إدريس الملياني وإذا بكل الديار والأفكار التي طالما عادوها ما لبثوا أن قصدوها أو بعثوا إليها برسائل الهوى تلو الجوى والصبابة والوجد، تصريحات وتلميحات، وما زالوا غرماء، يطرقون بابها، وقلبها، وينشدون قربها، وحبها، ويخطبون ودها ويطلبون يدها، حتى قالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر، بعدما كالوا لها من الشتائم والسباب «عدد الرمل والحصى والتراب» وعلى قدر التوب من الذنب يأتي أجر الثواب بغير حساب، أو كما قال زهير بن أبي سلمى «نشاوى، واجدين لما نشاءُ» وما خفي أفرح «من مناد» ملبَّى النداء وأمرح من مجاب الدعاء، وأصرح من معاد وما «من مجيب» بعدُ إلا بردّ الشاعر اليشكري أيضا : يخلطون البريء منا بذي الذنب ولا ينفع الخليَّ الخلاءُ ولا يزال سوادنا الأعظم، السياسي والثقافي، بين من يراهم بالعين الراضية الكليلة عن كل ما فيهم من سوء وعيب وذنب، ومن ينظر إليهم بالعين الساخطة التي لا تبدي منهم سوى المساوئ والعيوب والذنوب، ومن يفتح العينين معا «على كثير ولكن لا يرى أحدا» كالشاعر دعبل الخزاعي، أو الوائلي القائل للملإ من سوادنا الأعظم، الثقافي المتشفي حينا والسياسي الشامت أحيانا والمتشائل في أفضل الأحوال : أيما خطة أردتم فأدّوها إلينا تَشفى بها الأملاءُ أو سكتّم عنّا فكنّا كمن أغمض عينا في جفنها الأقذاءُ وفي مرات أخرى كثيرات مسرورات ومريرات يكتفي سوادنا الأعظم، الثقافي والسياسي، بمراقبتهم والنظر إلى بعض وجوههم الأجيرة، المديرة والسفيرة والوزيرة، قائلا مع الشاعر سلم الخاسر : «فاز باللذة الجسور» أو متمثلا قول أستاذه بشار بن برد : «وفاز بالطيبات الفاتكُ اللهِجُ» وأما من «لم يظفر بحاجته» فقد «مات غما» ولم يظفر منهم حتى بجميل العزاء وقليل الرثاء. وبانتصار الشيخ غودو وانتظار المهدي الذي لن يأتي لم يبق إلا السادة الوزراء والسفراء ومن في قاعة الانتظار ليوحدوا ويقودوا نضال اليسار الذي لم يعودوا ينظرون إليه إلا بعيون المصالح والجيوب، ولم يعد حتى يسار الأحزاب ينظر إليهم إلا كأصحاب اليمين ، بعد أن غادروا ساحة الشرف وغدروا بسلطة المثقف العضوي، المناضل الذي أرسلوه بالبريد المستعجل السريع والمضمون على عنوان «المثقف السلطوي»، وبالتالي فإن جميع «المناضلين» المتحولين الموالين والمحتالين والمختالين، لاسيما من «إخواننا الأراقم» ورفاقنا «الناطقين المرقشين» كالديماغوجيين الكلبيين القدامى والبيداغوجيين الذئبيين الجدد، كم صالوا وجالوا، ثم دالوا وذلوا وما قالوا بالأقل كمعروف بن عبد الرحمان مثل هذا الاعتراف أو النقد الذاتي الجميل : لكل دهر قد لبست أثؤبا حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا أملحَ لا لذّاً ولا محبّبا ومن هؤلاء المثقفين المتحولين المحتالين والسياسيين المتطاوسين المختالين، واليساريين الثوريين الموالين المداهنين والمهادنين، والخائنين جميعا، لا تخلو كل «الجاهليات» الخاليات والحاليات وحتى التاليات. وكم يجلو حقيقة هؤلاء الجاهليين القبائليين الكلبيين القدامى والذئبيين الجدد قول شاعر الحكماء وحكيم الشعراء أبي العلاء المعري: ولما دالت العرب، اغتصاباً، وأضحت جلّ طاعتها دِهانُ وعادت جاهليّتها إليها فصارت لا تَدين ولا تُدانُ سطوتَ ،،...... .......إلخ وهلم جرا إلى اليوم، منذ أول جرة جاهلية رآها مقفرة عائذ بن يزيد اليشكري أيضا : إذا جاوزت مقفرة رمتني إلى أخرى كتلك هلم جرا.. شاعر