حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - في أكتوبر 1972، كانت الكتلة الوطنية على وشك الاتفاق مع الحسن الثاني على تشكيل الحكومة، لولا أن الملك غضب إثر الطريقة التي خاطبه بها عبد الله ابراهيم في أحد اللقاءات؛ ما الذي جرى بعد ذلك؟ في اللقاء الذي جمع عبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي وعبد الله ابراهيم بالحسن الثاني، قال عبد الله ابراهيم للملك: لقد تركنا لك ثلاث وزارات لتختار من يكون على رأسها، وهنا أمسك الحسن الثاني برأسه وقال: «أنا فهاد البلاد ما تنسوا غير 3 د الوزارات؟»، وأضاف قوله: لنعد إلى المقترح الأول، أي أن يكون الوزير الأول من خارج الكتلة وأن يشارك «الاتحاد» و«الاستقلال» بوزراء في الحكومة دون رئاستها. وقد حاول عبد الرحيم بوعبيد أن يلطف الأجواء عندما خاطب الملك قائلا: أنت هو كل شيء في البلد، لكن الحسن الثاني بقي مصرا على رأيه. عندما عاد الثلاثة من الاجتماع مع الحسن الثاني وأخبرونا بما دار فيه علق المحجوب بن الصديق Il a fait tilte، أي أن الحسن الثاني أسقط بيده. - هل كان الحسن الثاني يريد، فعلا، أن يترأس عبد الله ابراهيم حكومة 1972، وليس علال الفاسي أو عبد الرحيم بوعبيد؟ فعلا، لقد كان الحسن الثاني يعرف أن النقاشات داخل الكتلة تصب في اتجاه أن يقود أحد هؤلاء الثلاثة الحكومة، وكنت قد اقترحتُ أنا عبد الرحيم بوعبيد، وهو الأمر الذي لم يعترض عليه علال الفاسي وبوبكر القادري؛ فيما اقترح الدويري أن يكون علال الفاسي هو من يتولى رئاسة الحكومة وقد وافقه بوستة الرأي؛ أما المحجوب بن الصديق فلم يكن يرى أحدا أحق بهذا المنصب غير عبد الله ابراهيم، وطبعا رأي المحجوب كان يطمئن إليه الملك ومحيطه. - من أخبرك بأن الحسن الثاني كان يميل إلى تنصيب عبد الله ابراهيم وزيرا أول بدل علال الفاسي أو عبد الرحيم بوعبيد؟ قبل شهر أبريل 1972، كان الحسن الثاني قد أرسل إليّ أنا وعلال الفاسي، كل منا على حدة، من يقنعنا بالتوافق على شخصية عبد الله ابراهيم، حيث بعث أوفقير إلى علال الفاسي، وقد حكى لنا الأخير، أنا وعبد الرحيم بوعبيد، أمرا سأحكيه لأول مرة في حياتي، فقد أقسم أوفقير لعلال الفاسي بأغلظ الأيمان أنه لم يقتل المهدي بنبركة. من جهة أخرى، بعث إلي الحسن الثاني كلا من الدليمي وادريس البصري، اللذين زاراني في بيتي بأكدال ذات مساء، حوالي العاشرة. وأذكر أنني قدمت إليهما زجاجة ويسكي، اعتدت أن أقدمها إلى نوع خاص من ضيوفي، وكانت القارورة ممتلئة بما يزيد على النصف. وعندما امتد بنا النقاش إلى ساعة متأخرة من الليل، وجدت أن الدليمي، ومن فرط اندفاعه وتحمسه في الحديث، أتى على قارورة الويسكي بمفرده، حيث لم أشرب معه أنا ولو كأسا واحدا، فيما لم يكمل البصري كأسه الأول، فبعث الدليمي سائقه ليحضر له قارورة أخرى. ولم يخرج الدليمي من بيتي، حوالي الرابعة صباحا، إلا بعد أن أتى على قارورة الويسكي الثانية بكاملها. - ما الذي أثاره الدليمي والبصري معك في هذا اللقاء؟ أخبراني بأن الوضع في المغرب غير واضح. لقد كانا يشكان في أن الجنرال أوفقير سوف يقود انقلابا. - هل تحدثا عن أوفقير بالاسم؟ لا، لكنهما لمّحا إلى ذلك، لأن لا أحد كان بإمكانه أن يقود انقلابا في المغرب غير الجيش وهو بيد أوفقير. في تلك الليلة، طلب مني الدليمي والبصري التعاون مع الملك، لأن الاتحاد الوطني، حسب قولهما، له حضور شعبي جماهيري، لكن قد يتم استغلاله من طرف جهة معادية للشعب وللملك. المهم أنني أكدت لهما أن الكتلة الوطنية تمد يدها دائما إلى الملك، فأجابني الدليمي بأن التعاون يجب أن يبدأ باختيار شخص يطمئن إليه الملك أكثر، وطلب مني إقناع عبد الرحيم بالموافقة على عبد الله ابراهيم. نقلت مجريات هذا اللقاء إلى أعضاء الكتلة، لكن بقي شيء واحد لم أخبر به أحدا، باستثناء عبيد الرحيم بوعبيد، وهو أن ادريس السلاوي، مستشار الحسن الثاني، كان قد أخبرني بأنه اتفق مع محمد عبد الرزاق، الذي كان نائبا للمحجوب بن الصديق في الاتحاد المغربي للشغل، على أن يكون عبد الله ابراهيم وزيرا أول. - بأية صفة تم الاتفاق مع عبد الرزاق على مثل هذا الأمر، وهو لم يكن عضوا ضمن القيادة الثُّمانية للكتلة الوطنية؟ كان يتفاوض باسم جناح المحجوب بن الصديق وعبد الله ابراهيم. - ماذا كان رأيكم داخل الكتلة الوطنية في تولية عبد الله ابراهيم منصب الوزير الأول؟ عندما أخبرت عبد الرحيم بوعبيد بما أخبرني به ادلايس السلاوي، أجابني قائلا: أحمق.. أحمق. ما الذي عساه يفعله مولاي عبد الله. أما علال الفاسي فلم يكن يهمه الشخص، ونفس الشيء بالنسبة إلى بوبكر القادري الذي كان رجلا طيبا، أما الدويري وبوستة فلم يكونا ليقبلا بغير تولية شخصية استقلالية منصب الوزير الأول. - بعد أن غضب الحسن الثاني على عبد الله ابراهيم، حين قال له الأخير إننا سنمنحك ثلاث وزارات، اقترح عليكم الملك المشاركة في الحكومة دون قيادتها؛ ماذا كان ردكم؟ اجتمعنا، في اليوم الموالي للتداول في الأمر، دون حضور عبد الله ابراهيم الذي لم يعد يهمه أن يجتمع معنا بعد أن عرف أنه لن يكون وزيرا أول، فلم يكن يهم عبد الله ابراهيم غير أن يصبح وزيرا أول. وقبلنا مقترح الحسن الثاني بأن نكون مجرد أعضاء في حكومة هو الذي يختار من يرأسها، وأوفدنا علال الفاسي وبوبكر القادري إلى الديوان الملكي، حيث التقيا بكريم العمراني، الذي كان حينها وزيرا أول، ليصدمهما بأن الملك سمى الوزير الأول وهو بصدد تشكيل الحكومة. وفي 20 نونبر 1972، أعلن الحسن الثاني حكومة برئاسة صهره أحمد عصمان.