اللهم لا حسد. لكنني كلما رأيت قوافل السيارات التي تجوب شوارع المملكة، أتساءل: من أين يأتي الناس بكل هذه النقود؟ واحدة تنسيك الأخرى: «كاتكات»، «هامر»، «جاغوار»، «فيراري»، روفر»،... وسيارات أخرى «مفزعة» من الصعب على «بوجادي» مثلي أن يحدد «ماركتها»، لكنني متأكد من أنها تساوي الملايين. أين يشتغل مالكوها؟ ولماذا لا يدلوننا على الحفرة التي يستخرجون منها الأموال كي نملأ لنا حقيبة أو حقيبتين؟ أحيانا، يكفي أن تنقل بصرك من «معرض» السيارات إلى الرصيف، حيث جيش من المتسولين والمعاقين والمدمنين، كي تفقد أعصابك وتشتم وتردد أن أصحاب السيارات الفخمة كلهم لصوص وأبناء لصوص، سرقوا مستقبل أبناء الشعب وأحلامهم وحولوها إلى سيارات يتباهون بها في الشوارع بمنتهى النذالة. مع احترامنا الكبير لمن كدّ وعرق وجمع «ثروة حلالا»، وهم موجودون، بارك الله في رزقهم، لكنهم يشكلون أقلية صغيرة، وسط اللصوص وسارقي الصفقات العمومية ومبيِّضي الأموال وبياعي الحشيش وأثرياء «الريع» الذين لم يكفّ عبد الإله بنكيران عن تهديدهم، وفي النهاية اكتفى بأن «ضرب الطر» لبعضهم و»قلّز من تحت الجلابة» للآخرين، عبر نشر لائحة ل»مأذونيات النقل» وأخرى ل»مستغلي مقالع الرمال» تحتاج إلى فقيه محنك كي يفك طلاسمها... مشهد آخر يجعلك تفقد أعصابك: مئات الآلاف من المهاجرين يفنون أعمارهم في حقول الآخرين و»زبالاتهم» كي يرسلوا العملة الصعبة إلى البلاد -علما بأن تحويلات المهاجرين من أهم موارد الاقتصاد المغربي- لتأتي حفنة من الانتهازيين كي تهرب هذه العملة إلى الخارج، تضعها في حساباتها المصرفية أو تشتري بها عقارات في العواصم الأوربية، دون حسيب أو رقيب. أفهم أن يملك مقاول كبير، له معاملات تجارية دولية، بيتا في إسبانيا أو باريس أو لندن، لكنني لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لموظف في الدولة أن يقتني عقارا في إحدى العواصم الأوربية، علما بأن إخراج «الدوفيز» يخضع لضوابط صارمة، ومن خرق القانون من المفروض أن ينتهي في السجن. عندما تغادر إلى الخارج، يسألك دائما موظف عبوس في المطار: «واش عندك شي حاجة تصرح بها؟»، ولا يتردد في مصادرة بعض الأوراق النقدية من مسافرين بسطاء، إذا زادت عن قيمة المبلغ المسموح به، والسؤال المطروح: هل يفعل موظف الديوانة «الصارم» الشيء ذاته مع الجميع أم إنه «يكشر» فقط في وجوه المسافرين البسطاء، وعندما يكون المسافر وحقيبته من «العيار الثقيل» يستقبله بابستامة عريضة، كما تقتضي تعلميات الرئيس والمدير؟ عدد موظفي الدولة الذين يملكون عقارات في الخارج يدل على تفشي تهريب «العملة الصعبة»، على نحو يكبد الاقتصاد المغربي خسارات ثقيلة. ومؤخرا فقط، كشفت الصحف عن شقتين في أرقى دوائر العاصمة الفرنسية يملكهما علي الفاسي الفهري، مدير «المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب» وزوجته ياسمينة بادو، وزيرة الصحة السابقة والقيادية في حزب الاستقلال. ولا يسعنا إلا أن نتساءل عن الطريقة التي تم بها اقتناء العقارين، خصوصا أن مالكيهما يتقاضيان رواتبهما بالدرهم وليس بالأورو، في المغرب وليس في فرنسا. عنوان الشقتين معروف (في الدائرة الثامنة من باريس، إحدى أرقى وأغلى المناطق في فرنسا)، فهل يملك وزير العدل شجاعة فتح تحقيق في القضية، مادام تهريب العملة جريمة يعاقب عليها القانون أم إن تجربته المحبطة مع مزوار وبنسودة ستجعله يغض الطرف عن الموضوع، تنفيذا لسياسة «كم حاجة قضيناها بتركها» التي باتت تتقنها حكومة عبد الإله بنكيران؟ إذا كانت الحكومة تملك رغبة حقيقية في الإصلاح، فإن القضية تستحق أن يسلط عليها الضوء، من خلال فتح تحقيق قضائي، لأن بادو والفاسي الفهري ليسا سوى الشجرة التي تخفي الغابة. أشخاص كثيرون في المغرب، يشتغلون في القطاع العام، ويملكون شققا في الخارج، بطرق غامضة. لست شيوعيا، لكن تعجبني كثيرا أغنية زياد الرحباني عن الفقراء والأغنياء: «شو ها الايام»، والتي يقول في نهايتها: «كل المصاري اللي مضبوبة// اللي ما بتنعد ولا بتنقاس// اصلها من جياب الناس مسحوبة// ولازم ترجع لجياب الناس// هي دي هي هي دي هي الأصلية»... هناك أصل واحد لكل هذه الفوارق، و»الثورة سببها الحرمان»، مثلما ظل يردد «المحروم» كارل ماركس، كي لا أقول «المرحوم» وأتوصل برسائل غاضبة من القراء، كما حدث مع عمود الأسبوع الماضي.