حسنا فعلت سلسلة «إبداعات عالمية» الكويتية التي قدمت لنا في كتابها الشهري الجديد «مختارات من الشعر الإيراني الحديث»، والكتاب من ترجمة وتقديم الشاعر والمترجم الإيراني موسى بيدج، الذي نشرنا له قبل يومين حوارا أجراه معه الشاعر الزميل حسن الوزاني في إسطانبول. وكان الوزاني قد تحدث لي عقب مشاركته في ملتقى إسطانبول الشعري، عن جهود هذا الشاعر «الفارسي» الذي يصدر مجلة باللغة العربية من طهران، ويدافع عن اللغة العربية ،بل إنه قام بالملموس وبجهود فردية بترجمة نخبة من أشعار الشعراء العرب المعاصرين إلى الفارسية، حتى يكون جمهور الشعر في بلاد فارس على بينة مما يحدث من حركة إبداعية في العالم العربي. وأذكر أنه قبل سنتين كنت قد التقيت في الشارقة بنخبة من ألمع الفنانين التشكيليين الإيرانيين في معرض أقامته حكومة الشارقة ضمن برنامج دائرتها الثقافية، وكانت الجماعة تضم خليطا من تجارب في الفن المعاصر وفي فن المنمنمات الإيرانية المشغولة بدقة عالية، وبعراقة ضاربة في جذور الثقافة الفارسية التي نعرف بعض ملامحها من خلال «مثنوي» جلال الدين الرومي أو من خلال أشعار السهروردي، أو من خلال الكتاب الجميل الذي قدمه إلى القارئ العربي المترجم المغربي محمد اللوزي الذي نقل إلى العربية كتاب الشاعرة الإيرانيةالشابة فروغ زاد التي قضت نتيجة حادث سيارة وهي في بداية شبابها. لكن زيادة على اللقاءات التي جمعتني برسامين وفنانين إيرانيين ومبدعين وسينمائيين، من خلال متابعتي اليومية لاحتفالية أسبوع الثقافة الإيرانية في قناة القصباء المائية في خور الشارقة، فإني قد تعرفت على كثير من الوجوه الأدبية العربية من أصول إيرانية، والذين يكتبون ويبدعون وينتجون النص الأدبي بمرجعية عرفانية بالغة الحضور. من بين أهم الشعراء الإيرانيين المعاصرين الشاعر الإيراني أحمد شاملو، وهو يعد رائد شعراء قصيدة النثر في إيران، كما يمكن ذكر الشاعر سهراب سبهري، وأحمد رضا أحمدي، وعدد آخر من الشعراء. وأجد أن العديد من الشعراء الشباب في الإمارات وفي بلاد الخليج العربي ممن يتكلمون الفارسية بطلاقة، قد تأثروا بهذا المعدن الشعري النفيس، الذي نجد فيه ترددات إشراقية في غاية الصفاء. ولا شك أن الأستاذ محمد اللوزي له المعرفة الدقيقة بهذا العالم، الذي نسميه بالعالم الفارسي، فهو قد درس قبيل الثورة الإيرانية أيام الشاه في طهران، وعاش يوميات الثورة الإيرانية ومجيء الخميني إلى الحكم، وأصبح العديد من أصدقائه الطلاب ضمن جهاز الثورة الحاكم، وأعتقد أنه أحسن من يعرف الثقافة الفارسية حق المعرفة. وفي دبي كنت حريصا على حضور المعارض الإيرانية، وعلى الاقتراب من أماكن وجودهم، ولقد وجدت في «السوق الإيراني» وهو مكان معروف في الشارقة، مأهول بالتجار الإيرانيين، المكان المثالي لفهم أشعار جلال الدين الرومي وتلميذه شمس الدين التبريزي، الرجل الذي قلب حياة «مولانا» رأسا على عقب. من قصيدة جميلة للشاعرة الإيرانية فروغ زاد نقرأ: الطائر صغير الطائر لا يفكر الطائر لا يقرأ الجريدة الطائر ليس عليه دين الطائر لا يعرف الناس الطائر آه كان طائرا فقط.