لعله خلافا للتنبؤات عن سقوط نظام الأسد في غضون أسابيع أو في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيا، فإن الوضع في سوريا آخذ في التعقد. كلما مرّ الوقت اتضحت أكثر فأكثر بضعة أمور مركزية في الحرب الأهلية بين الثوار والنظام السوري. أولها عدم الوضوح والغموض حول أولئك الثوار؛ فليس واضحا في المعارضة السورية من يقودها، وإلى أين يريد ان يقود سوريا بعد أن يسقط نظام الأسد. فضلا عن ذلك، كلما مرّ الوقت اتضح أكثر فأكثر أنه في أوساط الثوار توجد محافل خارجية لا صلة لها بالشعب السوري. ويدور الحديث عن جماعات من الإرهاب الدولي، بعضها تحت تعريف القاعدة، بعضها منظمات سلفية ومنظمات إسلامية متطرفة أصولية. مسيحيون ودروز وأقليات أخرى يخشون مما يختبئ خلف تلك المنظمات، لا يتعاونون معها. من الجهة الأخرى، نرى الجيش السوري الذي يعتمد هيكله القيادي على الطائفة العلوية. وهم يفهمون أن الخسارة في هذه الحرب ضد الثوار يمكن أن تكون حكما بالإعدام، ولهذا فإنهم يقاتلون في واقع الأمر في سبيل حياتهم. الصراع بين جماعات الثوار تلك وبين جنود الجيش السوري والنظام يجري تقريبا في كل المناطق في سوريا. ومؤخرا نرى قتالا مشابها، جنوبي القنيطرة، في منطقة قرية بير العجم. فقد دخل الثوار إلى ذاك الفاصل الذي بين الاستحكامات المتقدمة للفرق السورية وبين الحدود الإسرائيلية. وعليه، فأثناء إطلاق الجيش السوري النار عليهم، والذي تم بخبرة غير عالية، سقطت بعض القذائف في الأراضي الإسرائيلية. ردُّ الجيش الإسرائيلي كان متزنا وسليما، فقد أوضح للسوريين ليس فقط أن عليهم أن يحرصوا على ألا يطلقوا القذائف داخل الأراضي الإسرائيلية، بل وشخص لهم الفجوة الهائلة بين التكنولوجيا التي يستخدمها الجيش السوري وبين وسائل الجيش الإسرائيلي. يوم الثلاثاء، عندما سقطت قذيفة طائشة لمدفع سوري مرة أخرى في الأراضي الإسرائيلية، أطلقت حظيرة دبابات مركفاه قذائف فأصابت مدفعا، وأغلب الظن أنها تسببت في عدد من الإصابات في الطرف السوري. آمل ألا ينجر الجيش الإسرائيلي هنا، وألا يجر الجيش السوري إلى تبادل لإطلاق النار، يبدو عندنا بداية أنه غير إشكالي، ولكنه سيصبح لاحقا أمرا عاديا قد يتطور إلى أمور غير مرغوب جدا فيها. في هذا الشأن يجب الحذر جدا، وذلك لأن النظام السوري يمكن أن يفهم أن لديه إمكانية لخلق زخم حرب ضد إسرائيل. ويمكن لهذا أن يساعدهم لأن إسرائيل لا تزال هي العدو رقم واحد لسوريا، وسيكون أسهل عليهم دعوة الشعب إلى الاتحاد حول الحكم في الحرب ضد العدو الصهيوني. يبدو أن الثوار حذرون كي لا يقعوا في خدمة الأسد في هذا الموضوع، وحتى الآن لا يبدو أن الحكم السوري يعمل في هذا الاتجاه، ولكن يمكن بالتأكيد أن يحصل تطور كهذا لا ترغب فيه إسرائيل. وبالنسبة إلى ردّ صباح الأربعاء، ينبغي الحذر من الدخول إلى استراتيجية بموجبها كل قذيفة تسقط في الأراضي الإسرائيلية تؤدي إلى رد إسرائيلي يمس بجنود سوريين، وذلك لأن الصورة قد تتغير كلها. توجد في إسرائيل أصوات يمكن أن يفهم منها أن لدينا توقعا بأن يسقط نظام الأسد وأن يستولي الثوار على الحكم. أعتقد أنه من ناحية إسرائيل نظام الأسد أفضل من الثوار الذين لا يعرف أحد ما الذي يختبئ خلفهم، ونحن لا نعرف على أي دولة سنحصل بعد أن يستولوا على الحكم. ومن خلال تجربتي، أعرف أنه بشكل عام خطوات من هذا النوع لا تحسن وضعنا ولا تجعل المنطقة أكثر هدوءا، بل العكس. نحن نرى ذلك في أماكن عديدة، حين تغير الحكم في أعقاب الربيع العربي في الدول بمنطقتنا والواقع هناك بات أكثر عداء لإسرائيل. مصلحة إسرائيل، دون الخروج في تصريحات عن ذلك، هي أن يبقى الحكم العلوي في دمشق. صحيح أنه توجد نقطة واحدة تشكل بالنسبة إلينا عقبة في نظام الأسد، وهي الجسر الذي يستخدمه هذا النظام بين إيران وحزب الله. ولا يزال الوضع يمكن أن يكون أسوأ بعد تغيير الحكم. سوريا بقيادة بشار الأسد هي صاحبة حكم، دوافعها هي دوافع قومية وليست دينية أصولية. وليس أقل أهمية من ذلك: نحن نعرف على ما يدور الحديث، ونحن نعيش مع هذا النظام منذ عشرات السنين، بنجاح وبهدوء نسبي. عن «يديعوت»