إدريس الملياني ليس كل تصريح صحافي، سياسي أو ثقافي، بريئا براءة الذئب السياسي من دم الشعب، ولا براءة اعتراف الحمل الثقافي بالحب. ومن الحب ما قتل شعوبا وقبائل شتى، عشية كل أزمة، سياسية، وغداة أية غمة، ثقافية، على سبيل النفاق الأخلاقي، الكثير النظائر والأشباه في أحوال المجتمع والناس وأهوال الطقس المتقلب، الأجواء والأهواء، القابلة للاختزال في قول الشاعر الجاهلي الحارث بن حلزة اليشكري الوائلي: أجمعوا أمرهم عشاء فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاءُ وفي أبيات هذه المعلقة المتعلقة بالحرب والسلم الكثير من الأقوال المنطبقة على معركة اليوم، الدائرة الرحى الطاحنة أربابَ المذاهب واللحى، بيضِها وسودِها، وأصحابَ الشوارب، مُرْدِها ومُلْطِها، حتى باتوا فرادى وجماعات على قدر من الانتهاز سواء، في طلب المناصب وابتزاز المال العام، كالبزّاز في أسواق البيع والشراء وكل نوع من الريع السريع الثراء، فضلا عن الإجهاز على ما تبقى من جمال النضال السياسي وأفضال النضال الثقافي أو بصريح الإشارة وصريخ العبارة ما تبقى من «فعال الرجال» _ وحتى النسا_ على حد قول الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سلمى الذي لا يروم منه غير السؤال عن حال الرجال ومآل النساء: وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء؟! ومن رهط «إخواننا الأراقم» ورفاقنا «الناطقين المرقشين «بعض كتابنا وأصحابنا وأدبائنا وأصدقائنا أو أعدائنا الذين ما من صداقتهم بد كما قال المتنبي ومن يراد لهم أن يكونوا من وجهائنا وأعياننا وحتى من زعمائنا الذين يصرحون بقول ويلمحون إلى فعل آخر، ليس على سبيل التقية فقط، والديبلوماسية الثقافية والسياسية فحسب، وإنما من قبيل «التصريح» بكلمات الحق التي لا يراد بها غير «التلميح» إلى الباطل الخفي التجلي والجلي الخفاء، على حد قول شاعر المعلقة : وأتانا من الحوادث والأنباء خطب نُعنى به ونُساءُ إن إخواننا الأراقم يَغلون علينا في قيلهم إخفاءُ ومن تلك الأخبار، المكشوفة الأسرار، التي لم يتقادم عليها العهد بعد، حوادث أو كوارث شتى الخطوب، ما زلنا معانين منها ومحزونين ومعنيين بها ومشغولين، ومذهولين، وقائلين مع الشاعر الجاهلي الوائلي عنها وعن أولئك «الزعماء» الزاعمين المتكلمين باسم سوادنا الأعظم، الثقافي والسياسي، المسلم القياد لهم، والواثق «بخطتهم» الحربية والحزبية، زمنا طويلا وجميلا على كل حال : زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا وأنّا الولاءُ من مناد ومن مجيب ومن تَصهال خيل خلال ذاك رُغاءُ كانوا فعلا أصحاب «خطة» قولا وعملا، ثقافيا وسياسيا، ونضالا وجمالا، ولكنهم بين حكومة وضحاها ألقوا بها وراءهم ظهريا وحتى «يساريا» وأصبحوا من ضحاياها، الذين ضحوا من أجلها واعتقلوا في سبيلها، ثم «تحولوا» من جنس إلى آخر، أو خرجوا من جسم ودخلوا في أجسام أخرى، أسرع من أبطال وأفلام الخيال العلمي، أو خيال الشاعر الجاهلي عروة بن الورد، النبيل الصعلكة، الذي أبدع في وصف المعركة ضد هؤلاء «المناضلين» المتحولين والمحتالين جميعا منذ وزع جسمه وطعامه على الفقراء وبات جائعا قائلا «أقسم جسمي في جسوم كثيرة». ولا غرو بالتالي أن يحتالوا ويتحولوا من الالتزام بتلك «الخطة» النضالية والجمالية، التي كانت مشروعا إبداعيا واجتماعيا، لكل ذي قلم وألم وحلم وقضية، إلى الإفتاء بتحريم ما حللوا وتحليل ما حرموا متعللين ومتذللين وقائلين بلسان شاعر الحرب والسلام : واعلموا أننا وإياكم في ما اشترطنا يوم اختلفنا سواءُ عجبا! ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ ما إن خرجوا من الحبس حتى ابتهجوا كامرئ القيس هذا السجين الطليق الخؤون دون شك للطريق والرفيق : وفككنا غلّ امرئ القيس عنه بعدما طال حبسُه والعناءُ شاعر