تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، في الآونة الأخيرة والتي عبر فيها عن الحاجة إلى مواجهة ضربة السايبر الإيرانية ضد أهداف أمريكية، رفعت إلى السطح ما يجري في إيران في الزمن الأخير من نشاط متفرع لبناء قدرة دفاعية وهجومية في مجال السايبر. ووجد هذا النشاط تعبيره حتى الآن في عدد من الهجمات التي وقعت مؤخرا. ويخيل أننا نوجد في ذروة معركة سايبر واسعة النطاق تحاول فيها إيران ضرب أهداف مختلفة، كرد على العقوبات التي تفرض عليها وهجمات السايبر التي تتعرض لها. في الجانب الدفاعي، تعمل إيران على تحقيق هدفين مركزيين: الأول، الدفاع عن الشبكات الحيوية والمعلومات الحساسة ضد هجمات سايبر مثل هجمة (Stuxnet) التي ضربت برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني؛ الثاني، صد وإحباط نشاطات في مجال السايبر من جانب محافل المعارضة للنظام، يشكل بالنسبة إليهم رافعة مركزية للإعلام، نشر المعلومات وتنظيم النشاطات ضد النظام. في هذا السياق، ينبغي أيضا تناول البرنامج الإيراني لإنتاج شبكة اتصالات مستقلة ومنعزلة. وينخرط العنصر الهجومي ضمن عقيدة القتال غير المتماثل، الذي يشكل مبدأ مركزيا في مفهوم استخدام القوة الإيراني، فقتال السايبر يعد في نظر إيران أداة ناجعة وفاعلة تتيح الإضرار بشكل ذي مغزى بعدو ذي تفوق عسكري وتكنولوجي. ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية تستثمر إيران نحو مليون دولار في تطوير وشراء التكنولوجيا وتجنيد وتأهيل الخبراء. ويتعلق الاستثمار الأول بتأهيل وتطوير القوة البشرية. في الدولة توجد شبكة متفرعة من مؤسسات التعليم والبحث الأكاديمي تعنى بمجالات تكنولوجيا المعلومات، هندسة الحواسيب والاتصالات، ولا شك أنه توجد في إيران قوة بشرية خبيرة للعمل في هذا المجال. عدد الأحداث التي انكشفت في السنوات الأخيرة وفي هذه الأيام يبين أن إيران تعمل منذ الآن هجوميا؛ فخلال عام 2011 نفذ هجومان على شركات موردة لبرامج حماية. وكانت أبرزها شركة (DigiNotar) من هولندا؛ فمخزونات الشركة، التي كانت السلطة المركزية في هولندا لبرامج الحماية في الأنترنيت، تعرضت للهجوم في منتصف 2011. وفي الهجوم، سرقت شهادات توثيق المواقع بما فيها في مجال (google.com) الذي يسمح بإعادة توجيه خدمة البريد (gmail)؛ وأضر الهجوم بنحو 300 ألف حساب في إيران، وكان يستهدف -أغلب الظن- احتياجات المتابعة والأمن الداخلي في الدولة. ومؤخرا، انكشف هجومان آخران: على مؤسسات مالية كبيرة في الولاياتالمتحدة وعلى حواسيب شركة النفط السعودية أرامكو والذي كان هجوما فتاكا على نحو خاص، حيث تضررت المعلومات التي كانت في 30 ألف حاسوب. ينبغي، لتطوير قدرات السايبر الإيرانية والهجمات الأخيرة، أن تقلق الولاياتالمتحدة، وبالطبع إسرائيل أيضا؛ فنجاح الهجوم على حواسيب أرامكو يجب أن يكون باعثا على القلق، لأن منظومات الدفاع العادية لا توفر حماية ضد التهديدات المركزة وغير المعروفة. وعليه، فيجب تطوير أدوات يمكنها أن توفر الحماية في وجه مثل هذه التهديدات. وكان الهجوم يستهدف أساسا تدمير المعلومات بشكل جارف، ودون تمييز في عشرات آلاف حواسيب شركة النفط السعودية، وبقدر أقل (إذا كان على الإطلاق) من أجل جمع المعلومات. وإذا كان بوسع النشاط الاستخباري في مجال السايبر أن يعتبر شرعيا، فإن هجوما واسع النطاق كهذا من جانب إيران على هدف مدني يشكل انتقالا لإيران إلى أعمال الرد. زخم النشاط الإيراني في مجال السايبر يستدعي تنظيما دفاعيا مناسبا، فإلى جانب الدفاعات العمومية، مطلوب أيضا نشاط دفاعي يستند إلى الاستخبارات، ومطالبة إسرائيل بأن تضع مجال السايبر الإيراني في مكان عال في اهتمامها الاستخباري ونشاطها الإحباطي، وذلك من أجل الاكتشاف المسبق لشبكات تعمل على الهجمات وإحباطها في الوقت المناسب. وعلى نحو يشبه البرنامج النووي الإيراني، فإن التحدي ليس فقط لدولة إسرائيل، بل ولدول عديدة أخرى في الغرب، وكذا في دول الخليج. وعليه، تجب المبادرة إلى التعاون الدولي الواسع قدر الإمكان في مجال الاستخبارات وإحباط أعمال السايبر الإيرانية. عن «معاريف»