءه عن طريق «كوميسير» يدعى «المنجرة»، لكن «ياسين» رد على «المنجرة» قائلا: «إذا كان الملك يريد أن يتحدث إلي، فليبعث لي برجل عاقل»، فكان جواب الملك هو نقل عبد السلام ياسين مباشرة إلى مستشفى المجانين.