منذ سنوات قليلة والمغرب يعيش بدون قانون للصحافة، إذ في الوقت الذي يرى الكثير من الممارسين في هذا المجال أن القانون الحالي أصبح متجاوزا، نتيجة التقدم الملموس الذي شهده واقع الإعلام في بلادنا، يدعو آخرون إلى صياغة قانون حديث لتأطير المهنة يتجاوب مع هذا التقدم الذي حققه القطاع. ذلك أن القانون الحالي المعمول به تسجل عليه مفارقة بين الواقع العملي والإطار التشريعي، فقد حقق واقع الصحافة المكتوبة في المغرب «اختراقات» نوعية وكمية طيلة السنوات الفائتة، وكثير من الموضوعات والقضايا التي كانت تنعت بأنها طابوهات لم تعد كذلك في الممارسة الصحفية اليومية، وأصبحت الصحافة تنبش في زوايا كانت معتمة في الماضي من قبيل المؤسسة الملكية أو الدين الإسلامي مثلا، بيد أن هذا الاختراق لم يحصل لأن القانون وسع من هامش حرية التعبير والرأي في الصحافة، بل حصل بسبب ضغوط المحيط الدولي وانفتاح الممارسة الإعلامية بشكل عام على النطاق العالمي، ودخول شبكة الأنترنت كعامل ساعد أكثر على توسيع هوامش الحريات بالنسبة للصحافة المكتوبة، لأن السقف الذي جاءت به الشبكة أظهر هبوط سقف الصحافة الورقية ودفعها إلى بذل مجهود للارتفاع عنه قليلا، وهكذا استفادت الصحافة المكتوبة بطريقة غير مباشرة من الشبكة. وبالرغم من هذه الاختراقات التي حققتها الصحافة بما صار متجاوزا للقانون الذي يؤطر المهنة، إلا أن تلك الاختراقات حصلت في سياق «تسامح» من طرف الدولة تجاه الصحافة وغض للطرف في العديد من الحالات، بيد أن ذلك التسامح ظل دائما ظرفيا ويسير طردا وعكسا مع التطورات السياسية الداخلية، بحيث يمكن في أي وقت تحريك فصول ذلك القانون من أجل إصدار عقوبات في حق بعض المنابر الصحافية أو الحكم على صحافيين بالإكراه البدني، سواء نسبة إلى قانون الصحافة كما حصل بالنسبة لعلي المرابط أو نسبة إلى القانون الجنائي كما حصل بالنسبة لرشيد نيني. لقد كان مطلب تعديل قانون الصحافة الحالي، أو وضع قانون جديد بالمرة يؤطر المهنة ويأخذ بعين الاعتبار التحولات الجديدة داخليا ودوليا، مطلبا قائما منذ سنوات عدة، إلا أنه بات أكثر ملحاحية وراهنية بعد الدستور الجديد الذي أفرد بابا خاصا للحريات والحقوق الأساسية، من الفصل 19 إلى الفصل 40 منه، ونص بكل وضوح في الفصل 28 على أن حرية الصحافة مضمونة «ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية»، وأن للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية، ومن غير قيد «عدا ما ينص عليه القانون صراحة»، كما أشار ذلك الفصل إلى تشجيع السلطات العمومية لسبل تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، ووضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به، مع الالتزام بما يحدده القانون من قواعد تهم تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها، وضمان الاستفادة من هذه الوسائل، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي. ولا شك أن التقارير الدولية الصادرة عن بعض المنظمات والهيئات الحقوقية والمدنية حول حريات الصحافة والإعلام أصبحت تدق ناقوس الحذر من استمرار التنكيل بحرية التعبير في المغرب، وتضعه في مرتبة دنيا في قائمة البلدان التي تشهد ممارستها الصحافية والإعلامية هامشا من الحرية أوسع، بحيث يلاحظ في التقارير الأخيرة، الصادرة مثلا عن منظمة مراسلون بلا حدود أو منظمة هيومن رايتس ووتش، أن المغرب يتراجع على سلم الحريات الإعلامية سنة بعد أخرى. وينتظر الكثيرون أن تعمل الحكومة الحالية على إخراج قانون جديد للصحافة، تم التبشير به مرات عدة مع الحكومات السابقة دون أن يرى النور، لكن رب ضارة نافعة، لأن السياق الحالي بالمغرب بعد الدستور الجديد مغاير للسياقات السابقة التي طرح فيها هذا المطلب من طرف الجسم الصحافي والإعلامي. ويأمل الكثيرون في أن يكون القانون الجديد المؤطر للمهنة أكثر ديمقراطية وأكثر توسيعا لمجال الحريات ورفعا للطابوهات والمحظورات، بحيث يساهم الإعلام والصحافة في تطوير النقاش العمومي حول العديد من القضايا، وأن يرتقي كذلك بالممارسة الإعلامية نحو تكريس المزيد من المهنية والمسؤولية ومحاربة الطفيليات.