عاد الاحتقان ليسيطر على أحياء أرض الدولة ببني مكادة بطنجة بعد الإعلان، أول أمس السبت، عن وفاة المعتقل أحمد السقام اللنجري، الذي أفرغ من منزله بالقوة، رفقة أفراد أسرته والبالغ عددهم 13 شخصا، وهو الحدث الذي أشعل نيران الاحتجاجات في مقاطعة بني مكادة، فيما أمر وزير العدل الحريات مصطفى الرميد، مباشرة بعد إعلان وفاة الضحية، بفتح تحقيق حول حيثيات الوفاة وملف الإفراغ. ورغم أن التقرير الطبي الرسمي، الصادر عن المشرحة العمومية في طنجة، اعتبر أن وفاة الضحية البالغ من العمر 54 سنة كانت طبيعية نتيجة إصابته بمرض السرطان ومشاكل في الجهاز التنفسي، فإن ذلك لم يقنع السكان الغاضبين الذين حملوا الأمن مسؤولية وفاته. ونشبت شرارة الاحتجاجات، من جديد، في أحياء أرض الدولة وساحة «تافيلالت» و«مبروكة» وأحياء أخرى من بني مكادة، حيث أغلقت مجموعات شارع مولاي سليمان المؤدي إلى ساحة تافيلالت بواسطة حواجز حديدية، حيث تم منع مرور السيارات قبل التحقق من هوية أصحابها، وظل المحتجون يرددون هتافات تتوعد ما أسموه «المخزن» بالانتقام. ووقفت «المساء» على وضعية المنطقة التي تحولت إلى منطقة ممنوعة على عناصر الأمن، وظل المحتجون الغاضبون ينتظرون قدوم الأمنيين، حاملين الهراوات والأسلحة البيضاء والحجارة، من أجل ما اعتبروه «الانتقام للشهيد أحمد السقام»، كما بات يوصف. من جهة أخرى، نجا دركي، أول أمس السبت، بأعجوبة من الموت ذبحا بعدما تم توقيفه من طرف سكان المجموعات المسيطرة على أحياء بني مكادة، وهو يقوم بتصوير المحتجين الغاضبين، وقد أقيمت للدركي «محاكمة شعبية» على حد وصف عاقديها، قضت ب«إعدامه». وحسب رواية شهود عيان، فإن مجموعة من السكان رصدوا شخصين بزي مدني يقومان بتصوير المحتجين، فقام العشرات بمطاردتهما فوق أسطح المباني، إلى أن تمكنوا من توقيف أحدهما بينما فر الآخر، وأثناء تفتيش الشخص الموقوف تم العثور على بطاقته المهنية، والتي تشير إلى كونه دركيا برتبة رقيب، ولم ينج الموقوف من الضرب المبرح بواسطة الهراوات، قبل أن يتم اقتياده إلى ساحة تافيلالت حيث أجريت له ما وصفت ب»المحاكمة الشعبية»، وصدر القرار بإعدامه. واقتيد الدركي إلى وسط إحدى الساحات، حسب رواية شهود عيان، وتم استقدام أسلحة بيضاء لتنفيذ حكم الإعدام «ذبحا» في حقه، لولا أن نزاعا نشب بين المجموعات المسيطرة على الحي، حول طريقة إعدامه، حيث اقترح البعض ربطه إلى جذع نخلة والقيام برجمه «ليتمكن الجميع من الثأر منه». وربط الغاضبون الدركي المذكور وهو بين الحياة والموت إلى جذع نخلة بساحة تافيلالت وشرعوا في ضربه بالعصي والحجارة، لكن تدخلا من طرف شخصين من قدماء سكان المنطقة، يوصفان بأنهما من «حكماء» بني مكادة، ينتمي أحدهما للتيار السلفي، أنهى فصول هذا الحدث، حيث تمكنا من إقناع الغاضبين بأن الدركي نال ما يستحق، ولا معنى لإعدامه، وقام الاثنان بحمله على متن دراجة نارية وسلماه لثكنة عسكرية قريبة وهو بين الحياة والموت، حسب تأكيدات أكثر من مصدر. وأمام منزل الهالك أحمد السقام اللنجري، نصبت خيام لتلقي العزاء في وفاة الضحية، بحكم أن السكان ما زالوا يعتبرون أن المنزل حق للأسرة المفرغة، وأن أحكام الإفراغ كانت نتيجة «رشاوى ووثائق مزورة»، في حين دعا عدد من سكان الحي وناشطون من حركة 20 فبراير إلى القيام بمسيرة من ساحة تافيلالت إلى مستودع الأموات للمطالبة بتسليمهم جثة الهالك، لتنظيم جنازة له ستتحول إلى مسيرة احتجاجية عارمة. وباتت أحياء بني مكادة، منذ يوم الثلاثاء الماضي، خارج سيطرة الأمن بشكل كلي، إذ إن «لجانا» تعمل على مراقبة مداخل ومخارج المنطقة ليل نهار لرصد أي عنصر أمني قد يقترب من المكان، حيث توعدت مجموعات غاضبة من السكان عناصر الأمن ب«الانتقام». وفي سياق متصل، كشفت مصادر مطلعة أن تطور أحداث بني مكادة، راجع إلى مشكلة في الخفاء نشبت بين وزارة الداخلية، ممثلة في ولاية طنجةتطوان في شخص الوالي محمد اليعقوبي، وولاية أمن طنجة في شخص واليها الجديد عبد الله بلحفيظ، حيث رفض الأول بعث عناصر القوات المساعدة لمساندة عناصر الأمن أثناء اشتباكها بالمحتجين يوم الثلاثاء الماضي، وهو ما يفسر عدم تدخل القوات المساعدة رغم استمرار المواجهات لأزيد من 5 ساعات، وتضيف مصادر عليمة، أن سبب هذا الرفض راجع إلى رفض بلحفيظ في البداية التنسيق مع الوالي اليعقوبي، حيث اعتقد أن بإمكانه مواجهة الاحتجاجات بواسطة عناصر الأمن وقوات مكافحة الشغب وحدها، الأمر الذي أثار غضب اليعقوبي، الذي فضل بعد ذلك عدم إقحام قواته في هذه الأحداث نهائيا. وكانت المحكمة الابتدائية في طنجة قد قضت يوم الجمعة الأخير بمتابعة الهالك «أحمد السقام» وزوجته «خدوج» و7 من أبنائهما في حالة اعتقال بتهمة منع تنفيذ حكم قضائي وعرقلة عمل القوات العمومية، فيما تم إطلاق سراح 5 أبناء قاصرين من بينهم 3 صبيان وفتاتان، وقد تم تأجيل النظر في القضية إلى غاية 19 نونبر، لكن الوقت لم يمهل رب الأسرة الذي نقل إلى مستشفى محمد الخامس بعدما تدهورت حالته الصحية إلى أقصى حد، وهناك فارق الحياة.