خاطب والي ديوان المظالم، محمد العراقي، الملك محمد السادس في تقريره الأخير حول حصيلة عمل المؤسسة لسنتي 2006 و2007 بالقول إن عددا من الشكايات المحالة على المؤسسة قد استجابت الإدارة لمطالب أصحابها، في حين أن عددا آخر لا يستهان به كان مصيره الرفض والامتناع. وذلك «لأسباب مختلفة، تارة تكون موضوعية ومقبولة من الناحية القانونية، وتارة أخرى تكون غير مقبولة وغير قائمة على اعتبارات قانونية، وإنما تشكل صورة من صور التعامل غير الإيجابي وغير المسؤول والمنافي لضوابط سيادة القانون، ولقواعد الإنصاف ومبادئ العدل، التي لا تزال بعض المصالح العمومية تمارس سلوكا منافيا لها ومخالفا لروحها ومنطوقها، غير آبهة بالتطور الديمقراطي المشهود الذي تعيشه بلادنا واقعا ملموسا...». وفي مقدمة القضايا التي امتنعت الإدارات العمومية عن تنفيذ تظلمات المواطنين بشأنها تأتي معضلة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية. فرغم إشادة التقرير في إحدى فقراته بما شهده قطاع العدل من «تفعيل لآلية توجيه المشتكين وإرشادهم في إطار برنامج تنسيق بين المؤسسة ومسؤولي وزارة العدل»؛ إلا أنه يعود ليؤكد أنه «من غير المفهوم على الإطلاق أن ترفض بعض الإدارات تنفيذ أحكام قضائية نهائية حائزة لقوة الشيء المقضي به، بدعوى أن الأمر يتعلق بحكم غير صائب، أو أن لديها ما يثبت عدم أحقية المدعي في مطالبه... فرفضها للأحكام القضائية النهائية يعتبر موقفا مجانبا للصواب، ويعتبر تحقيرا لهذه الأحكام، ويثير كثيرا من التساؤل والاستغراب، فضلا عما يستوجبه من مواقف حازمة من أجل التقيد بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف... ويمثل حقيقة صادمة تؤثر على سمعة البلاد وتفقد سلطة القضاء جوهر الوظيفة التي تنهض بها في إقرار العدل وإشاعة الإنصاف». من جانب آخر، احتلت القضايا ذات الطبيعة الإدارية صدارة ترتيب الشكايات المعروضة على المؤسسة، بما يفوق 1600 شكاية، أي ما يمثل 58 في المائة من مجموع الشكايات. مع طغيان الشكايات المتعلقة بالوضعيات الإدارية والمالية للموظفين العاملين في المرافق العمومية، «و التي تمثل في جوهرها مطالب نقابية لها إطارها القانوني الخاص من أجل تقديمها والدفاع عنها، يؤدي الانشغال بها إلى التأثير على الأهداف التي أحدثت من أجلها المؤسسة». وخلص التقرير إلى أن المورد البشري وجد من أجل تقديم خدمة عمومية لفائدة المواطنين، إلا أن تحول مشاكله إلى عائق دائم لأدائه لمهامه يجعل وجود المرفق العمومي غير ذي جدوى ويمثل عبئا ثقيلا على اقتصاد البلاد. أما في ترتيب الشكايات المعروضة على أنظار والي المظالم من حيث تصنيفها القطاعي، فقد احتفظت وزارة الداخلية والجماعات المحلية بصدارة اللائحة، بما يقارب 1000 شكاية خلال السنتين الماضيتين. وخلص تقرير والي ديوان المظالم إلى أن الشكايات الموجهة ضد القرارات الصادرة عن الجماعات المحلية تبقى في المرتبة الأولى، خاصة في ما يتعلق بنزع ملكية أراضي الخواص «دون ضوابط أو مساطر وفي خرق للقانون. وهو سلوك إن كانت تمليه ضرورة الحصول على الأراضي لإقامة مشاريع اقتصادية واجتماعية... فإن هذه الإدارات غير معفية من التقيد بالقانون وحماية حقوق أصحاب هذه الأراضي». لتأتي القضايا المتعلقة بالمشاكل العقارية في المرتبة الثانية بعد تظلمات الموظفين؛ «وضمن هذه الشكايات جميعها تصل قضايا التعويض عن نزع الملكية الخاصة وحالات الاعتداء المادي على ملكية الأراضي من قبل الإدارة إلى 366 قضية». فيما تأتي الشكايات المتعلقة بالنزاعات المالية وأداء الضريبة في الصف الثالث، ومنها ما يخص نزاعات حول صفقات عمومية، وامتناع الإدارة عن أداء المستحقات المالية مقابل الخدمات والأعمال التي يقوم بها البعض لفائدتها في إطار عقود مبرمة معها. تحليل ديوان المظالم لهذا النوع من الشكايات قاده إلى استنتاج وجود عوائق حقيقية في عملية التواصل بين الإدارة والملزمين بأداء الضريبة، و«يؤكد الحاجة الماسة لمراجعة القوانين الضريبية بما يكفل تبسيطها وجعلها في متناول الملزَم».