في ركن «نساء»، هذا الأسبوع، نرسم مسار امرأة، عشقت الريف الذي تتنفس هواءه بالرغم من استقرارها بالرباط بعيدا عنه لكنه يسكنها ولا تسكنه على حد وصفها للحب الكبير لمنطقة الريف؛ طبيعة وناسا، حيث وجعلت منه قضيتها الأولى وسخرت له جل أبحاثها الأكاديمية. ولدت صباح في الحسيمة، بين أحضان أسرة تتكون من عشرة إخوة وأخوات، لم يدخر الأب جهدا في تربيتهم تربية مُحافِظة ومتفتحة في الآن نفسه، لبلوغ أعلى مدارج العلم والمعرفة دون فرقة بين الذكور والإناث، وإلى جانبه الأم، رحمها الله، حيث أغدقت عليهم من حنانها ورعايتها لتربيتهم تربية صالحة. تابعت صباح دراستها الابتدائية والثانوية في مسقط رأسها، الحسيمة، والجامعية في وجدة، أما الدراسات المعمقة فكانت في تطوان وحصلت على شهادة الدكتوراه (تخصص تاريخ المغرب سنة 2004، حول موضوع «غمارة -الريف في مرحلة الصراع الفاطمي -الأموي، من 909 م إلى 1083 م») من جامعة محمد بن عبد الله في فاس والتحقت بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كباحثة سنة 2007. عشق الريف توضح صباح علاش عشقها لهذه المنطقة بقولها: «بعد التحاقي بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تواتَر عليّ طرح سؤالين، الأول يهم الأمازيغية والثاني يربط بين إقامتي في الرباط والاشتغال على مواضيع مرتبطة بالريف، كنت أجيب بتلقائية، بأن الأهمّ أن يسكنك الريف، لا أن تسكنه، وتفسير لك يرتبط بما هو ذاتيّ، متعلق بانتمائي إلى المنطقة وإلى الوسط العائلي، بوصفه عاشقا للريف، لأحداثه، معالمه ولعلمائه.. وتضيف أنّ البرامج والمناهج التعليمية المُعتمَّدة، جعلتنا نعتقد أن الريف كان على هامش التاريخ، مدنا ومواقع تاريخية، لكنني اكتشفت، بعد ذلك، الأهمية الإستراتيجية للريف ومساهمته في تاريخ وحضارة المغرب وغنى مواقعه التاريخية والأركيولوجية، ومن ثمة كان كان لزاما عليّ الانخراط في إماطة اللثام عن هذا التراث والتاريخ المشرق والمساهمة في التعريف به. المرأة الر يفية تصف صباح علاش واقع المرأة الريفية بكونه مغيَّباً إعلاميا، ودليل قولها الذكورية المسيطرة على التاريخ، الذي يعجّ بالأبطال والرموز الرجالية دون النساء، حيث يتم تغييبهن بشكل مقصود أو لا مُفكَّر فيه، ما جعل مساهمة المرأة المغربية، عموما، والريفية خاصة، في مختلف الوقائع التاريخية، شبهَ مُغيَّبة، رغم أدوارها الطلائعية التي كانت وما تزال، واليوم، تضيف علاش «يمكن التمييز، في واقع المرأة الريفية، بين عدة مستويات، بأنْ استفادت من فرص التعليم المتاحة، رغم محدوديتها، و مكن ملامسة ذلك في مختلف الملتقيات العلمية، بتواجد كفاءات نسائية من مستوى عالٍ في مختلف التخصصات، بل منهن من تولّيْن مناصبَ مهمة، وخاصة في المهجر.. ولن تكون نجاة بلقاسم، وزيرة حقوق المرأة والناطقة باسم الحكومة الفرنسية، آخرَهنّ. كما يعرف المجتمع المدني دينامية كبيرة في مختلف المجالات المرتبطة بالمرأة، بميلاد جمعيات نسائية، يشهد لها الجميع، بجهودهن الجبارة في النهوض بأوضاع المرأة وتعزيز قدراتها على جميع المستويات، لكنْ باستحضار حجم الخصاص، تظل هذه الجهود «جُزرا» قليلة في «بحر» الأمية، الذي تتخبط أغلب نساء المنطقة بين أمواجه، تزيد من تعميقها العزلة التي تعاني منها عدة مناطق، بعيدا عن الخدمات الاجتماعية، وخاصة الصحة، ولذلك تقول علاش «ينتظرنا عمل جبّار لإنصاف المرأة وإبراز مساهمتها المُشْرقة في تاريخ المنطقة، ومن ضمنه المقاومة، باعتماد برامج القرب، التي تسهم في تحسين أوضاع النساء في الريف. الثقافة الأمازيغية وبخصوص غيرتها عن الثقافة الأمازيغية، لا تسثني صباح علاش واقعَ المشهد الثقافي الريفي عن نظيره المغربي، لكونه جزء لا يتجزأ منه، وإن كانت تَعتبر الريفَ من ضمن المناطق التي تندرج في الهامش، ولأجل ذلك تشدّد علاش على ضرورة فتح حوار وطنيّ وهادئ، بهدف وضع إستراتيجية ثقافية واضحة ومنصفة لجميع المكونات الثقافية الوطنية، وتكونالبداية، في رأيها، بوضع حد للانفصام الذي تعرفه المدرسة المغربية عن الواقع المجتمعي في صلبه الثقافي، حيث ترى أن المدرسة تخلّت عن ترسيخ ثقافة القراءة لدى الناشئة، وخاصة مع الطفرة الرقمية (الأنترنيت)، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال رقم المبيعات المحدود الذي تسجله جل الإصدارات الثقافية، وخاصة الإبداعية منها، ناهيك عن دُور السينما، التي أغلقت أبوابها، وكذا العزوف عن المسارح.. عوامل وأخرى تُحمّلها علاش مسؤولية الارتباك والبحث عن الذات اللذين يتخبط فيهما المشهد الثقافي المغربي، حيث نُعدّ للدخول المدرسي والسياسي، أما الثقافي فغائب.. وبخصوص تقييمها للإعلام في الريف، ترى علاش تجربة الإعلام الإلكتروني أكثرَ نجاحا من غيرها، حيث كشفت وجود طاقات وكفاءات كثيرة، نجحت في التعريف بمعالم وقضايا الريف، وشكّلت جسرَ تواصل بين الموارد البشرية للريف داخل الوطن وفي المهجر وتمكنت، بذلك، من تأسيس ما يمكن اعتباره «صحافة القرب»..
بطاقة باحثة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (مركز الدراسات التاريخية والبيئية)، شاركت في عدة ندوات علمية وطنية ودولية، ساهمت بعدة مقالات في عدد من المجلات المتخصصة والكتب الجماعية، حول تاريخ الريف وتراثه: قضايا أمازيغية في تاريخ المغرب الوسيط، قبيلة إبقوين بقيوة وجوانب من نظمها التقليدية، مدخل إلى المصطلحات والمفاهيم المرتبطة باستعمال الماء بالريف، مدخل إلى تاريخ وخصائص المعمار في الريف، الشبكة الحضرية في الشريط الساحلي المتوسطي للمغرب خلال العصر الوسيط، المؤهلات التاريخية والثقافية والبيئية للريف ودورها في توجيه التنمية. -المقاومة الريفية من الشريف محمد أمزيان إلى محمد بن عبد الكريم الخطابي، -المرأة الريفية والمقاومة، -مساهمة المرأة الريفية في مقاومة الشريف محمد أمزيان، -الفخار النسائي في الريف بين الأصالة والحماية، -دور المرأة في المحافظة على الثقافة الأمازيغية. حسناء زوان